الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مساحات للإبداع وقضاياه

مساحات للإبداع وقضاياه
17 مارس 2010 20:30
استطاع “مهرجان طيران الإمارات للآداب” في دورته الثانية التي أقيمت في دبي بين العاشر والثالث عشر من مارس الجاري استقطاب عدد كبير من الكتاب والمبدعين، روائيين وشعراء، محليين وعرباً وأجانب، فأكد حضوره بوصفه واحداً من أهم المهرجانات الثقافية في المنطقة العربية، محققاً أبرز أهدافه المتمثلة في توفيره لنا فرصة لقاء العشرات من مشاهير الآدباء العرب والأجانب، وحضور المناظرات الأدبية والثقافية، والاستماع إلى قراءات ممتعة للشعر والنثر والمشاركة في الندوات وورشات العمل التي أقيمت على هامش المهرجان. كما تحقق واحدا من أبرز أهداف المهرجان وهو المتجسد في تشجيع المواهب الجديدة والناشئة والإبداع بأشكاله المختلفة في جميع دول المنطقة. في هذا المهرجان ومنذ البداية كان ثمة حضور مميز للشاعر والإعلامي خالد البدور المنسق الإعلامي عن الجانب العربي في المهرجان، فكان حاضراً بوصفه شاعراً في أمسيات الشعر، وبوصفه منسقاً إعلامياً، إضافة إلى مشاركته في وضع كتاب جمع فيه أشعار عدد من الشعراء الإماراتيين النبطيين وقدم نماذج منها في المهرجان، وفي آخر أيام المهرجان قال “إن الدورة الثانية من المهرجان قد نجحت في تحقيق القدر الأكبر من أهدافه، سواء على صعيد حجم الأنشطة الذي ازداد هذا العام عن العام الماضي، أو على مستوى الإقبال الذي لقيته هذه الأنشطة من قبل الجمهور، وخصوصاً جمهور الطلبة، وقد تعرف الجمهور على الكتاب عن قرب في الحوار معهم وفي توقيع كتبهم، كما نجحت الكثير من الورشات الإبداعية في تعريف الجمهور على تفاصيل العمل الأدبي والكتابة عموماً، وكان هناك حضور مميز للكاتب المحلي”. وعلى صعيد الفعاليات فهي متنوعة وأكثر من أن نلم بها، لكننا سنتوقف عند أبرزها وأهم القضايا التي طرحتها. فقد تعددت القضايا وتنوعت العناوين، بدءاً بلقاء حول موضوع “الإلهام”، الذي شارك فيه كل من الروائيَّين بهاء طاهر ويان مارتل والشاعرة امتياز داكار، حيث كان السؤال “من أين يستقي المؤلفون إبداعاتهم”، فقال بهاء طاهر إن أسوأ أنواع الإلهام هو الكتابة المستقاة من المواقف الأيديولوجية المسبقة، وأنه لا يفهم الإلهام بحسبه وحياً خارجياً من ربات الشعر والكتابة، بل يعتبر أنه شيء يكتشفه الكاتب داخل ذاته. وأكد طاهر على أنه لا توجد حالة واحدة أو وجه وحيد للإلهام، فلكل كاتب طبيعته، كما تحدث الكتابة أحياناً في ظروف متباينة أشد التباين. غير أن الأهم هو تلك اللحظة التي تبدو فيها عناصر التجربة المتنافرة موحدة في فكرة، بحيث تبدو وكأنها تظهر أمام الكاتب لأول مرة. ومن جهتها أكدت الشاعرة امتياز داكار على أهمية “الصمت” في الكتابة، وعلى الإصغاء للصوت الداخلي، وباعتبارها شاعرة رفضت دياب ما يمكن أن يحدث من الناشرين والمحررين من تدخل أو تقديم اقتراحات للكاتب، معتبرة الشعر بالذات غير قابل للقسمة والمساومة. وبدت التجربة الخاصة أكثر وضوحاً في رحلة الروائي يان مارتل صاحب رواية “حياة الرجل باي” فقد عكست كلماته خبرته الشخصية، فتناول قصة علاقته بالأدب وفشله في المراحل الأولى، وبروح تهكمية تحدث عن دراسته الجامعية في مجال الفلسفة، ثم تحدث عن محاولته إعادة فهم الدين الذي لم يكن يعتبره من قبل أكثر من نوع من الطفولة، وقال مارتل “كنت تعبا من كوني عقلانيا.. وتساءلت ماذا لو كنت متدينا.. وغيّر هذا السؤال حياتي”. كما تحدث عن مرحلة الشباب الأولى باعتبارها الفترة التي يمكن أن يغامر فيها الإنسان بكل شيء وأن يتحمل الفقر، وتجربة ذاته في أمور قد تبدو خرقاء.. تماماً مثل الأدب. الكتابة.. والكتابة “النسوية” وفي ملتقى عربي أوسع قدمت “خمس كاتبات من الوطن العربي” رؤيتهن لوضع الكتابة التي تقدمها المرأة العربية، وهموم الكاتبة العربية وما وصلت إليه، وقد شاركت في اللقاء الكاتبات: السعودية بدرية البشر والإماراتية نجوم الغانم والمصرية إيمان مرسال والعراقية سالمة صالح واللبنانية علوية صبح، وتركز النقاش حول ظاهرة تزايد أعداد الكاتبات في الوطن العربي، كما تطرق إلى ظاهرة الجنسوية في الأدب وخيارات الكاتبة العربية وأهدافها. في هذا اللقاء دعت نجوم الغانم إلى تجاوز مصطلح الجنسوية الذي تردد كثيراً في الإعلام الثقافي العربي وأكدت أن الكاتبات العربيات موجودات بقوة في المشهد الثقافي العربي منذ زمن بعيد، وان انتشار وسائل الإعلام الحديثة أسهم في إبرازهن، كما أكدت الغانم أن الكتابة كَفَنّ يجب أن يتم التعامل معها بحيادية بصرف النظر عن جنس الكاتب سواء كان رجلا أو امرأة وأنها معنية دائما برصد الإضافة النوعية التي تقدمها أية كتابة جديدة، وان فعل الكتابة هو بالضرورة فعل ذاتي يحقق اطمئنانا وسلاما للكاتب الذي يضطلع بمشروع ثقافي مؤمن به. أما إيمان مرسال فأكدت أن الكتابة اختيار فردي مشروط بأدوات فنية وإبداعية لابد من توافرها وأننا يجب أن ننأى عن النظر إلى الكتابة باعتبارها موضوعا يقوم بمهمات وأعباء تغيير العالم. وبدورها أكدت علوية صبح أن المرأة الكاتبة هي أكثر جرأة من الرجل الذي تناط به دائما مهمات سلطوية كثيرة، وأن ما يدفع المرأة إلى الكتابة هو تسارع الظروف والمتغيرات المعاصرة، وان لدى المرأة دائما ما تود أن تبوح به بسبب ذاتها المقموعة في الواقع، وأكدت علوية على ذلك قائلة “إننا لا نكتب بدافع الترف أو لنجمل أنفسنا، بل لأن الكتابة يجب أن تقوم بمهمة تغيير الواقع”، وذكرت أنها حين تكتب تشعر كما لو أنها أصبحت كائناً مختلفاً تناط به مهمات دافعها إنساني صرف. وقالت سالمة صالح إن الحديث عن زيادة عدد النساء الكاتبات الآن هو أمر مبالغ فيه، وإن استمرار ظروف القهر الاجتماعي ما تزال كما هي وإننا على الأغلب نكتب بدافع اليأس لأننا أكثر تشبثاً بالحياة. أما بدرية البشر فتحدثت عن الكتابة بوصفها هاجساً ذاتيا ومجتمعياً، وإنها هي ذاتها معنية بفعل التغيير ومحاربة كافة أنواع المصادرة مهما كان شكلها وإنها كمشتغلة بالهم الكتابي سوف تستمر في التصدي لكافة معوقات جعل المرأة طرفاً خاسراً في المجتمع. التواصل بين اللغات وعلى صعيد آخر مختلف قدم الشاعر العراقي فاضل العزاوي والكاتبة الباكستانية امتياز داركار مداخلتين حول “آفاق الكتابة باللغتين العربية والإنجليزية”، فقال العزاوي في البداية “إنني من حيث المبدأ أحترم ثقافتي العربية وكل ما تحمل من أبعاد فكرية وإنسانية، لكنني في الوقت نفسه أرى أن ولوج لغة أخرى وثقافة أخرى سوف يثري تجربة الكاتب ويمنحه فرصة الاطلاع على أبعاد ومضامين جديدة، وإن أي كتابة بصرف النظر عن لغتها سوف تكون بلا جدوى ما لم تقدم إسهامات جديدة، وإن أي ثقافة تحمل الكثير من العناصر السلبية يجب التخلص منها، وإن شرط الكتابة يجب أن يكون معنياً بالانفتاح على الآخر. أما عن الشعر فأكد العزاوي أنه يحب هذا الحقل الإبداعي الموجود في تفاصيل حياتنا وعلاقاتنا مع الأقارب والأصدقاء والبشر من حولنا وأنه حين يكتب الشعر يشعر بأنه ما يزال على قيد الحياة. وفي حديثها حول الموضوع أكدت امتياز داركار على أن اللغة الانجليزية ليست طارئة في المجتمع الباكستاني فهي موجودة كلغة يتحدث بها الكثيرون وإنها اطلعت على العديد من النماذج الشعرية والروائية العالمية، وان ما يهمها في نهاية المطاف هو ما تقدمه الكتابة الإبداعية من إضافة نوعية متجردة من أي حسابات باستثناء ما تستشرفه من بعد ثقافي وإنساني وإنها تحرص دائما على كتابة الكثير من القصائد التي تشعرها بالمتعة سواء تلك التي تقدم تفصيلاً حياتياً أو تجربة خاصة ترى ضرورة لنشرها. وفي سياق قريب كان للكاتبة المصرية البريطانية الجنسية أهداف سويف حيز في المهرجان وأكثر من مساهمة، فقد استعرضت في لقاء خاص تجربتها في الكتابة باللغتين العربية والانجليزية، وأبرز المشاكل التي واجهتها في ترجمة بعض العبارات من العربية إلى الانجليزية، لا سيما ما نشرته في جريدة الجارديان البريطانية ومحاولتها تقديم لغة وسيطة قابلة لاعطاء فكرة حيوية عن مضمون ما تود أن تقدمه للقراء الناطقين بالانجليزية، كما تحدثت عن لغتها الأم العربية وزواجها من رجل انجليزي أسهم في إثراء معلوماتها بالكثير من خصائص اللغة الانجليزية، وتحدثت سويف عن التحديات التي واجهها مهرجان فلسطين للآداب مثل محاولات الجيش “الإسرائيلي” الفاشلة لإغلاقه في ليلة الافتتاح في العام الماضي، وقدّمت معلومات مفيدة للقارئ الغربي عن حجم المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في صراعهم مع الاحتلال. دبي بالكلمة والصورة وفي محاضرة مشتركة لجوليا ويلر وبول ثيسبرت حول تراث مدينة دبي جرى التركيز على التراث الغني الذي تتمتع به هذه المدينة لكونها ميناء تجارياً ومهداً للحضارات، ونبهت جوليا، وهي مؤرخة وصحفية تعيش في دبي منذ 15 عاماً، وكانت قد بدأت بتسجيل التاريخ الشفوي للأفراد، وجمعت بعضاً من هذا التراث في كتابها “سرد الحكايات”، إلى ضرورة الحفاظ على هذا التراث وعدم اندثاره. أما بول ثيسبرت فقدم عرضاً مصوراً أضاء فسيفساء متنوعة من الماضي الإماراتي حيث حياة الصحراء، وذلك الانتقال التدريجي من البداوة إلى الحضارة، كما رصدت عدسته بعضاً من ملامح التطور الذي عاشته دبي ابتداء من صور الجمال والأسواق التجارية وغيرها الكثير. وتبادل كل من بول وجوليا الإضاءة على ماضي دبي والتغييرات التي طرأت عليها خلال الطفرة العمرانية التي شهدتها السنوات القليلة الماضية. فضاء للأطفال والطلبة ومنح منظمو المهرجان حيزاً للطلبة يلتقون فيه مع الكتاب والمبدعين ضمن “يوم تربوي”، حيث حضر أكثر من ثلاثة آلاف طالب وطالبة والتقوا ببعض أشهر الأدباء والشعراء أمثال روجر ماكّوه، دارين شان، جاكلين ويلسون، كارولين لورانس، ميشيل بيفر وجارث نِكس، الذين تحدثوا إلى الطلاب حول تجاربهم ككتّاب وشعراء، وقرأوا عليهم مقتطفات من أعمالهم الأدبية. وأتبع كل أديب كلمته بتوقيع أحد كتبه للمعجبين. كما استقبل العديد من المدارس والكليات زيارات خاصة من بعض الأدباء المشاركين في المهرجان، بمن فيهم إيان وايبرو، طوني روس، بولّي دنكبار، أوليفر جيفرز، كيت آدي وألكساندر ماكّول سميث.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©