الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عندما تتوهج العواطف على الورق

عندما تتوهج العواطف على الورق
17 مارس 2010 20:13
هذه هي الحلقة الأولى في سلسلة نقتطف فيها بعض، أو أجزاء، من الخطابات الغرامية لأولئك الرجال والنساء الذين صنعوا التاريخ بشكل أو آخر سواء في كراسي الحكم أو الأدب أو الفنون أو العلوم عبر العصور. وعلى الرغم من وصف هذه الخطابات بأنها غرامية، فهي ليست بالضرورة سيلاً من الغزل والشكوى من لهيب الحب على شاكلة قصائد الملوح في العامرية. وقد تجنح في أحايين لتناول أشياء دنيوية، مثل حال البريد أو المعايش عموماً أو السخط على المرسل إليه نفسه. لكنها تبقى في آخر المطاف وصفاً للعشق واستنجاداً من كاتبها بحبيبه في وحدته وتوسل لقائه، وهذا هو ما سنركز عليه في هذه المقتطفات. نبدأ هذه الحلقة بخطاب من هنري الثامن، ثاني ملوك التيودوريين الإنجليز، وخطابين من العبقري الموسيقي فولفغانغ امادياس موزارت، ونختتمها بخطاب من الكاتبة تشارلوت برونتي التي شكلت مع أختيها آن وإيميلي في القرن التاسع عشر ثلاثياً أدبياً يعتبر إحدى أكبر دعامات الأدب الكلاسيكي العالمي. هنري الثامن اشتهر هنري الثامن، ملك انجلترا من 1509 إلى وفاته في 1547، بأمرين فوق البقية هما: أولهما خروجه على الفاتيكان بسبب معارضتها لطلاقه من زوجته الأولى كاثرين أوف أراغون وزواجه من آن بولين التي التقى بها في العام 1526. والثاني زواجه ست مرات بعدما تخلص من قيود الفاتيكان ليؤسس “كنيسة انجلترا” خصيصاً لهذا الغرض. وكان هنري قد سعى سبع سنوات لدى الفاتيكان من أجل طلاقه ليتزوج آن بولين بعدما رفضت هذه الأخيرة أن تصبح عشيقة له. وعندما يئس من الكنيسة الكاثوليكية، انشق عليها فطلق كاثرين وتزوج محبوبته آن في 1533 تبعاً لتعاليم كنيسته الجديدة. وقد انجبت له ابنته اليزابيث التي صارت في ما بعد الملكة اليزابيث الأولى. ولكن، في 1536 كان هنري قد استنفد حبه لآن ورغب في غيرها. فلفّق لها تهمة الزنى مع عدد من الرجال بمن فيهم أخوها جورج، فيسكونت روتشفورد. وهكذا قبض عليها وأعدمت بقطع رأسها في برج لندن، وكان هذا مصير بقية المتهمين أيضاً. وبعد 11 يوماً تزوج هنري من جين سيمور. وكانت آن بولين هي متلقية هذا الخطاب في أوج أيام الغرام: “إلى آن بولين، عشيقتي وصديقتي قلبي وأنا، كلانا يضع نفسه بين يديك ويتوسل أن يُوفق لما فيه رضاك، وألا يكون غيابك سبباً في انحسار مشاعرك نحوه. فهذا سيزيد الألم، وسيكون خسارة عظيمة لأن الغياب في حد نفسه ألم عظيم أيضا. وهذا يذكّرني بحقيقة في علم التنجيم تقول: كلما زادت المسافة بين الشمس وقطبي الأرض، ارتفعت درجة الحرارة فيهما وليس العكس. وهذا هو حال حبنا. الغياب يترك مساحة بيننا تولد حرارة متعاظمة، على جانبي بشكل خاص. أتمنى أن الشيء نفسه يحدث على جانبك. واستطيع أن أؤكد لك أن عذاب الغياب، في حالتي، يصبح غير محتمل لولا أملي العظيم في عطف لا يتزحزح من لدنك تجاهي. ومن أجل تذكيرك بهذا، وبسبب عجزي عن أن أكون بجانبك في شخصي، أرسل إليك أقرب الأشياء المتاحة ليدي الآن: صورتي التي ترين أنها محتواة داخل تلك الأسورة التي تعرفينها جيداً، مع أمنياتي بأن أكون أنا مكانها متى شئت أنت ذلك. هذا من يد خادمك وصديقك المخلص هـ. ر”. موزارت ابتدع لموزارت، المولود في سالزبورغ بالنمسا في العام 1765، تعبير “الطفل- المعجزة” لأنه أتقن عزف البيانو وبدأ سلسلة مؤلفاته العديدة التي حظي بشرف تقديمها في البلاط الامبراطوري في فيينا وهو في سن الخامسة. وفي الثامنة ألف سيمفونيته الكاملة الأولى. ولدى وفاته المبكرة في 5 ديسمبر 1791 في سن الخامسة والثلاثين، كانت مؤلفاته قد وصلت إلى قرابة 630 عملاً تعتبر قمة الإبداع الموسيقي الكلاسيكي على تعدد أشكاله. في العام 1782 تزوج كونستانتسه ويبير التي أنجبت له ستة أبناء، مات أربعة منهم في طفولتهم الباكرة، وهي متلقية خطاباته هنا. وقد اشتهر موزارت بأشياء عديدة تتعلق بموهبته الموسيقية منها أنه لما كان طفلاً سمع خنزيراً يطلق شخيره، فقال إنه يشخر في نغمة “صول بيمول”. كما اشتهر، خارج نطاق الموسيقى، ببذاءة لسانه وفحش لغته في خطاباته بما فيها التي كان يكتبها لشقيقته. وأدناه خطابان وجزء من خطاب أرسلها إلى زوجته كونستانتسه: “16 أبريل (نيسان) 1789 صغيرتي، أيتها الزوجة العزيزة أتمنى عليك عدداً من الأشياء. أتوسل إليك: (1) ألا تحزني. (2) أن تهتمي بتمام صحتك وأن تحذري نسائم الربيع الباردة. (3) ألا تخرجي للتمشي منفردة... والأفضل ألا تخرجي للتمشي البتة. (4) أن تثقي مطلق الثقة في حبي. فحتى الآن لم أكتب إليك خطاباً واحداً بدون أن يكون بورتريهك العزيز أمامي. (5) أتوسل إليك أيضاً أن يكون في مسلكك كل الحرص ليس على شرفك وشرفي وحسب، وإنما أن تراعي مظهرك أيضا. لا تغضبي عليّ بسبب رجائي هذا وإنما، على العكس، امنحيني مزيداً من الحب لأنني أقدّر شرفنا كل التقدير. (6) أخيرا، أتوسل إليك أن تضمني في رسائلك مزيداً من التفاصيل. هل تأتي أسرة لانغ للزيارة بانتظام؟ هل قارب ذلك البورتريه الانتهاء؟ ماذا يحدث في حياتك اليومية؟.. غني عن القول إن هذه أشياء تهمني كثيراً. أ. موزارت”. وفي أكتوبر 1790 كتب يختتم أحد خطاباته: وأنا أكتب لك هذه الصفحة الأخيرة، ظلت دموعي تنسكب على الورقة الواحدة تلو الأخرى. لكن عليّ أن أطلق أساريري على نحو ما. اقبض..! اقبض..! عدد لا حد له من القبل يتطاير فوقي ومن حولي... أرى حشداً منها يتجمع في الزاوية. هاها ها..! قبضت لتوي على ثلاث منها.. مممم! لكم هي لذيذة شهّية. (...). “آديو” (Adieu) وداعاً يا أقرب الأقربين إلى قلبي، زوجتي حبيبتي صغيرتي المدللة.. اهتمي بصحتك ولا يخطرنّ على بالك السير على الأقدام إلى مركز البلدة. اكتبي إليّ عن مسكننا الجديد. آديو! أقبّلك مليون مرة. أ. موزارت”. وفي 6 يونيو 1791 كتب أيضاً لزوجته من فيينا عندما كانت هي تتعافى في منتجع بادين: “تسلمت في هذه اللحظة خطابك الحبيب، وأنا في غاية السعادة لعلمي الآن أنك بخير وفي معنويات عالية. كما أنني مبتهج لأنك تتمتعين بشهية مفتوحة. عليك بالإكثار من المشي. لكنني لا أريد لك في الوقت نفسه المشي مسافات طويلة من دوني. أتمنى عليك اتباع نصيحتي بالحرف لأنها تأتي من قلبي. آديو.. وداعاً حبي.. وحبي الوحيد. تلقفيهم.. تلك الـ½2999 من القبل الصغيرة التي تتطاير أمامك الآن في الهواء بانتظار من يخطفها. واسمعي.. أريد أن أهمس بشيء في أذنك بينما تهمسين أنت في أذني في الوقت نفسه. دعينا نحرك شفاهنا متلازمة ونهمس “بلامبي سترومبي”! ما هي “بلامبي سترومبي”؟ هي أي شيء يخطر على بالك. آديو. ألف قبلة رقيقة مني إليك. لك إلى الأبد موزارت”. تشارلوت برونتي تشارلوت ـ أكبر الثلاثي برونتي ـ أديبة إنجليزية تعتبر روايتها “جين إير” بين أشهر الروايات الكلاسيكية على الإطلاق. ولدت في ثورنتون، مقاطعة يوركشاير، في 1816، الثالثة من 6 أبناء للقس الآيرلندي الأصل باتريك برونتي وزوجته ماريا برونويل. في 1842، سافرت بغرض الدراسة مع شقيقتها إيميلي إلى بروكسل، حيث سيطر عليها الإحساس بالوحدة والحزن بسبب حبها من طرف واحد لمعلمّها المتزوج البروفيسير كونستانتان ايغير. وفي يونيو 1854، بعد يأسها من ايغير، تزوجت تشارلوت من العامل الكنسي آرثر بيل نيكولاس، لكن صحتها تدهورت مع حملها بعد فترة وجيزة، وتوفيت بالسل كما يقال قبل الولادة في 1855 عن عمر قصير يناهز 38 عاماً. وأدناه إحدى الرسائل التي كتبتها لمعلمّها المسيو إيغير في 1845: “مسيو، الفقراء لا يحتاجون إلى الكثير من أجل سد الرمق الذي يبقي المرء على قيد الحياة. وهم لا يطلبون غير الفتات الذي يتساقط من مائدة الثري. لكنهم إذا حرموا حتى من هذا الفتات نفسه، ماتوا تضوراً من الجوع. وأنا أيضاً لا أطلب الكثير من مشاعر أولئك الذين أحب. ولا أدري ما يمكنني أن أفعله بصداقة كاملة تامة، فلست معتادة على صداقة كهذه. وقد أظهرت لي أنت قدراً قليلاً من الاهتمام عندما كنت تلميذة أتلقى العلم على يدك في بروكسل. ولكن يكفيني هذا القليل.. وأتمسك به كما أتمسك بالحياة نفسها. تشارلوت برونتي”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©