الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

متحف العقاد للتراث والآثار بقطاع غزة.. مقاومة الاحتلال بأسلوب مختلف

متحف العقاد للتراث والآثار بقطاع غزة.. مقاومة الاحتلال بأسلوب مختلف
28 ابريل 2009 00:10
في فلسطين حيث الاحتلال الإسرائيلي «جاثم» على أنفاس الفلسطينيين يقتل ويدمر ويسرق الأرض والتاريخ، يقاوم فلسطينيون الاحتلال كل على طريقته. فهذا مقاوم «عنيد» يحمل بندقيته، وذاك مفاوض يصل الليل بالنهار بحثاً عن الحصول على حقوق شعبه، وثالث مزارع صامد على أرضه وغيرهم كثيرون. لكن أحد ابرز هؤلاء هو وليد العقاد (50 سنة) مدير متحف العقاد للتراث والآثار، الذي يعتبر الحفاظ على التاريخ الفلسطيني من السرقة والاندثار مهمة وطنية ونضالا لا يضاهيه شيء آخر. يقول: «قبل أن يغتصب الاحتلال الأرض يحاول دائماً اغتصاب التراث وتزوير التاريخ وسرقة الآثار، لقناعته الثابتة أن سرقة تاريخ شعب أهم من احتلال أرضه التي لن يستطيع إثبات أحقيته فيها إلا بتزوير الحقائق وإخفاء التراث إن لم يستطع تحويلها لصالحه. لذلك وجدنا الاحتلال الإسرائيلي يهتم دائماً بقلب الحقائق التاريخية، وتدمير الشواهد التراثية الدالة على وجود الفلسطينيين منذ القدم على هذه الأرض». ويضيف: «أعتبر أن مهمتي هي الوقوف في وجه الاحتلال والحفاظ على تراث فلسطين وآثارها من الضياع والاندثار، لتظل شاهدة على وجودنا هنا منذ القدم من جانب. وتدحض إدعاءاتهم تجاه أرضنا ومقدساتنا من جانب آخر. فأنا أقاوم الاحتلال بطريقة مختلفة قد لا يعي كثيرون أهميتها، لكني أعتبرها على قمة وسائل مقاومة الاحتلال». ويُعَدّ متحف العقاد الثقافي للتراث والآثار في خان يونس، جنوب قطاع غزة، إحدى المؤسسات التراثية المتميزة من حيث المقتنيات في قطاع غزة. إذ أقيم بجهود ذاتية حفاظاً على التراث الفلسطيني من الضياع وكشكل من أشكال النضال ضد الاحتلال. وأصبح المتحف محط أنظار الكثيرين الذين يتوافدون لزيارته والاطلاع على محتوياته «القيمة» من أكثر من مكان، حيث تزوره الوفود المدرسية والجامعية والمؤسسات الرسمية والأهلية محلياً وخارجياً، إضافة إلى الوفود الأكاديمية المتخصصة في علم الآثار من جامعات قطاع غزة وغيرها من الجامعات العربية والأجنبية على رأسها وفد كلية الآثار بجامعة القاهرة وآخر من جامعة هارفارد الأمريكية وغيرها. ويسرد العقاد الذي يطلق عليه الغزاويون لقب «عاشق الآثار» بداياته الأولى مع التراث، قائلاً: «عندما كنت صغيراً وكان عمري 14عاماً ذهبت في رحلة مدرسية إلى مصر كانت الرحلة للتعرف على الآثار المصرية هناك فذهبنا إلى الأهرامات والمتحف الحربي ودائرة الآثار بالقاهرة ومتحف الزراعة. فأعجبت بآثار مصر كثيراً وعدت إلى فلسطين لأبحث عن آثار فلسطين فوجدتها تسرق من قبل الاحتلال الإسرائيلي. وبدأت أحتفظ بكل مقتنيات الآباء والأجداد لأجمعها في صندوق داخل غرفتي. وظلت تكبر معي هذه الهواية حتى سيطرت على كل حياتي وتحولت من محاولة الحصول على بعض المقتنيات الصغيرة، إلى البحث الجدي عن كل ما يمثل فلسطين تراثاً وآثاراً». ويضيف: «لأكثر من عشرين عاماً، وأنا أبحث في كل منطقة بقطاع غزة عن الآثار، إذ أصبحت لدي قناعة أن هذا هو مشروع حياتي لأواجه الاحتلال. وقد خصصت كل وقتي وجهدي وإمكاناتي المادية لذلك، فالحفر والتنقيب عن الآثار يحتاج إلى تكاليف مالية كبيرة لا أقوى عليها في كثير من الأحيان، فأضطر إلى الاستدانة من هذا القريب أو ذلك الصديق». ويشير إلى أن «الهدف من وراء إنشاء هذا المتحف هو المحافظة على تاريخ فلسطين الكنعاني، وكل ما كان للفلسطينيين من تراث وآثار متنوعة مرت بها فلسطين عبر مراحل تاريخية طويلة، وذلك في ظل الجهود الحثيثة التي يبذلها الاحتلال في التنقيب عن المكتشفات الأثرية الفلسطينية وسرقتها بهدف تزييف التاريخ». ويقام متحف العقاد في منطقة زراعية هادئة وسط منزل ريفي، حيث الطبيعة الجميلة والأشجار الباسقة والطيور التي لا تغادر السماء. وما أن تطأ قدم الزائر أرض المتحف حتى يجد نفسه أمام مكان من نوع آخر. فلا زجاج يحيط بالمقتنيات ولا حوائط عالية أو أبواب فولاذية أو مبنى ضخم من تلك التي توضع فيها الآثار في دول العالم الأخرى. إذ لا توجد سوى بعض الحجرات القديمة التي تتراكم فيها القطع «الثمينة» والممرات الرملية التي يزخر جانباها بالأحجار والأعمدة الرومانية والبيزنطية. ويضم المتحف قسمين: الأول يختص بالآثار على اختلاف مراحلها التاريخية، والثاني يعنى بالتراث لمختلف المدن والقرى الفلسطينية. ويضم كل قسم أركاناً متعددة تختص كل منها بزاوية تاريخية واحدة. وفي قسم الآثار ركن خاص بالآثار الرومانية والبيزنطية، إذ يحتوي على أعمدة من الرخام تعود إلى العصر البيزنطي في حوالي (350) ميلادية، وتحديداً عصر الملكة «هيلانه»، علاوة على أعمدة رومانية من الحجر الكلسي تعود للعام (63) قبل الميلاد وعلى أوانٍ فخارية تعود للإنسان القديم. وفي ركن آخر توجد مجموعة كبيرة من النقود المعدنية التي تعود لحقب تاريخية متعددة أقدمها النقود الرومانية والبيزنطية، إضافة إلى النقود المستخدمة في العصور الأموية والعباسية والأيوبية، ناهيك عن النقود المملوكية والعثمانية والفلسطينية. ويقول العقاد على مختلف مقتنيات متحفه «وأخيراً تم العثور على تابوت أثري نادر في مقبرة بيزنطية تم اكتشافها خلال عمليات حفر لبناء منزل شرق خان يونس. ويعود التابوت المكون من الرصاص اللين إلى العصر البيزنطي ويزن (105) كيلو جرامات. وبداخله قطعتان نقديتان، مرسوم على وجههما الأول صورة لإمبراطور بيزنطي بزيه العسكري، وحرف كبير على الوجه الثاني للدلالة على القيمة النقدية للعملة». أما ركن الأسلحة، فيضم مجموعة من القذائف والذخائر التي استخدمت في الحربين العالميتين الأولى والثانية ويعود بعضها إلى العام الأول من القرن العشرين، علاوة على الأسلحة المستخدمة في الحروب الفلسطينية والعربية سواء قبل عام «النكبة» أو بعدها. وفي قسم التراث ركن يحتوي على الأثواب المختلفة للنساء الفلسطينيات في كل قرية ومدينة قبل نكبة عام 1948. إذ تعكس تلك الملابس الطابع القروي والمدني في آن واحد. إضافة إلى الأواني والأدوات التي كانت تستخدمها المرأة الفلسطينية في أعمالها المنزلية مثل فرن الطابون، والكانون، والصومعة، والغربال، والأواني الفخارية والنحاسية. ولزي الرجل الفلسطيني نصيب في هذا الركن، إذ يزخر بعينات من الكوفية والعقال والعباءة والقمباز والعصا المزخرفة، ناهيك عن «الهودج» المزين الذي كان يوضع فوق الجمل لنقل العروس يوم زفافها من بيت أهلها إلى بيت زوجها. ويوجد ركن آخر خاص بالأدوات الفنية التي كان يستخدمها الفلسطينيون قديماً للعزف بالموسيقى في أفراحهم، مثل اليرغول والشبابة والربابة. إضافة إلى الأدوات الزراعية، مثل المنجل والمحراث القديم والمذراة والهوجا، ناهيك عن بعض أدوات الفروسية. وفي ركن الانتفاضة، يشاهد الزائر الأدوات الحربية البسيطة التي استخدمها الإنسان الفلسطيني لمواجهة جيش الاحتلال خلال الانتفاضة الأولى، مثل الحجر والمقلاع والسكين والخنجر، علاوة على قائمة طويلة من الصور الفوتوغرافية لشهداء الانتفاضة وجرحاها وأسراها، مع بعض المنتجات اليدوية للأسرى في سجون الاحتلال. أما الجانب الشرقي للمتحف «المتواضع» شكلاً و»العظيم» مضموناً، فتوجد فيه مكتبة صغيرة تضم كتب التراث والتاريخ الفلسطيني، وتحمل عناوين متعددة، مثل يوم الأرض، والانتفاضة بين الجذور والآفاق، وفلسطين القضية والهوية وغيرها. وتكمن أهمية متحف العقاد، في أنه الأول من نوعه في قطاع غزة باعتراف الجهات المختصة، ويحظى باهتمام وسائل الإعلام المختلفة، والوفود التي تزوره، ويضم قطعا أثرية كثيرة تعود إلى عدة عصور منها: الفخارية، والمعدنية، والبرونزية، والذهبية وغيرها. ويشرح العقاد: «أقيّم كل قطعة أثرية عن طريق خبراء مصريين، منهم، الدكتور عاطف عبد الحي، رئيس قسم الآثار في جامعة القاهرة». يقول العقاد إن المعوقات كثيرة وعانى المتحف من مضايقات سلطات الاحتلال، ويروي: «تعرض المتحف تكراراً للاستهداف فمثلاً، تمت مداهمة بيتي لاعتقال أخي، وقع نظر الضابط الإسرائيلي على قطعة أثرية تعود إلى العصر البيزنطي توجد عليها زخارف ونقوش هندسية وكلمات بالحروف اللاتينية، وتعود القطعة إلى قصر الملكة هيلانة، وقبل أن يسأل عن أخي أين هو سأل من أين لك هذا؟ وفوراً أصدر تعليماته بنقل الحجر إلى السيارة العسكرية قبل اعتقال أخي».
المصدر: فلسطين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©