الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صراعات الإعلام الأميركي في حرب العراق

صراعات الإعلام الأميركي في حرب العراق
4 نوفمبر 2007 01:40
إذا كان هناك من شيء أظهرته التغطية المتباينة للمجلة الأميركية الرصينة ''نيو ريبابليك'' والموقع الإلكتروني المثير ''درادج ريبورت'' لقضية الجندي الأميركي في العراق ''سكوت توماس بوتشامب''، فهو مدى ارتهان النقاش العام في أميركا حول الحرب في العراق للصراع السياسي وكأننا في الغرب الأميركي القديم المنفلت من القانون، وحيث المسيطر هم أصحاب الأصوات المرتفعة· لقد اصطدم المنبران الإعلاميان على خلفية ما كتبه الجندي الأميركي في شهر يوليو الماضي، دون الكشف عن اسمه الحقيقي، في المساحة التي خصصتها له ''نيوريبابليك'' بعنوان ''يوميات من بغداد'' متحدثاً عن الطرق العديدة التي يستخدمها الاحتلال في العراق لإساءة معاملة الجنود الذين يعملون في صفوفه، وفضح الممارسات المشينة التي يقوم بها هؤلاء الجنود· بالطبع ما أن نُشر المقال حتى انبرت بعض المحافل الإعلامية المحافظة مثل ''ويكلي ستاندارد'' ولفيف من كتاب المدونات للتشكيك في صحة ما تطرق إليه الجندي ''بوتشامب''، وسرعان ما تم الكشف عن هوية الجندي، ليتلو ذلك تحقيق قامت به مجلة ''نيوريبابيك''، التي كانت أول من نشرت المقال، وتحقيق آخر للجيش الأميركي الذي حرص هو الآخر عن كشف الحقيقة· غير أن محققي الجيش من جانبهم رفضوا الإفراج عن تفاصيل التحقيق ووصفوا في رسالة إلكترونية بأن مزاعم الجندي ''لا أساس لها من الصحة، حيث تم استجواب وحدته في العراق ولا أحد تمكن من تأكيد ادعاءاته''· ونقلت مجلة ''ويكلي ستناندارد'' أيضا أن الجندي ''بوتشامب'' وقع على بيان ينكر فيه ما جاء في المقال· منذ ذلك الوقت ظل الجندي في العراق يواصل مهامه الاعتيادية ولم يعد بإمكان المجلة التي نشرت مقاله التواصل معه، وقد بقيت الأمور على حالها إلى غاية يوم الأربعاء الماضي عندما نشر موقع ''درادج ريبورت'' تحقيقاً على موقعه الإلكتروني وصفه بالخاص تحت عنوان ''انهيار قصة نيوريبابليك الصادمة''· يقول صاحب التحقيق الذي ظهر من دون اسم إن ''الموقع حصل على وثائق داخلية حول التحقيق بشأن كاتب ركن يوميات بغداد والذي تحول إلى مراسل حرب، وأشار إلى تجاوزات تورط فيها أفراد القوات الأميركية في العراق''، وتكشف الوثائق إلى أنه في الوقت الذي أثبت فيه تحقيق الجيش خطأ تصريحات الجندي، فشلت ''نيوريبابليك'' في تفسير نشرها لأكاذيب مكشوفة عن الجيش الأميركي في زمن الحرب''· بعد ذلك انتقل كاتب التحقيق في موقع ''درادج ريبورت'' إلى سرد الوثائق التي اعتمد عليها وهي نسخة لمكالمة تلفونية طويلة أجريت في 7 سبتمبر الماضي، تحدث فيها الجندي ''بوتشامب'' برفقة عسكريين على الأقل من رؤسائه في العراق إلى ''فرالنكلين فوير'' -المحرر في ''نيوريبابليك''-، بالإضافة إلى مدير التحرير ''بيتر سكوبليك''، وفي خضم المكالمة رفض ''بوتشامب'' أكثر من مرة تأكيد أو نفي تفاصيل ما جاء في ''يوميات بغداد''· أما الوثيقة الثانية التي أشار إليها تحقيق ''درادج ريبورت'' فكانت عبارة عن تلخيص موجز لتحقيق الجيش، ينتهي بأن مقال الجندي زائف تماماً، وموصياً بعرض الجندي على طبيب نفساني للعلاج· وفي الوثيقة الأخرى، حسب محرر الموقع، والمسماة بـ ''مذكرة للتاريخ'' والموقعة من قبل الجندي ''بوتشامب'' يؤكد فيها الحقائق التي تضمنها تحقيق الجيش وبأن مقاله يحتوي على ''مبالغات كبيرة وادعاءات غير دقيقة حول السلوك السيئ لرفاقه الجنود''· غير اللافت حقا هو أنه في الوقت الذي وضع موقع ''درادج ريبورت'' روابط للإطلاع على نسخة من المكالمة والتحقيق الصحفي ذاته، إلا أنها غيبت ''مذكرة للتاريخ''، لا سيما وأن توقيع مثل هذه المذكرة من قبل الجندي لا ترقى إلى مستوى الاعتراف بالذنب، بل فقط إقرار من الشخص المحقق معه أنه اطلع على محتوى التحقيق· والأكثر دهشة من ذلك أنه بعد ساعات على نشر التحقيق قام ''درادج ريبورت'' فجأة ومن دون توضيح بسحبه من الموقع الإلكتروني· والسؤال هو لماذا قام الموقع بإسقاط تحقيق على ذلك القدر من الأهمية؟ وليس واضحاً أيضاً ما تكشف عنه نسخة المكالمة الهاتفية عدا التصرف الغريب لمحرري ''نيوريبابليك'' اللذين سمحا لطرف ثالث حضور لقاء عبر الهاتف مع المحامي الذي وكلته المجلة للدفاع عن الجندي، وهو ما يخرق حق السرية بين المحامي وموكله· وربما كانت المكالمة ستكشف أن الجندي ''بوتشامب'' كان يتحدث تحت الإكراه، ناهيك عن أن تقرير الجيش الذي سرب إلى ''درادج ريبورت'' لا يعدو استنتاجا يفتقد للأدلة، وطالما الموقع لم يضع رابطاً للوصول إلى المذكرة يبقى وجودها محل شك· وحسب مصادر ''من نيوريبابليك'' -رفضت الكشف عن نفسها- لم يتم إخبار المحررين اللذين أجريا المكالمة الهاتفية مع الجندي أنهما يخضعان للتنصت، وفي مكالمة ثانية أجريت مع ''بوتشامب'' عندما كان لوحده وفي غياب رؤسائه نفى أن يكون قد وقع على مذكرة تتهم مقاله بالكذب والافتراء، وأصر على أن مقاله صحيح· وفي خضم كل ذلك تتناسل الأسئلة مثل: من قام بتسريب الوثائق إلى موقع ''درادج ريبورت''؟ ولماذا من بين كل الوثائق الأخرى التي لا بد أن يكون الجيش قد حصل عليها تم تسريب نسخة المكالمة الهاتفية فقط؟ أليس الهدف إظهار ''نيوريبابليك'' في صورة مريبة؟ ولماذا سحب ''درادج'' الوثائق من الموقع بعد فترة، ثم لماذا لم ينشر ''مذكرة للتاريخ'' التي تتضمن الحقائق؟ ولماذا ترك الجيش الجندي ''بوتشامب'' في العراق حيث يستطيع مراقبته بعيدا عن تدخل القضاء الأميركي؟ كاتب ومحلل إعلامي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©