الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«صدى الصمت»: إدانة مكتومة للحرب واحتفاء مكثف بالحياة

«صدى الصمت»: إدانة مكتومة للحرب واحتفاء مكثف بالحياة
11 فبراير 2015 00:21
عصام أبو القاسم (الشارقة) بدا عرض مسرحيّة «صدى الصمت» لفرقة «المسرح الكويتي» الذي قدم مساء أمس الأول في افتتاح مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي مغايراً ومختلفاً في أسلوبيته الإخراجية مقارنة بما رّسخ من تجارب في مهرجانات المسرح الخليجي، وهو ما أكدته أيضاً إفادات عدة وردت في الندوة النقدية التي تلت تقديم العرض. مع ما تخلفه الحروب في النفوس من أحزان وبغض وكراهية، وعلى رغم أشكال المباعدة والإقصاء التي تفرزها وتحددها الحدود القائمة بين الدول، إلا أن كل ذلك لا يمكن أن يكون نهاية العالم، وذلك ما أراد قوله العرض الكويتي الذي كتبه العراقي الراحل قاسم مطرود وأخرجه فيصل العميري، إذ يعتمد العمل المبني على طريقة «مسرح داخل مسرح» على لقاء بين سيدتين اضطرتهما الحرب بين بلديهما اللجوء إلى بلد ثالث، وعلى الرغم من أن لكل واحدة لغتها التي لا تفهمها الأخرى إلا أن رغبة كل واحدة إلى التعرف على الأخرى تحفزهما على التواصل والكلام، عبر الإشارة والإيماء والتمثيل. من نقطة العجز في التواصل عبر اللسان إلى سوء الفهم ثم الالتباس والتشوش يتطور الكلام بين الاثنتين، فنتعرف على الظروف التي حملتهما إلى الهجرة، وعلى الطبيعة الشخصية لكل واحدة منهما. مات ابن الأولى (قامت بالدور الممثلة سماح) والثانية (قامت بالدور الممثل سالي فرج) فقدت ابنها في الحرب ذاتها، تبدأ الأولى في افتراض أن ابن الثانية هو الذي قتل ابنها وتشعر بالذنب لأنها تتواصل مع أم قاتل ابنها، وسرعان ما تدخل الأخرى في أنشوطة الافتراض ذاته، وتبدأ في النظر إلى الأولى بوصفها أماً لمن حارب ابنها. ينقطع الحوار بين السيدتين ثم يعود ليتواصل من نقطة متقدمة أو متأخرة على ذات الخط، تبعاً لتعليمات «الدراماتورج» (قام بدوره الممثل عبد التركماني)، فيبدو الأمر للمتلقي أشبه بتمرينات مسرحية متكررة على المشهد ذاته. وعبر تعليقات الدراماتورج المستحسنة أو المستقبحة لطريقة أداء الممثلتين ومن خلال توجيهاته لفني الإضاءة وكلامه المباشر مع الجمهور حول ما يريد عمله أو حتى إيقافه للممثلتين عن أداء المشهد نفسه مرة وراء مرة، يمر العرض للمشاهدين عبر صيغتي اللعب والجد، إن جاز القول، أو بالأحرى عبر المسرحي واللامسرحي، وهذه الهوية المزدوجة للبنية للشكلية للعرض تتطابق مع ذوات شخصياته المشطورة هي الأخرى بين الحضور والغياب، وبين الوطن والمهجر، والاتصال والانفصال، المضمر والصريح، الأمومة والبنوة..إلخ. وقد اختار العميري فضاء تطغى عليه العتمة مع إضاءة خفيضة على مركز خشبة المسرح التي تتوسطها منضدة يوظفها العرض لتظهر كحد فاصل بين السيدتين، فيما ينهض جدار على امتداد أسفل المسرح بنوافذ متباعدة يمكن للمشاهد أن يرى من خلاله رجلًا مقعداً يجلس على كرسي متحرك على وضعية واحدة طيلة فترة العرض ويبدو بحالته المقعدة والساكنة كمقابل لشخصية الدراماتورج الحاضر والدينامي والمتحرك طولًا وعرضاً في الخشبة ولكن انطلاقاً من يمين أعلى المسرح حيث يعود ليجلس محاكياً ومنفذاً المؤثرات الصوتية المصاحبة للأداء التمثيلي الافتراضي للممثلتين (موسيقا وصفير ريح ودقات)، سواء من خلال صوته أو عبر أجراس وإيقاعات وآلات منتشرة أمامه. ولكن وضعية الرجل في الكرسي المتحرك أيضاً يمكن أن تعطي إيحاء بحالة القعود والشلل التي تخلفه الحرب في بلداننا وكان لافتا أن الكرسي خلا من الرجل حين تعمق الحوار بين السيدتين، وتكثفت مشاعر الإنسانية بينهما وزادتهما الغربة قرباً، فقنعت الأولى بأن الثانية لا يد لها في موت ابنها وفهمت الثانية حالة الفقد التي تعانيها الأولى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©