الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

سميح القاسم يستلهم التاريخ والأسطورة

سميح القاسم يستلهم التاريخ والأسطورة
1 نوفمبر 2007 01:29
أحيا الشاعر الفلسطيني سميح القاسم أمسية شعرية في مؤسسة سلطان بن علي العويس في دبي مساء أمس الأول، وقدمه فيها محمد عبد الله المطوع عضو مجلس إدارة جائزة العويس، كما شارك في تقديمه الكاتب والمسرحي المعروف عبد الإله عبد القادر الذي قال إنه تعرف إلى سميح في نهاية الستينات من القرن الماضي من خلال مسرحية بعنوان ''المؤسسة الوطنية للجنون''، وأقيمت الأمسية بحضور رئيس مجلس دبي الثقافي محمد المر والشاعر العربي المعروف أدونيس وعدد من الشعراء وجمهور من قراء سميح القاسم ومحبيه· في أمسياته عموما يستطيع سميح القاسم أن يجعل جمهوره يحبس أنفاسه بانتظار مفاجأة، أو بانتظار ''غودو''، فهو مسرحي بارع على مستوى بناء القصيدة كما على صعيد إلقائها، يبني نصه بطريقة ذكية وممتعة ومؤثرة في الآن نفسه، يستعير الرموز ويستلهم التاريخ والأساطير، ويصنع أسطورته الخاصة بقدر من الشاعرية و''الشعارات'' الموظفة لخدمة بناء القصيدة فنيا ومن حيث الرؤية أيضا، فهو شاعر رؤية تبدو سوداوية، لكنها في العمق قصيدة لمقاومة الموت الذي ينذر باجتياحه للعالم عموما، ولكن انطلاقا من الموت الفلسطيني أساسا، وصولا إلى موت الإنسان وسحقه بالحروب والآلة والتفاصيل الصغيرة· وفي مواجهة الموت قرأ سميح القاسم قصيدتين هما: الأولى ''قلب سايكو'' والقصيدة الثانية هي ''كلمة الفقيد في حفل تأبينه''، وهما تعكسان رؤيته لما يحدث في العالم، وفي فلسطين خصوصا، سواء كان على صعيد الصراع العربي الإسرائيلي، أم على صعيد الصراع الدامي ''بين القبيلتين الفلسطينيتين'' (فتح وحماس) حسب تعبيره، أو بين قابيل وهابيل كما في قصيدته الأولى· وفي كلا القصيدتين كان القاسم مسرحيا ''يمسرح'' الشعر وشاعرا ''يشعرن'' المسرح في آن· قلب سايكو قصيدتا سميح القاسم المطولتان والسرديتان تحتشدان بالموت والتشظي والخراب، الأولى ''قلب سايكو'' تعزف على وتر علاقة الإنسان بالزمن- الوقت الذي يمثل سلطة مطلقة تسير بالإنسان نحو المصير الحتمي- الموت، وهو هنا موت يتعدد وتتعدد أسبابه، لكنه الموت في النهاية، فالقصيدة هنا تستدعي تاريخا من الدماء والقتل، ويحضر الموت هنا على المستويين الفردي والجماعي، فنرى فيه الموت المباشر للفرد بوصفه الإنسان الضعيف في مواجهة سيف الزمن وتحولاته، حيث تبدأ قصيدة ''قلب سايكو'' بنثريات الحياة اليومية للفرد- الإنسان، وتتصاعد نبرة الخطاب التراجيدي نحو سؤال الإنسان الكوني في علاقته بالزمن، فيما تتناول في أحشائها تقريعا لهابيل وقابيل الفلسطينيين، لكنها تظل تحمل أبعادها الإنسانية والكونية· هذه كلها تأتي ضمن مسار شعري/ درامي لا يخلو من الفكاهة السوداء تتناغم فيه الأبعاد كلها· وهذا كله يتشكل عبر لغة ومفردات تستحضر ''السيد الوقت'' و''الصعاليك'' و''الإلكترونيكا'' و''الديسكو'' ومعجون الأسنان ''كولجيت''، بالقدر نفسه الذي تنعي صراع الأخوة على ''وهم حكم'' أو على ''عرش وهم''، أو ترى إلى شخص ''بين نارين كافرتين''، حيث يقف الشاعر ''أخا ثالثا بين قابيل وهابيل''، والعودة إلى الصراع الأول ''جلدي حقائب للقادمين إلى وطن ليس لي غيره/ ليس غيري له''، وينتهي إلى حالة الضعف البشري ''آمنت يا وقت/ لا عدل إلا لسلطتك الغاشمة/ لا وقت لي كي أكابر''· كلمة الفقيد القصيدة الثانية ''كلمة الفقيد في حفل تأبينه'' تبدأ ساخرة تلك السخرية المريرة من حفلات التأبين وما تنطوي عليه من زيف ''يطيب لي الآن أن أجزل الشكر··/ لكل الذين اشتروا لي أكاليل زهر بطيء الذبول''، وتستخدم عبارات التعزية ''عظم الله أجركمُ/ وإنا له وإليه كعادتنا راجعون''، ثم تتجه إلى مزيد من التصعيد المسرحي التراجيدي، فتستحضر شخصية هملت والمسيح ومصارع الثيران (الماتادور)· مثلما يستحضر صور الموت عبر آلام هملت وأشباحه، أو عبر الظلام الشغوف بإطفاء شموعه، واغتيالات المافيا· صور واستعارات تعكس عذابات هملت بين موت أبيه وزواج أمه من عمه ''هباء أنا يا أبي/ أين أنت··'' وصراخه على أمه ''أنا ابنك/ زوجك ليس أبي''· وعذابات أوفيليا بين هملت الممزق وبين عالم أجمل تستحق أن تعيشه· وهي في الغالب محاولة لكي يعكس الشاعر حكايته الشخصية مع حكاية شعبه أولا، ومع حكاية الإنسان عموما· فثمة إيحاءات تكاد تؤشر على كون الأم هنا هي وطن ما، فهي مرة الوطن الحقيقي للشاعر، ومرة الوطن الرمزي أو الكوني· وحتى أوفيليا تتخذ أحيانا صورة هذا الوطن الأول المتهم أمام قضاة غير عادلين، أو حتى غزاة محتلين·
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©