السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قصر الحصن.. المعلّم الأول

قصر الحصن.. المعلّم الأول
11 فبراير 2015 00:32
عاصر مرحلة مفصلية، وهامة، من تاريخ الإمارات بشكل عام، وتاريخ أبوظبي بشكل خاص. رآها تكبر أمامه مثل عروس في غاية الجمال.. وشاهد بأم عينه كيف تحولت القرية الصغيرة التي كانت بيوتاً من العشيش تمتد على ساحل البحر لتصبح واحدة من أجمل عواصم الدنيا واكثرها بهاء.. إنه الدكتور زكي نسيبة مستشار وزارة شؤون الرئاسة، الذي لا يخفي فخره وسعادته الخاصة لكون تاريخه الشخصي ارتبط بتاريخ هذه المدينة الجميلة، فتراه فخوراً بما أنجزه هذا البلد من حضارة بدأت أولى خطواتها من قصر الحصن، معلناً عن نجاح أبوظبي والإمارات في خلق حالة ثقافية تستطيع مواجهة تحديات الواقع الراهن من خلال التعايش السلمي مع الآخر والانفتاح على الحضارات العالمية دون التخلي عن ملامح وأساسيات الهوية الوطنية... لمناسبة إقامة فعاليات مهرجان قصر الحصن التقيناه وكان هذا الحوار: * لطالما كان قصر الحصن العلامة الرئيسية لإمارة أبوظبي ولدولة الإمارات العربية المتحدة.. لكن ما هي التحديات التي واجهت هذا الصرح التاريخي، ولماذا تتوجه الأنظار اليوم نحو إعادة إحيائه من جديد؟ ** قصر الحصن كان دائماً المعلم الرئيسي لجزيرة أبوظبي ويعتبر رمز الإمارة ورمزاً لتاريخها وتراثها ولحكامها أيضاً. ولقد كان انتقال قبيلة بني ياس من عاصمتها في ليوا إلى أبوظبي وتشييد هذا الحصن في القرن الثامن عشر تحولاً جذرياً، بالفعل، في تاريخ المنطقة. كذلك فقد أصبح لأبناء بني ياس بالإضافة إلى مكانتهم المعروفة داخل الجزيرة العربية، مكانة ومركزاً على الساحل وفي البحار، وصار لهم أسطول بحري. وبالتالي فإن هذا التحرك كان مؤثراً للغاية في شكل وبنية النسيج الاجتماعي الذي بات يتراوح بين البداوة والتحضر، وما ترتب عليه من تغيرات في نمط العلاقات القائمة. ومن هنا، نؤكد أن قصر الحصن هو رمز لكل هذا التاريخ. لكن من دون شك فإنه في الفترة الأخيرة ومع التطور السريع لمدينة أبوظبي، ربما تأثرت معالمه بعض الشيء، نتيجة البناء المعماري الضخم والحديث من حوله. إلا أن ثمة برامج ومشاريع جادة اليوم لاستعادته بمكانته الأصيلة والتاريخية في دولة الإمارات العربية المتحدة. ليعود ويصبح معلماً ومتحفاً ومكاناً يستطيع أن يزوره الزائر ويطلع على أبرز ملامحه. إن هذا الصرح المعماري العريق جزء أساسي من تاريخ البلاد ويجب الاحتفاء به، خاصةً وأن المعالم التاريخية الأثرية قليلة في أبوظبي. فمع النمو السريع الذي حصل، صارت مبانِ كثيرة إلى الزوال، ولم يعد هناك إلا القليل منها البرج الموجود عند المقطع. ومن الضروري التأكيد على أن الحرص على «قصر الحصن» وغيره من المعالم الأثرية والتاريخية، كان متواجداً منذ سنوات طويلة. وأذكر - مثلاً - أن سمو الشيخ عبد الله بن زايد منذ أكثر من 25 عاماً ـ عندما كان مسؤولاً في الحكومة وليس وزيراً للخارجية ـ تكلّم مراراً عن ضرورة العناية بالحصن وإعادته إلى موقعه الطبيعي. وطرح أن يتم التركيز على توليفات تمزج بين الصوت والضوء لاستقطاب الأنظار. إلا أن أبوظبي وقتها كانت تعمل على عدة مشاريع عملاقة معاً، ضمن عملية تجهيز البنية التحتية الأساسية في كل المجالات، كبناء المدارس والجامعات، المستشفيات، شق الطرق، الموانئ، المطارات، محطات الكهرباء. ما جعل عملية صون التراث المادي والمعنوي، للأسف، تأخذ بعض الوقت، حتى تمكن القائمون على الأمر من العناية بها بشكل فعلي على أرض الواقع، وترميمها لتظل محافظة على هيئتها ومكانتها. مجلس المرايا * غالباً ما يذكر الرجال من القادة والحكام والمؤسسين، عند استحضارنا لقصر الحصن في الزمان الماضي.. أين هي المرأة في ذلك المكان؟ ** دور المرأة أساسي في نمو المجتمع الإماراتي. وفي قصر الحصن، بالذات، كان من أهم معالمه مجلس أم الشيوخ المشهور بمجلس المرايا «مجلس الشيخة سلامة» المعروفة بحكمتها وقوة شخصيتها ومكانتها في المجتمع. كان يؤخذ رأيها في الأمور السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وجاء ذكرها في عدد من الوثائق البريطانية التي وّثقت ما جرى في ذلك الوقت. وهو دليل واحد من بين عدة أدلة، تؤكد جميعها على المكانة الهامة التي كانت للمرأة في الإمارات قديماً. ومن ذلك، ان المرأة، أثناء وجود الرجال في البحر وغيابهم أشهر الشتاء في رحلتهم لصيد اللؤلؤ، كانت هي التي ترعى المنزل والأبناء وتقوم بتوفير المستلزمات والحاجات. ومنذ الأيام الأولى لمسيرة النهضة بعد تولي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «رحمه الله» مقاليد الحكم في أبوظبي عام 1966، تمت الإشارة إلى أن المرأة هي نصف المجتمع، ويجب العمل على تثقيفها وتمكينها، جنباً إلى جنب مع عملية تثقيف وتمكين الرجل. مع التمسك بالعادات والتقاليد وبالتعاليم الدينية. ونذكر أن المدارس والجامعات الأولى قد تمّ افتتاحها للبنين وللبنات. وكانت ثمة رواتب تدفع للأهل لتشجيعهم على إرسال أطفالهم الذكور والإناث إلى المدرسة. أيضاً فإن فرص العمل تمّ تهيئتها لتستوعب الجنسين. إذ قامت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة بفتح المجالات التعليمية والمهنية أمام المرأة لتستطيع أن تبني جيلاً قوياً وعملياً لدولة الإمارات، وهي النتيجة التي نراها واضحة اليوم، في تقلّد النساء المناصب القيادية في السياسة، الشرطة، الثقافة، الاقتصاد، الطب، التعليم، الإعلام ...إلخ. تفاعل راهن * للعام الثالث على التوالي، يأتي مهرجان قصر الحصن بالكثير من الفعاليات والنشاطات الثقافية والتراثية.. كيف يتمّ التفاعل الحالي مع قصر الحصن ضمن هذا الحدث؟ ** المهرجان الذي يتم إعداده سنوياً، حقق نجاحاً كبيراً في إيجاده حالة من التفاعل الجماهيري مع قصر الحصن. من خلال جذبه إلى المكان أعداداً كبيرة من الزوار من المواطنين الإماراتيين ومن العرب والأجانب، الراغبين بالاطلاع والمشاهدة. وفي كل سنة تتجدد البرامج والنشاطات التراثية والتاريخية والتثقيفية، وتلك الطلابية التعليمية، الاستعراضية والترفيهية وغيرها. فهذه الفعاليات التي تقوم حالياً هي بحد ذاتها حافز للجماهير حتى تتعرف على معالم قصر الحصن. ومن دون شك، أنه وحين الانتهاء من مشروع إعادة ترميمه، سيقوم هذا الحصن بعدة مستجدات لا تجعل منه فقط متحفاً، بل مكاناً تفاعلياً يصلح لأن يكون وسيطاً محورياً في علاقته بالوعي والثقافة المحلية. ومن الأساسيات الهامة في التطلعات المستقبلية لقصر الحصن والتي يركّز عليها المهرجان ويمهّد لها، أن يستطيع المكان استقطاب الناس بإقامة المعارض والمتاحف، رواية القصص: قصة أبوظبي، قصة اللؤلؤ، قصة البحر، قصة المجتمع، قصة حكام آل نهيان وسيرتهم، كيف تمكنوا من بناء هذا الصرح العظيم الذي وصلنا له اليوم. أي باختصار أن يتمكن من خلق حالة تفاعلية بين المجتمع وبين قصر الحصن. عودة المجمع * لطالما كان المجمع الثقافي القلب النابض للحركة الثقافية الشاملة في مدينة أبوظبي.. هل كان لإغلاقه فترة من الزمن آثار سلبية؟ وما هي الرؤى المستقبلية لاستعادة أعماله تدريجياً، بالنظر إلى ولادة العديد من الأماكن الأخرى الحاضنة لفعاليات الثقافة في العاصمة الإماراتية؟ بدايةً أشير إلى أن المجمع الثقافي قد بني في وقت مهم جداً من التاريخ المعماري لإمارة أبوظبي، أي في سبعينيات القرن الماضي، ما جعل له دوراً مهماً للغاية في تعزيز وتمكين حركة الثقافة العامة ليس في العاصمة فقط، بل في كل الإمارات. وكل المثقفين والشعراء والكتاب والفنانين الإماراتيين، يتذكرون كيف بدؤوا نشأتهم في أحضان هذا المكان التاريخي. أيضاً المجمع الثقافي لا يزال موجوداً، أي لم تتم إزالته، إلا أنه حدث وتحولت التوجهات نحو ترميم قصر الحصن بكل ما يحتويه من أقسام وأماكن. وانتقلت كثير من الفعاليات الثقافية التي كانت تقام في المجمع، إلى أماكن ومناطق أخرى منها منارة السعديات الثقافية، القلب النابض للحياة الثقافية في أبوظبي. وفي الوقت نفسه تتم الآن وبالتدريج، استعادة مكانته ونشاطاته القديمة مع انتهاء عمليات الترميم والتوسع. ليكون جانباً ورديفاً من قصر الحصن، ومتمماً له. من دون شك، ونظراً للدور الكبير والفاعل الذي قام به المجمع الثقافي في قطاعات الفن والثقافة، كان أمر نقل الفعاليات والنشاطات منه وبغض النظر إلى أين، أمراً صعباً بعض الشيء. لكن هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة حاولت أن تسدّ هذا الفراغ الذي تركه. مع العلم أن للعمل الثقافي أولويات وأساسيات شائكة.. مثلاً من أجل أن نعيد إحياء منطقة تاريخية ونبرزها بالشكل اللائق، أحياناً قد ندفع الثمن. وأنا لا أعتقد أن النشاط الثقافي في أبوظبي تأثر كثيراً بهذه النقلات والتغييرات، ففي السنوات العشر الأخيرة كانت ثمة نشاطات على مستوى عالٍ متوزعة في عدة مناطق داخل الإمارة. وعلى العكس زادت أعداد المشاريع الثقافية والفنية ومن بينها: معرض أبوظبي الدولي للكتاب، شاعر المليون، مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي، مشاريع الآثار، الاهتمام بالتراث المعنوي وتسجيله في اليونسكو، الذهاب نحو إبراز المعالم الثقافية في مدينة العين وغيرها. كذلك علينا النظر إلى منطقة قصر الحصن وما تتضمنه، باعتبارها منطقة تاريخية يجب الاعتناء بها وتقديم أفضل الحلول والإمكانيات للاستمرار بتأثيراتها التاريخية والاجتماعية. وطبعاً، وما أن تنتهي أعمال الترميم سيعود كل شيء إلى سابق عهده وربما أفضل بكثير. الحصن في متحف * كيف سيتمكن متحف الشيخ زايد الوطني باعتباره المتحف الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، أن يضم تاريخ قصر الحصن بين جدرانه؟ ** قصر الحصن في أبوظبي يشكّل جزءاً أساسياً من تاريخ متحف الشيخ زايد الوطني. وسيكون ثمة تفاعل وتكامل حضاري بين هاتين المؤسستين الثقافيتين والتاريخيتين، ونوع من التعامل المباشر فيما بينهما. أي كل واحد من المبنيين سيكون جزءاً من برنامج مترابط مع بعضه البعض. الحصن يروي قصة وتاريخ الأسرة والإمارة وتراثها، ومتحف الشيخ زايد سيروي قصة الإمارات ومكانتها في المنطقة والعالم وسيلقي الضوء على إنجازات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله. وبالتالي للحصن نصيب كبير من برنامج المتحف وما سيقدمه لجمهوره. وللترابط على أرض الواقع بين المكانين، أشكال عديدة، كالروابط الإلكترونية ووسائل التواصل المعاصرة، وكل هذا بغرض ترسيخ الهدف الذي يقوم لأجله متحف الشيخ زايد الوطني، وعملية الحفاظ على قصر الحصن كبيئة حاضنة للتاريخ والثقافة داخل دولة الإمارات العربية المتحدة. معجزة أبوظبي * كنت من الذين واكبوا مرحلة النمو والتطور التي حوّلت جزيرة أبوظبي لعاصمة مأهولة تضاهي بأبنيتها العمرانية الضخمة أكثر مدن العالم تقدماً وحضارةً.. كيف يمكنك أن تصف هذا التحول في وقت قياسي؟ ** هذا التحول يكاد يكون معجزة في شكل من الأشكال. ومن عاش الأربعين أو الخمسين سنة الماضية واطلع على المتغيرات جميعها، حيث تحولت أبوظبي من قرية صغيرة جداً على شاطئ البحر لا يوجد فيها إلا قصر الحصن وعدة مبانٍ قليلة أخرى على أرضٍ جرداء، إلى عاصمة تضاهي دول العالم المتقدمة بأبنيتها العمرانية الضخمة وخدماتها المتطورة، لا بد وأن يشعر بأن ثمة ما هو خارق قد حصل وخلال فترة زمنية قياسية. لكن المعجزة الأكبر، أن هذا التطور والتقدم كله، لم يؤثر أبداً على أصالة البنية الاجتماعية الموجودة ولم يزعزع ركائزها، إن على صعيد التقاليد والعادات ونمط العيش وأسلوبه، والترحيب بالوافد والغريب، أو على صعيد العلاقة بين الحاكم والمواطن، والعمل على توطيد الاستقرار وتوفير الرفاهية للجميع. إلى جانب بناء الأطر الإدارية والسياسية والاجتماعية التي توازي هذا النمو العمراني السريع. باختصار، أرى أن النقلة الفارقة من قرن إلى قرن حصلت دون إحداث اهتزاز في البنية المجتمعية، على العكس تماماً فقد أدّت إلى تقوية العلاقات والتلاحم فيما بينها. استثمار بعيد الأمد * أصبحت الإمارات وبفترة وجيزة من الزمن علامة ثقافية متميزة في المنطقة.. كيف تقيّم الواقع الثقافي الراهن في إمارة أبوظبي استناداً إلى ما تمّ تقديمه من معطيات سابقة وحاضرة في قطاعات وميادين مختلفة؟ ** منذ البداية، ركّزت أبوظبي على الاستثمار بعيد الأمد في التعليم والثقافة كركيزة أساسية في عملية التنمية المستدامة. أي من الوقت الذي أشار فيه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «رحمه الله» إلى أن الثروة الحقيقية للبلاد هي في أبنائها، وفي تعليمهم. لذا جاء التركيز على صناعة ما يسمى بمجتمع المعرفة لنستطيع مواجهة تحديات القرن الـ 21. الشيء الذي لا زال مستمراً حتى اليوم ضمن التوجهات نحو رؤية أبوظبي 2030، التي تعتمد الثقافة والوعي والتعليم كدعائم ضرورية لعملية التنمية الشاملة للدولة. أبوظبي أشعّت في السنوات الأخيرة الماضية، في المنطقة وفي العالم، عن طريق نشاطاتها الثقافية المختلفة، سواء في قطاع الترجمة والنشر أو في الموسيقى، التراث، التنقيب عن الآثار، وغيرها. وبشكل عام في كل ما له علاقة بتعزيز الهوية الوطنية والحفاظ عليها ضمن إطار العولمة المحيطة بنا اليوم. بالإضافة إلى سياستها في الانفتاح على الآخر، ومد جسور التواصل مع الحضارات والثقافات الأخرى، وعمليات التبادل المستمرة بين الثقافة الإماراتية وبين الثقافة في جميع دول العالم. أيضاً، أصبحت أبوظبي متميزة في عدد كبير من الميادين، بما في ذلك الطاقة المتجددة، تكنولوجيات المستقبل، وفي مجال الثقافة وفي مجال التعليم، اللذين يكملان بعضهما بعضاً. فنحن لا نستطيع أن نبني جيلاً متعلماً دون تطعيمه بالثقافة. وبالتالي نحن أمام عملية تربوية متكاملة، تساعد الطفل أو الشاب في الحفاظ على هويته الوطنية، على التراث، على التاريخ، على اللغة وعلى الدين وعلى جميع الأسس التي يقوم عليها المجتمع مع ضرورة تقبل وتفهم ثقافات المجتمعات الأخرى التي نتعامل ونتعايش معها باستمرار على أرض الإمارات العربية المتحدة. الثقافة والتحديات * مع الظروف والمتغيرات الراهنة محلياً وعربياً ودولياً، تعيش دولة الإمارات العربية المتحدة العديد من التحديات التي تتطلب مواجهة حقيقية وجادة.. كيف يمكن للثقافة أن تكون فاعلة في هذه الأثناء؟ وهل يمكن الاتكال عليها في مواجهة الاضطرابات المحيطة؟ ** العمل الرئيسي للثقافة في الواقع يكمن في كيفية ترسيخ الهوية الوطنية. فمن دون الثقافة والتعليم وتعزيز الموروث القديم، لا تستطيع أي دولة بناء حاضرها ومستقبلها. هذه هي الخطوة الأساس في محيط معولم من حولنا، تدخل فيها العادات والتقاليد من كل حدب وصوب. والمطلوب اليوم، هو تقوية معرفتنا بكل ما يربطنا بجذورنا الأصيلة. من جهة أخرى، علينا العمل على توطيد المفاهيم الحقيقية والصحيحة لتراثنا القديم. ولديننا الإسلامي الحنيف فاليوم من دون شك يعيش العالم بأسره موجة من التطرف والتعصب، قد أوجدت العداوات والبغضاء ما بين البشر. لذا من الضروري أن نعود إلى تعاليم ديننا التي تركز على التسامح والمحبة والتعاون مع الآخرين. وهي المبادئ التي قامت عليها مدرسة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «رحمه الله»، في حكمه منذ الأيام الأولى للاتحاد. فخر بالإنجاز * اليوم.. وبعد تجربة طويلة ومخضرمة لزكي نسيبة داخل دولة الإمارات العربية المتحدة.. هل يوجد ما يمكن أن يلخّص ما عشته وتعيشه؟ ** تجربتي هنا ثرية وعجيبة، خاصة وأني حظيت بشيء نادر وهو العمل مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، ورافقته لسنوات طويلة.. تعلمت منه واطلعت على طريقة تعامله مع كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة. وأشعر بالفخر لأن دولة الإمارات العربية المتحدة قد حققت هذا الإنجاز العظيم خلال فترة وجيزة من الزمن، على الرغم من كل الصعوبات والإشكاليات التي واجهتها وواجهت المؤسسين لها، ولا تزال تواجه أصحاب القرار الحاليين. وما أعيشه أنا من هم شخصي، أستوحيه من الواقع المضطرب من حولنا، حيث نشهد انهيارات دول لها تاريخها العريق، والعديد من الانتهاكات بحق الإنسانية. وأتمنى أن يعم السلام والاستقرار المنطقة، وأن تذهب الأمم إلى تحقيق الخير والعدل لمواطنيها بدلاً من الحروب والنزاعات، وأن يتخذ الجميع من الإمارات قدوة حقيقية، التي أرجو بالتالي أن تستطيع لعب هذا الدور الريادي بالنسبة لمن حولها من دول، لنتمكن من السير نحو الأمام. وهنا تجدر بنا الإشارة بحق، إلى أن المجتمع الإماراتي قد تميّز في علاقاته مع أبنائه أولاً ومع الوافدين فيه ثانياً ووفّر لهم جميعهم حياة آمنة ومستقرة. بالإضافة إلى علاقاته المتميزة مع بقية الدول خارج أراضيه، وما يعيشه من تقدم وازدهار في كافة المجالات. أفخر بأنني إماراتي من أصل مقدسي * إلى أين تنتمي؟ ** أنا مقدسي المولد، أسرتي جاءت مع الخليفة عمر بن الخطاب إلى القدس وسكنت فيها، لذا فتاريخي عريق هناك وعائلتي لا زال العديد من أفرادها في تلك المنطقة. لكن أنا شخصياً عملت وترعرعت وكبرت في الإمارات. وأفتخر أن أكون إماراتياً مقدسيّ المولد، يستطيع أبنائي وبناتي أن يعملوا ويعيشوا وسط هذا المناخ الرائع بكل حيثياته، والذي يعتبر قدوة كدولة عربية وإسلامية تعتز بعروبتها وبدينها وفي الوقت نفسه تعمل على تحقيق الرفاه والاسترخاء لجميع مواطنيها وقاطنيها. وأفخر بأني قد ساهمت بشيء بسيط فيها، وأذكّر بأن الإمارات كانت سباقة دائماً في مساعدة الشعب الفلسطيني في محنته. ومما يشعرني بالأسف أن العالم العربي وأبناء فلسطين لم يعرفوا كيف يتعاملون مع هذه المصيبة التي حلت بهم. وبالتالي أصبحت قضية الاحتلال الإسرائيلي قضية مزمنة ومستمرة، لكن أكثر ما نستطيع عمله كعرب وكدول أن نعمل على المزيد من التقدم والقوة الاقتصادية والمعرفية بغرض مواجهة التحديات من حولنا، وإلا فالأمثلة كثيرة اليوم على انهيار الدول.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©