السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عجلة العولمة!

عجلة العولمة!
29 أكتوبر 2007 00:41
العولمة ليست مصطلحا من ابتكارنا كعرب، شأنها شأن مصطلحات أخرى مثل حوار الحضارات وثقافة السلام، وهذا لا يعني أنها ليست موجودة في ثقافتنا أو تاريخنا، ولكن السياسات القابعة خلفها ودوافعها لا شأن لها من قريب أو بعيد بالقيم والتعاون الحقيقي والتبادل الثقافي والتلاقح الحضاري، لأنها تستند بكل بساطة على عوامل الإنتاج والاحتكار وفرض السياسات· ومن جانب آخر، واستنادا إلى النوايا الحسنة لتلك المصطلحات والمفاهيم، لم تطالبنا العولمة بطمس ثقافتنا وتغيير تاريخنا أو تعديله، وإلغاء رموزنا ونسف هويتنا واستبعاد مفكرينا وأدبائنا وفنانينا وتقاليدنا وأزيائنا، بل طالبت المنظمة العالمة للتربية والثقافة والعلوم بأن تحافظ الثقافات على جوهرها والشعوب على ملامحها ولغاتها، والتمسك بتراثها وتسجيله عالميا· يتغنى البعض بالعولمة على أنها عنصر من عناصر اللحاق بالأمم المتقدمة، وهم جديرون بهذا التغني في حالة تمكنهم من الانتاج والمنافسة وامتلاك القرار والمساهمة في صياغة السياسات الثقافية والاقتصادية والتعليمية العالمية، ولعبهم لدور مؤثر في التحالفات السياسية والعسكرية والشراكات الاقتصادية، إلا أن الواقع يقول إن العولمة التي نمارسها كعرب هي قبول بسياسات الآخر دون مناقشتها، وثقافة السلام التي يريدون ترويجها هي محض استسلام لإملاءات أصحاب القرار المتحكمين بالعالم، وحوار الحضارات هو تقبل قيم الآخر بغثها وسمينها· فهل بقي لنا أي دور نتغنى به في إطار هذا التراجع المبدئي عن كل شيء؟ حين تذكر كلمة ثقافة في الوطن العربي يشمئز كثيرون، وهم لا يعلمون بأن الثقافة هي التي تدير عجلة العولمة وأخواتها، والثقافة بناء على هذه المعطيات هي حاملة للفكر السياسي والاقتصادي والأدبي والعلمي، يستخدمها الآخر لتصدير منظومته قبل ترجمتها على أرض الواقع على شكل حروب وإملاءات وتهديدات وابتزازات وتدخلات غريبة في أسلوب حياتنا· إن المؤتمرات التي تنظمها المؤسسات العربية وتدعو لها مفكرين غير عرب، من المفترض أنها تهدف إلى تلاقح فكري بين التوجهات والفلسفات المختلفة، وشرط نجاحها ومبرر تنظيمها مشاركة مفكرين عرب، فكيف سيتم التلاقح والتفاعل الفكري إذا غاب المفكر العربي؟ وهذا ينسحب على فعاليات كثيرة تزدحم بها عواصمنا ومؤسساتنا الثقافية، تقيم الدنيا ولا تقعدها حين يوافق نجم أو مفكر غير عربي حضور أي فعالية· المسألة ليست تعصبا، ولكن غريزة المرء تحرضه على إيجاد موطئ قدم لكيانه، حين يجد نفسه أمام حشود تسعى لابتلاعه· الوطن ليس ترابا وصخورا، إنه ملامح تميزنا، وروائح تدل علينا، ولغة نطرب لسماعها، وثوب نزهو بارتدائه، وثقافة نفخر بها وتجذب الآخرين للتعرف عليها· إنه خيار ثقافي في المقام الأول، وهذا الخيار يتطلب الحفر عميقا في الذات الأصيلة للحفاظ على بريقها وتفردها· akhattib@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©