الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفغانستان··· و المغامرة الغربية الخطيرة

أفغانستان··· و المغامرة الغربية الخطيرة
27 أكتوبر 2007 02:00
في يوم من الأيام كان هناك بلد يشبه الفضاء المفتوح أكثر منه أمة متماسكة، لا يملك واجهة بحرية، وتضاريسه جبلية، كما يعاني الفقر وهبوب الرياح العاصفة؛ وفيه يعيش خليط من الشعوب منهم البشتون والطاجيك والتركمان، ومؤخراً انضمت إليهم قبيلة جديدة تدعى بالـ''الأميركيين'' الذين جاءوا بعد ثلاثين عاماً من إراقة الدماء لإحلال السلام وفرض الأمن في هذه الأرض التي تسمى أفغانستان· لكن ماذا كانوا يعرفون، أو بالأحرى كيف كان لهم أن يعرفوا، الحياة من وراء البراقع وخلف جدران المنازل الطينية؟ أو التوغل داخل العقول التي جُنت من فرط الحروب؟ وهكذا أمضى الأميركيون وقتهم يعتمرون خوذاتهم العسكرية ويمرون بسياراتهم الكبيرة والمصفحة بجانب قطعان الماعز وما تبقى من أشجار اللوز الشاحبة· وأمام أكوام من عجلات السيارات التالفة يجتمع الأطفال في القرى، لكن خلافاً لأطفال في بلد آخر محطم يدعى العراق، ترتسم الابتسامات على وجوههم ويلوحون بأيديهم الصغيرة· الأميركيون يتحدثون عن تمكين الأفغان، لكنهم يقفزون إلى طائراتهم المروحية وينقضوا على مياه الأنهار المعكرة ويخيفون قطعان الماعز لتنفر بحثاً عن مكان آمن، ومع ذلك كانت نوايا القوات الأميركية صادقة في جوهرها· فقد أنفق الأميركيون مليارات الدولارات وأجهدوا أنفسهم في تتبع أي أثر للتقدم مستخدمين أدوات دقيقة للقياس علهم يظفرون بنتيجة· الأميركيون تعلموا أيضا، بعد دفعهم الثمن، كيف لهذا البلد البعيد الذي احتل ثم ترك نهباً للإهمال والضياع أن يتحول إلى خطر يهددهم· فأفغانستان لم تتحول فقط إلى ملاذ للإسلاميين الذين مولتهم أميركا وأحرجوا الإمبراطورية السوفييتية، بل أصبحت أيضا موئلا للجهاديين الذين أتوا بالغبار إلى ''مانهاتن'' بعد سقوط البرجين· ولبناء أفغانستان أفضل، أو ربما أفغانستان فقط، أشرك الأميركيون أصدقاءهم في حلف شمال الأطلسي ليتحول التحالف الذي أنشئ أصلا للدفاع عن الغرب ضد السوفييت إلى أحد عناصر التغيير الديمقراطي في جنوب غرب آسيا· الغريب حقاً أن العدو الذي كان في السابق النظام السلطوي في الكرملين تحول اليوم إلى عناصر طالبان والإسلاميين الفاشيين· هكذا وفي صباح أحد الأيام وجد المقدَم ''جيمس برامبل'' نفسه، وهو ضابط الاحتياط من تكساس الذي يعمل كمدير بإحدى شركات صناعة الأدوية، يقوم بزيارة إلى مقر القوات الرومانية ويعرج بعدها على قرية ''مراد خان كالي'' القريبة من المعسكر· وكما اعتقد الضابط الأميركي الذي يشرف على فريق لإعادة الإعمار مكون من 25 فرداً يعبر به البلاد طولا وعرضاً، تبنى قرية بعد قرية، ويفترض بفريقه الإيفاء بالتزامات التنمية التي من شأنها تهميش ''طالبان'' وطرح بدائل أفضل· هذا على الأقل ما يفترض أن يكون على المستوى النظري، لكن الواقع يبـــدو على النحــو التالي: يتــم إرسال سبع سيارات أميركية من طراز هوم في رفقة أفراد من الشرطة الأفغانية المدربة حديثاً لتطويق إحدى القرى القريبة ويؤتى بالرجال المسنين· وبعــــد علامـــات القلــق التي بدت على الأفغان المتدثرين بلباسهم الفضفاض وعماماتهم الكبيرة التي تسخر من ألوان الزي العسكري الأميركي الساعية إلى التمويه، تقدم الرقيب في الجيش الأميركي ''ماركو فيلاتا'' إلى الأمام وقال: ''نود أن نطرح عليكم بعض الأسئلة بخصوص قريتكم''· وخلاصة الجواب أن القرية تضم 300 عائلة تستخدم 25 بئراً مائية، وتتضرر سواقي الري فيها من السيول خلال فصل الشتاء، بالإضافة إلى الجسر الذي ينهار مراراً، ثم إغلاق المدرسة الوحيدة في القرية بسبب خوف المدرسين من عناصر ''طالبان''· بعد الاستماع إلى القرويين رد ''فيلاتا'' قائلا: ''سنتقاسم هذه المعلومات مع المحافظ وسنتأكد مما سيقوم به لمعالجة هذه المشاكل''· لكن ما أن فرغ الجندي الأميركي من حديثه حتى تقدم ''ساردار محمــد'' وقـــال ''كــلا، كــلا إننا لا نثق في المحافظ، فإذا حصل على الطعام سيعطيه لعشر عائلات بينما يذهب الباقي إلى جيبــه· إننا نثــق بك أكثر لذا ائتِ لنا بالمساعدات مباشرة''· لكن بالنسبة للفريق الأميركي ليس المحافظ الأفغاني أحسن من غيره من المسؤولين في هذا البلد ليبقى الضابط الأميركي، على غرار بلده وحلف الشمال الأطلسي، عالقين في جهود إعادة الإعمار المتعثرة· وإذا كان الحوار الذي تبادله القرويون مع الجندي الأميركي مألوفا ويخترق الحضارات والثقافات والقرون يبقى التحدي الحقيقي بالنسبة للجنود الأميركيين، الذين دربوا على القتال، في انتشال بلد إسلامي من لاشيء كأنه على الدوام بينما القتال مستمر· ومع ذلك يعتقد المقدم ''برامبل'' أن اتصاله الأول سيقود إلى اتصالات أخرى وربما استطاع القيام بشيء لترميم الجسر في القرية، ويتم كسب مجموعة أخرى من الأفغان في الحرب ضد الإرهاب· بيـــد أن ذلك سيكـــون بطيئاً لأنه من غير الواضـــح مـا إذا كان الغرب سيواصل التضحيــة بالمــال والــدم لعقـــد إضافي آخـــر مـــن الزمــن في أفغانستــان· لكني لا أرى من بديل أمام أفغانستان للخروج من دوامتها المدمرة عدا الاستمرار في مساعدتها، ذلك أن خسارة أفغانستان وبالقرب منها باكستان نووية ومضطربــة يشكـــل خطـــورة لا يمكن المقامرة بها· كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©