الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مصر·· التي لا يحبها بعضنا··

26 أكتوبر 2007 01:53
من منظور الدراسات الثقافية، وهو الحقل الذي أعمل في دروبه منذ أعوام، تراني أتحدَّث عن مصر وليس عن القاهرة، لأن القاهرة كبغداد ودمشق وبيروت، عاصمة ثقافية باهرة ومتألقة في عطائها المعرفي، لكن بقية مدن مصر والعراق وسوريا ولبنان هي الأخرى أنجبت مئات من المبدعين العرب الذين هم نبراس ثقافتنا في القرن العشرين، ويكوّنون نسيج الحراك الثقافي في بلدانهم وبلداننا· ما عاد بعضنا يحب مصر، وما عاد يتحمَّل وجود كائن مصري بين ظهرانيه، ربما لا يحب بعضنا مصر على الصعيد الذاتي أو الشخصي، وله الحق في ذلك لأسباب خاصة به؛ فالمرء مجبول على الحب والكره، لكننا جميعاً، وعلى الصعيد الموضوعي، لا نستطيع أن نكره مصر، لأن مصر كما العراق هما عمقنا الثر، فكيف لفرد ما أن يهمِّش عمقه التاريخي بكل ما فيه من عطاء ثقافي يشهد له العالم بدوره التاريخي الكبير، وكيف لامرئ منا أن يمشي بين ظهراني العالم من دون ظهر ولا ظهير يسنده؟؟ ما ينكأ النفس، ويخدش الحياء الآدمي، أن يأتي كره مصر من بعض المثقَّفين العرب وهم بيننا أيضاً؛ فكيف لمثقَّفٍ أن ينسى أنه تعلَّم من المصريين الكثير؛ الدراسات الأدبية حيث طه حسين، الشعر حيث أحمد شوقي، الغناء حيث أم كلثوم، الرواية حيث نجيب محفوظ، الفلسفة حيث عبد الرحمن بدوي وزكي نجيب محمود ومحمود رجب وإمام عبد الفتاح إمام، المقالة حيث العقاد، اللغة حيث العلايلي وشوقي ضيف، التمثيل حيث يوسف شاهين وأمينة رزق وغيرهما، ··الخ· لكَ أن تكره جمال عبد الناصر، لكنكَ لا تستطيع أن تكره المنجز الثقافي المصري على أيامه عندما كان سعر الكتاب لا يختلف عن سعر رغيف خبز في بقية دول المنطقة· لكَ ألا تحب عبد الرحمن الشرقاوي لكنك لا تستطيع التغافل عن قراءة رواية ''الأرض''· لكَ أن تطبع مؤلفاتك في بغداد أو بيروت أو الرباط، لكنَّ غصة حارقة تبقى عالقة في نفسك وتتمنى أن يصدر لكَ كتاب، أي كتاب، عن دار نشر مصرية· لكَ أن تحضر ندوات وورشاً فكرية وملتقيات ثقافية وندوات أدبية في كل حواضر المعمورة الثقافية، لكنك تتمنى أن تحضر واحدة منها في مصر· لكَ، وأنت العربي، أن تتكلَّم مع كل نساء مصر باللهجة المصرية التي تجيدها كما تجيدها أي امرأة مصرية، لكنك لا تجيد الكلام باللهجة الجزائرية مع أي امرأة جزائرية، ولا المغربية بلهجتها، ولا السودانية بلهجتها، ولا الخليجية بلهجتها؛ ألم تسأل نفسك مرة: لماذا يجيد العرب التكلُّم باللهجة المصرية مع كل العرب؟ أهي لعنة فرعون وقد حلَّت على رؤوس العرب أم أن عاطفية هذه اللهجة وسلاستها وموسيقاها التي تأسر العرب جميعهم، بل والغربيين الذين زاروا مصر ولو لمرة واحدة، هي التي تدع قاموس ألفاظك اليومية عامر بكلمات ومفردات اللهجة المصري؟ ما لنا نتحدَّث عن حوار ثقافات مع الغرب وننخر حوارنا مع بعضنا؟ ما لنا نتحدثَّ بلا ملل عن ضرورة التناص الثقافي مع الغرب وترانا في مسعى حثيث منا لنفجِّر تناصنا مع ذواتنا؟ لماذا ندمِّر منجزنا الثقافي في وقت ما زال فيه الغرب يبحث حتى اللحظة عن أسرار بقاء شعوبنا دائبة العمل على الخلق والإبداع؟ rasmad8@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©