الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العراق··· وحالة انعدام اليقين

العراق··· وحالة انعدام اليقين
31 مارس 2008 02:51
حتى إذا استطاعت القوات الأميركية والعراقية القضاء على ''القاعدة'' في العراق، إلا أن ثمة ثلاث إمكانيات مثيرة للقلق لأشكال جديدة من القتال التي يمكن أن تُقسم العراق وتَحول دون تحقيق الولايات المتحدة لأي شكل من أشكال ''الانتصار''؛ الأولى هي إمكانية انقلاب القبائل والمليشيات السنية التي كانت تتعاون مع الأميركيين على الحكومة المركزية، والثانية هي إمكانية أن يؤدي الصراع بين العرب والأكراد والتركمان ومجموعات عرقية أخرى حول السيطرة على الأراضي في شمال البلاد إلى اقتتال في كركوك والموصل ومناطق أخرى، أما الثالثة - وقد باتت الآن واقعية- فهي إمكانية تحول النزاع السياسي بين الأحزاب الشيعية المهيمنة إلى نزاع مسلح· يدورالاقتتال اليوم في جنوب العراق وأجزاء من بغداد بين ''جيش المهدي''، الذي يخضع لسلطة رجل الدين الشعبوي مقتدى الصدر، وتحالفٍ يقوده حزب رئيس الوزراء نوري المالكي ''حزب الدعوة''، و''المجلس الأعلى الإسلامي'' في العراق -وهو حزب قوي يتزعمه حليف المالكي، عبد العزيز الحكيم-؛ ويسيطر هذا التحالف الأخير فعليا على جل قوات الأمن العراقية، ويمتلك حزب الحكيم على ميليشيا خاصة تسمى ''منظمة بدر''· جل التقارير حول هذا الاقتتال الدائر في البصرة وبغداد -والذي بدأته الحكومة العراقية- تفترض أن الصدر ومليشياته هم الأشرار الذين يسعون لزعزعة الاستقرار وإفساد النظام، وأن القوات الحكومية هي الطرف الشرعي الذي يحاول فرض احترام القانون والنظام، غير أن ذلك تبسيط خطير ومبالغ فيه، وعلى الولايات المتحدة أن تكون أكثر حذرا بخصوص دعمه وتأييده· فمما لا شك فيه أن العديد من عناصر ''جيش المهدي'' متورطون في عمليات التطهير العرقي، وأن الحركة الصدرية تناصب الولايات المتحدة العداء، وأن بعضا من أعضائها المتطرفين يواصل أعمال العنف بالرغم من وقف إطلاق النار الذي أعلنه الصدر الصيف المنصرم، وأن لبعض هذه العناصر المارقة روابط مع إيران، وكل هذه الأمور تستوجب ألا ننظر إلى الحركة الصدرية نظرة رومانسية وغير واقعية، أو أن نقلل من شأن الأخطار التي تطرحها، أو أن نتجاهل الراديكاليين العنيفين الموجودين في ''جيش المهدي''· بيد أنه من المهم كذلك ألا ننظر إلى المالكي أو ''حزب الدعوة'' أو ''المجلس الأعلى'' نظرة رومانسية وغير واقعية، ذلك أن الاقتتال الحالي، الذي تقدمه الحكومة على أنه حملة ضد الإجرام، يُنظر إليه من قبل الكثير من المراقبين كوسيلة للاستيلاء على السلطة، ومحاولة من المالكي وأقوى الأحزاب الشيعية لبسط سيطرتهم على البصرة والأجزاء التي باتت لا تخضع لنفوذهم في بغداد· وعلاوة على ذلك، فإن مقامرة المالكي جرَّت القوات الأميركية جزئيا إلى هذا الاقتتال، حيث نفذت ضربات جوية في البصرة، والحال أن ضرب العناصر العنيفة والمارقة في ''جيش المهدي'' شيء، والدخول في مواجهة مع الحركة الصدرية برمتها شيء آخر، ونتيجة لذلك، فإن وقف إطلاق النار الرسمي الذي كان يَحول دون دخول جيش المهدي في مواجهة مع القوات الحكومية والأميركية قد يصبح ملغيا في حال واصلت الحكومة هجومها· والواقع أن نذر هذا الصراع على السلطة كانت واضحة وجلية عندما زرتُ العراق الشهر الماضي، فقد كان ''المجلس الأعلى'' القوة المهيمنة في المحافظات الشيعية في الجنوب، وكان قد أخذ في توسيع نفوذه وتأثيره على الشرطة العراقية، والنحو بوضوح لمواجهة الدعم الشعبي للصدر والاستعداد لانتخابات المحافظات المقررة في الأول من أكتوبر المقبل، غير أن المسؤولين العسكريين والمدنيين الأميركيين كانوا صريحين حين قالوا إن المحافظين (رؤساء المحافظات) والمسؤولين المحليين الآخرين المنصَّبين من قبل الحكومة المركزية في البصرة وغيرها من المدن الجنوبية، يفتقرون إلى قاعدة شعبية، وإنه لو نُظمت انتخابات محلية وإقليمية، فالأرجح أن ''حزب الدعوة'' و''المجلس الأعلى'' سيفقدان السلطة لأن عددا مهما من العراقيين باتوا ينظرون إليهما على أنهما أخفقا في تحقيق التنمية وتوفير الخدمات الحكومية· الواقع أنه لم يكن ثمة نقاش حقيقي حول مدى سوء مستوى الحكم على المستوى الإقليمي عموما في الجنوب، وحول مدى ضعف الخدمات التي تقدمها الحكومة، حتى في المناطق الشيعية، ذلك أن انعدام الكفاءة والفساد لا يقتصران على طائفة معينة، فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته ''إن· بي· سي· نيوز'' هذا الشهر، أن ثلثي السكان الشيعة في البصرة فقط يحملون رأيا إيجابيا حول الحكومة المركزية، مقارنة بثلاثة أرباعٍ الصيف الماضي، وأن 14 في المائة فقط من كل السكان يشعرون أنهم لا يستطيعون التنقل في المدينة بأمن وأمان· والواقع أن المسؤولين الأميركيين الذين التقيتُ بهم كانت آراؤهم حول حجم القاعدة الشعبية التي يتمتع بها الصدر في البصرة مختلفة ومتباينة، غير أن معظمهم كان يتفق على أنه مازالت للصدر قاعدة واسعة في بغداد، وهو شيء تؤشر عليه المسيرات الحاشدة التي نُظمت في العاصمة باسمه الأسبوع الماضي· أثناء سفري عبر جنوب العراق، لم يخفِ الكثير من الأشخاص الذين تحدثت إليهم قلقهم بخصوص انتخابات أكتوبر؛ فالمشكلة الأولى تكمن في أنه لا توجد أحزاب حقيقية تعمل مع الزعماء المحليين، أما الثانية، فتتمثل في الإطار الذي لم يُحسم بشأنه بعد، فإذا سارت الانتخابات المقبلة على نهج نموذج انتخابات ،2005 فإن العراقيين سيصوتون للوائح طويلة من المرشحين المنتمين للأحزاب الرئيسية (ليواجهوا بذلك العديد من الأسماء غير المألوفة لديهم) ولن يُسمح بالانتخاب المباشر لأعضاء البرلمان الذين قد يمثلون منطقة أو دائرة معينة، وإذا كان المتفائلون يأملون بظهور زعماء محليين وأحزاب محلية قبل الانتخابات، فإن المتشائمين يتنبأون بالفوضى· كانت هناك أيضا اختلافات في الآراء حول وقف إطلاق النار الذي أعلنه الصدر؛ وأثيرت أسئلة من قبيل: هل كان ينتظر انتهاء الجهود الأميركية العراقية وانهزام ''القاعدة'' قبل السماح لجيشه بأن ينشط مرة أخرى؟ أم أنه كان يعمل على تغيير موقعه استعدادا لحياة سياسية عادية؟ الأرجح أنه كان يقوم بكلا الشيئين، فربما يكون حائرا بخصوص حالة انعدام اليقين التي تطبع السياسة العراقية -على غرار الجميع- كما أنه قد يكون بصدد التعامل مع حركة جد مصدعة ومتنوعة إلى درجة أن السيطرة الفعلية عليها باتت شبه مستحيلة· على أي حال، من الواضح أن البصرة أضحت حالة خاصة، فمنذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، كانت المدينة تحت حماية البريطانيين، الذين اختاروا استراتيجيةَ إهمالٍ ''لسيت حميدة جدا''، وبالتالي، فإن الصراع على السلطة في المدينة -التي تعد الميناء الرئيسي للعراق- يختلف كثيرا عن نظيره في المناطق الشيعية الأخرى، فقد كانت البصرة مقسمةً بالأساس بين عصابات الأحزاب الشيعية -التي كانت كل واحدة منها تتبنى شكلا خاصا من أشكال الابتزاز والفساد- كانت هذه العصابات تتقاتل في ما بينها أحيانا وتناصب بعضها بعضا العداء، وثمة أسباب وجيهة لوصفها بالعصابات الإجرامية· في البصرة يشعر المرء كذلك بالنفوذ الإيراني بشكل أقوى مقارنة مع المحافظات الشيعية الأخرى، حيث تقوم القوة الإيرانية الدينية وشبه العسكرية ''القدس''، بمد جميع المليشيات الشيعية بالمال والسلاح بدون تمييز، ضامنة بذلك دعمها للفائز، بغض النظر عمن سيفوز في نهاية المطاف· وبالتالي، فهناك أسباب وجيهة كي تعيد الحكومة المركزية السيطرة على البصرة، فهي تفتقر إلى الأمن والسلام، وتمثل المفتاح بالنسبة لصادرات العراق النفطية، ثم إن حكم العصابات ليس بديلا للحكم الشرعي، إلا أنه بالنظر إلى التوقيت والتكتيكات، فإنه من غير الواضح ما إن كان القصد من هذا الهجوم هو خدمة مصالح البلد، وليس مصالح ''المجلس الأعلى'' و''حزب الدعوة''· كيف يمكن أن يؤثر ذلك على أميركا؟ إذا فجر الاقتتال صراعاً واسعا ودائما وعنيفا على السلطة بين الفصائل الشيعية، فإن معظم المكتسبات التي حُققت على الصعيد الأمني العام الماضي يمكن أن تضيع، ونتيجة لذلك، فإن دورنا العسكري سيزداد، ومن جهة أخرى، لا شيء يضمن أن انتصارا لـ''حزب الدعوة'' و''المجلس الأعلى'' سيخدم قضية التسوية السياسية أو سيؤدي إلى انتخابات نزيهة وإنشاء حكومات محلية وإقليمية شرعية، والواقع أن نتيجة من هذا القبيل قد تدعم ''عراقراطية'' ''حزب الدعوة'' و''المجلس الأعلى''، وليس الديمقراطية· أنتوني كوردسمان زميل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©