في مراجعة للسياسات التي أدت الى انخفاض معدلات ضريبة الدخل الى أدنى مستوياتها خلال السنوات الماضية أعلنت الحكومة البريطانية مؤخراً عن اعتزامها لزيادة العبء الضريبي على أصحاب الدخول المرتفعة في مسعى لاستعادة السيطرة على عجز الميزانية الذي يتجه للارتفاع الى أعلى مستوى له منذ الحرب العالمية الثانية• وسوف يرتفع المعدل الأعلى الى مستوى 50 في المائة من العائدات التي تزيد على 150 ألف جنيه استرليني (أو 217 ألف دولار) من معدل 40 في المائة وبشكل يضع بريطانيا في موازاة الدول الأوروبية المجاورة مثل الدنمارك وهولندا وفرنسا وبلجيكا والتي تفرض معدلات الضريبة على الشرائح الأعلى بحوالي 50 في المائة أو نسبة تزيد على ذلك بقليل• وتعكس هذه الخطوة، ولو بشكل جزئي، التغير الذي حدث في الرأي العام تجاه الأثرياء حيث أصبح العديدون يلقون باللائمة في حدوث الأزمة المالية على تجاوزات النخبة من الأغنياء من رجالات البنوك والمهندسين الماليين• ويبدو أن الخطوة قد لقيت صدى في الولايات المتحدة الأميركية حيث اقترح الرئيس باراك أوباما مؤخراً زيادة الضرائب على أولئك الذين يزيد دخلهم السنوي على 250 ألف دولار• إلا أن المبادرة التي تم تضمينها في الميزانية البريطانية التي تقدم بها اليستر دارلينج وزير الخزانة الى مجلس العموم البريطاني يوم الأربعاء قوبلت بانتقادات عنيفة من كبار رجال الأعمال والسياسيين المحافظين بأنها تمثل عودة للأيام المظلمة في ماضي حزب العمال البريطاني• وقال هاوارد ويلدون كبير الاستراتيجيين في مكتب بي جي سي في لندن ''إن هذه الخطوة تمثل عودة لسياسات حزب العمال القديمة التي تهدف للنيل من الأغنياء• وفي محاولة لانتشال الاقتصاد البريطاني من أسوأ كساد يشهده طوال 60 عاماً في ذات الوقت الذي يواجه فيه اتساع هوة العجز في الميزانية بات يتعين على جوردون براون رئيس الوزراء البريطاني فيما يبدو أن يتخلى عن بعض التعهدات والالتزامات التي كانت قد ساعدت حزب العمال على اكتساح الانتخابات قبل عقد من الزمان والبقاء في السلطة منذ ذلك التاريخ• وكان جوردون براون بالتضامن مع رئيس الوزراء السابق توني بلير قد أطلق مفهوم حزب العمال الجديد الذي انطوى على التزام بزيادة ضريبة الدخل في حملة الحزب لانتخابات عام •1997 ولكن وعلى العكس من ذلك وكما ورد في صحيفة الديلي ميل اليومية المحافظة الصادرة يوم الأربعاء ''إن الميزانية الجديدة تعود بنا مجدداً الى حقبة السبعينيات''• أما دينيس هيلي وزير الخزانة السابق فقد خاطب مؤتمر حزب العمال قائلاً ''إنني أحذركم من مواجهة موجات من الغضب والتذمر من أولئك الأثرياء الذين سوف يتعين عليهم دفع 75 في المائة في آخر حصة من إيراداتهم''• وكان جوردون براون بوصفه وزيراً للخزانة في إدارة توني بلير قد عمد أيضاً الى خفض معدل الضريبة الأساسي ما أدى الى اجتذاب قدر كبير من الاستثمارات الأجنبية وشجع قطاع الخدمات المالية على الازدهار وبشكل أدى الى وضع لندن في مصاف أكبر المراكز المالية في العالم وكمنافسة لمدينة نيويورك• إلا أن الأزمة المالية وتداعيات الركود سرعان ما أودت بالعديد من هذه المكاسب ودفعت الحكومة الآن لمراجعة بعض سياساتها• وأثناء تقدمه بميزانية هذا العام الى البرلمان برر براون الزيادة في الضرائب بقوله ''إن الذين يكسبون القدر الأكبر من الأموال بات يتعين عليهم المساهمة بالمزيد''• وفي الوقت الذي وصف فيه ديفيد كاميرون زعيم المعارضة في حزب المحافظين زيادة الضرائب بأنها انتهاك للبرنامج الانتخابي لحزب العمال فقد أشارت المجموعات والمنظمات التجارية من جانبها الى أن رفع الضرائب على الأثرياء سوف يعمل على تغييب الحافز لدى أفضل الموهوبين في الأعمال التجارية للانتقال الى بريطانيا ويلحق أضراراً جسيمة بمكانة لندن كمركز مالي عالمي• أما معهد الدراسات المالية في العاصمة لندن فقد ادعى من جانبه بأن هذه الزيادة ''ليس من المرجح مطلقاً أن تؤدي الى رفع مستوى الإيرادات التي تنبأت بها الحكومة، بل إن من شأنها بالطبع أن تخفض مستوى الإيرادات بشكل عام''• ويقول ديفيد فورست المدير العام للغرفة التجارية البريطانية ''إذا كانت الحكومة جادة في أن تظل بريطانيا أحد أكبر اللاعبين في الساحة الدولية فإنها لن تتخلى عن مثل هذه الميزة البالغة الأهمية لقاء مجرد عائد صغير''• عن ''انترناشيونال هيرالد تريبيون'
عدد اليوم
