السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

سركون بولص يصل إلى مدينة اللانهايات

سركون بولص يصل إلى مدينة اللانهايات
24 أكتوبر 2007 22:05
منذ الديوان الأول لسركون بولص الذي حمل عنواناً مأسوياً هو ''الوصول إلى مدينة أين'' وصدر العام 1985 بدت واضحة النبرة الحادة لسؤال الوجود الكبير ''من أين، إلى أين'' التي طرحها الشعر العربي في صيغتها الذهنية الفلسفية، فجاء هذا الشاعر ليحمل السؤال الوجودي على محمل الحياة اليومية وتفاصيلها الصغيرة، وليرسم صورة الوجود والكون من خلال هذه التفاصيل، ومن خلال رؤية خاصة إلى ''مدينة فاضلة'' لكنها مجهولة تدعى ''أين''، ومنذ العنوان أيضا ندرك هاجس الشاعر وقضيته الوجودية المرتبطة بسؤال ''الوصول''، سواء كان هذا مرتبطا بوصول ''جلجامش'' إلى عالم الخلود أو بوصول عوليس إلى إيثاكا، فهو وصول مستحيل كما يبدو في تجربة هذا الشاعر الذي عرف الوصول إلى مدينته التي لم يكن يعرفها، مدينة تجمع بين قريته وبين كل ما وصل إليه من مدن وعوالم· هكذا جمع بولس بين الأسطوري واليومي في قصيدته، فكان يعبر عن شخصين وعالمين، فهو كما يقول في إحدى قصائده: أنا في النهار رجل عادي يؤدي واجباته العادية دون أن يشتكي كأي خروف في القطيع لكنني في الليل نسرٌ يعتلي الهضبة وفريستي ترتاح تحت مخالبي لقد عرف جيلنا- جيل الثمانينات- سركون بولس من مجموعته الشعرية ''الحياة قرب الأكروبول'' (1988) الذي جاء يومها كصوت متفرد في قصيدة النثر العربية التي كانت تعاني تشظيا وتشتتا وتخوض صراعا مريرا مع المرجعيات العربية المحافظة لكثرة ما شهدت من الفوضى والاستسهال، لكن سركون بولس كان واحدا ممن عرفوا كيف يمنحونها روحا جديدة محملة بروحه العراقية ذات الجذور الميثولوجية والأبعاد الإنسانية الحديثة: أصل إلى وطني بعد أن عبرت نهرا يهبـط فيه المنجمون بآلات فلكية صدئة مفتشين عن النجوم أو لا أصل إلى وطني بعد أن عبرت نهرا لا يهبط فيه أحد كان يكتب كما لو أنه المتشرد الأزلي الذي لا يعرف بيتا أو سكنا، فالعالم من حوله بارد وميت رغم كل ما يضج به هو من حيوية وشهوة للحياة، ورغم انتمائه الهائل للحياة وتفاصيلها، وقد أتعبته الحياة من فرط ما تجول بحثا عن الحب والوفاء والقيم الإنسانية المفقودة، فهو الذي كتب: أنا من باع حياته ليشتري عينين وفيتين أتعبني ما عرفتُ مقدماً وجسدي لم يعد يتبعني هكذا هو شعره بسيط وعميق ومحتشد بالأسئلة وبروح العالم، والحياة بالنسبة إليه بقدر ما هي أيام وتفاصيل معيوشة، بقدر ما هي عالم سفلي متخيل، وهي في الحالين عالم موحش وكارثي منذ بدايات الخليقة، عالم هو عبارة عن: أزقّة مظلمة، حزينة كُتب على البشر أن يتيهوا فيها إلى الأبد لكن كل هذا التعب والبؤس لا يمنع سركون بولس من أن يعيش حياته طولا وعرضا، ويتسكع في فضاءات الحياة والتشرد والحب الذي كانت له لديه دلالات كونية أكثر من كونه علاقات عابرة يعيشها ويمضي، لقد عاش كما أراد واشتهى، ووصل إلى ما شاء من سبل الحياة، وفي نصوصه الأخيرة نقرأ التفاؤل والقوة بما تحقق له من ثقة بنفسه وحضوره، هو الذي يقول في ما يشبه وداعية: ثمّ كانت الأيام ودسّ أحدهم بين يديّ هذا العود، وعلّمني كيف أغنّي بهذا الصوت الجريح·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©