الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

منتخب ناشئي فلسطين.. قادم من تحت الحصار

منتخب ناشئي فلسطين.. قادم من تحت الحصار
24 أكتوبر 2007 00:50
سجل·· أنا عربيّ ورقم بطاقتي خمسون ألف وأطفالي ثمانية وتاسعهم سيأتي بعد صيف فهل تغضب؟ سجل أنا عربيّ·· وأعمل مع رفاق الكدح في محجر وأطفالي ثمانية أسل لهم رغيف الخبز والأثواب والدفتر من الصخر ولا أتوسل الصدقات من بابك ولا أصغر أمام بلاط أعتابك فهل تغضب؟ لم أجد سوى كلمات شاعر فلسطين والعروبة محمود درويش ''لأدندن'' بها وأنا في طريقي للقاء البعثة الفلسطينية المشاركة في تصفيات كأس آسيا للناشئين بأبوظبي·· لكن وسط أطفال الأرض المحتلة تحولت ''الدندنة'' إلى مرثية حزن وألم·· إلى ترنيمة وجع حتى تضاءلت كثيراً أمام ''صبيان'' الصمود لأعلن لهم أنهم جميعاً رجال يتضاءل أمام عطائهم كل ما قدمته في مسيرة الحياة·· هم يقاومون وأنا أكتفي بالفرجة· إنهم القادمون من تحت الحصار·· حكاياهم أشبه بأحد أفلام ''الأكشن'' الحافلة بمشاهد المطاردة والقهر والدراما·· كل لاعب بالفريق وهو يحكي عن نفسه يكرر حكاية أقرانه·· موت واعتقال وبراءة تغتصب، وحياة بلا ملامح ولا فرحة··أبكاني أحدهم وهو يقول: ''نحن أحياء لأن الموت قليل''· فاجأتني تلك ''الأوليات'' في حياتهم·· أول مرة يركبون الطائرة·· أول مرة يجتمع لاعبو الضفة مع زملائهم من غزة·· أول مرة يسافرون·· أول مرة يأكلون في ''بوفيه مفتوح''·· أول مرة يركب معظمهم المصعد في فندق - أيضاً يقطنون فيه لأول مرة، وللمرة الأولى يتجولون في شوارع مضيئة·· بلا رصاص·· بلا دوريات·· بلا خوف مرعب ينثر في النفس برداً قارساً وظلمة لا يبددها إلا شعاع من أمل بأن النصر قادم· كان طبيعياً أن أجلس أولاً مع عيسى ظاهر رئيس بعثة فلسطين المشاركة في التصفيات والذي رسم لنا تفاصيل الصورة هناك·· كيف يعيش الرياضيون·· وكيف يلعب الأطفال، وتمارس الأندية دورها، وهي صورة من واقع الشعب الفلسطيني الذي أثقلته الجراح· يقول عيسى ظاهر: في ظل الوضع الحالي لغزة يفرض الاحتلال حصاراً كاملاً على قطاع غزة يصبح معه الخروج من هناك مهمة شبه مستحيلة، ولولا تدخل الاتحاد الدولي لكرة القدم ''الفيفا'' ووزارة الشباب الفلسطينية ماجئنا إلى هنا فقد خاطبنا ''الفيفا'' الذي خاطب بدوره اتحاد الكرة الإسرائيلي فيما تدخلت وزارة الشباب لدى لجنة الشؤون المدنية ليتم السماح لنا بالقدوم ولكن وفق شروط وآليات بالغة الصعوبة وبعد منع اثنين من المدربين وأحد لاعبي الفريق من القدس· ويستطرد: طلبوا منا ونحن في رمضان أن نسافر في الثالثة عصراً إلى عمّان بالأردن وكنا صائمين ولكي نعبر إلى ''إيريز'' استغرق التفتيش ساعتين حتى وصلنا إيريز صباح الأربعاء في الثامنة صباحاً وانتظرنا أربع ساعات في الحاجز، ووصلنا إلى جسر الكرامة بين فلسطين والأردن في الرابعة عصراً لننهي إجراءاتنا في الخامسة والنصف مساء مع أذان المغرب وأفطرنا على مياه المبردات ليس إلا ونحن فوق الجسر، وفي الفندق بعمّان أفطرنا بعد صلاة التراويح وهنا كانت بداية التعارف سواء بين اللاعبين بعضهم البعض أو بينهم وبين الجهاز التدريبي· ويحكي تفاصيل الواقع في غزة والمشابه لكافة أوضاع فلسطين، مشيراً إلى أن الملاعب مغلقة منذ خمسة شهور ولا يوجد نشاط رياضي أو تدريبات·· لا مواد طبية للمصابين·· لا علاج·· لا زي للاعبين إلا ماندر·· من أربعة شهور كان المرضى أو المصابون يحولون إلى مصر للعلاج·· الآن أغلق المعبر، ولا يخرج أحد إلا من كان على شفا الموت وربما يموت قبل أن يصل· وأسأله: لماذا إذن كل هذه المعاناة لتلعبوا؟·· ويرد عيسى ظاهر: نحن هنا وفي أي فعالية لنقول إن فلسطين لم تمت وإنها باقية بكل صور الحياة·· مشاركتنا وجه من أوجه النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الذي يمارسه كل فرد من أبناء شعبنا الأبيّ على طريقته· ويؤكد رئيس بعثة فلسطين أن معاناة الرياضيين لا تتوقف على ذلك فهناك من يموت من بينهم كل يوم ويستدل فقط من نادي شباب جباليا الذي يترأس مجلس ادارته بـ 14 لاعباً لقوا حتفهم منذ عام 2002 حتى الآن، وهو نفس حال بقية الأندية الفلسطينية الأخرى· وعن الاحتراف الذي أصبح موجة عالمية واشتراط الاتحاد الآسيوي لتطبيقه للمشاركة في بطولاته من 2009 وأين هم من ذلك يضحك عيسى ظاهر قبل أن يقول: من لا يوفر كيس الطحين ورغيف الخبز كيف ينظر لهذه الأمور·· إنه ترف ورفاهية ليست من حقنا·· إننا جميعاً نعمل متبرعين·· اللاعب والإداري والمدرب·· وهذا الاحتراف أبعد ما يكون عنا، وإن كان لدينا لاعبون مميزون احترفوا خارج الحدود وتحديداً في الأردن مثل صائب جندية، وفهد العتال ولكن لا نادي لدينا يشتري أو يبيع لاعباً·· يكفيه فقط أن يوفر له الحذاء والفانيلة· مع اللاعبين ويمضي عيسى ظاهر بصبحتي إلى اللاعبين الذين يشعرونك من أول وهلة أنك وسط رجال نضجوا وربما بعضهم ''شابَ'' قبل الأوان·· كلامهم من أحاديث الرجال والمقاومة·· هم لاعبون لكنهم يتحدثون لغة واحدة·· لغة التحدي والبسالة والصمود· حكاياتهم واحدة·· لذا اختار مدرب الفريق جمال دراغمة للحديث أولاً لاعبين كل منهما يمثل نصف الفريق·· أحدهما من الضفة الغربية، والآخر من غزة·· هما آدم عبدالله ومحمد الغزالي· يتحدث آدم ابن مخيم الدهيشة في بيت لحم ليحكي تفاصيل الحياة التي يعيشها هو وأقرانه وسط مخيم يسكن فيه أكثر من 12 ألف نسمة في كيلو متر مربع·· يقول: الكرة هوايتي وعشقي·· أمارسها بالشارع والأزقة حتى الآن فالأندية لدينا بلا ملاعب·· أوفر من مصروفي لشراء حذاء أو فانيلة، وأحب الكرة لأن والدي كان لاعباً فورثت عنه هذا العشق· يضيف: في المخيم 6 آلاف شاب من الجنسين لا يعرفون كيف يفرغون طاقاتهم أو يمارسون هواياتهم· وأسأله عن انضمامه للمنتخب وكيف كان ويقول: انضممت إليه من إحدى البطولات المحلية ثم أخذونا لمخيم الفارعة، ومن المصادفات أن هذا المخيم كان سجناً منذ فترة وأبي سُجن فيه واليوم نلعب حيث سجنوا آباءنا· وآدم يرى نفسه محظوظاً جداً لأن راتب والده يقترب من 300 دولار شهرياً، وهو ما لا يتوافر للكثيرين في الأرض المحتلة، ومن هذا المبلغ يدفع الأب إيجار المسكن والخدمات ويشتري المأكل وينفق على أبنائه· الزعتر والزيتون أما عن التغذية في حياة لاعبي فلسطين فيؤكد آدم أن ''الزعتر والزيت'' هما وجبة الإفطار الرئيسية للجميع تقريباً، وتغذيتهم هي نفس غذاء أهلهم فلاشيء مخصوص لهم·· ويمكن القول إن الخبز من الوجبات الرئيسية ووحده قد يكون الوجبة·· ويكفي اللحم مرة واحدة شهرياً أما الدجاج فمرتين كل شهر· وتدمع عينا آدم وهو يحكي عن صعوبة التنقل داخل فلسطين والضرب والاعتقال وامتهان الآدمية في نقاط التفتيش واستشهاد الأصدقاء واعتقال الأهل، مؤكداً أنه لا يوجد بيت في فلسطين بلا شهيد أو معتقل· أما محمد الغزالي كابتن الفريق فيضيف إلى المعاناة عدم توافر السلع أو الأدوية ويروي كيف أن جيش الاحتلال قصف ''استاد فلسطين'' الاستاد الوحيد المتوافر لهم· ويضيف: نحن لاعبون متطوعون·· نلعب من أجل رفع راية الوطن في كل مكان·· نحن رغم الحصار ورغم الظروف القاسية موجودون·· خالي استشهد، ورأيت أصدقاء يغتالون أمام عيني·· منعونا من التدريب·· حصلت على لقب أفضل لاعب أكثر من مرة ولم أحصل على أي مكافأة لكن هذا قدرنا·· أن نلعب وسط النار· ويسحبني اللاعبون إلى عالمهم ويتحدثون الواحد تلو الآخر·· فهذا شاهر نتيل ''السعيد'' لأنه الوحيد بينهم الذي ركب الطائرة من قبل، وحمدان البيوك الذي قتلوا اثنين من أبناء شارعه أمام عينيه ورأى الأمهات يلدن وهن على الحاجز قبل الوصول إلى المستشفى وكثير من الأطفال يموتون قبل الوصول، والغزالي لم يركب المصعد إلا في أبوظبي، ومن أتيحت له هذه ''المتعة'' قبله كانت في المستشفى وهو في زيارة لأحد أقاربه· وما بين رائد الرحبان ابن بيت حانون وعبدالله الحمامي وطارق أبو غنيمة نعيش حكاية الجدار العازل الذي صنعوه قفصاً للفلسطينيين وحاجزاً بين أبناء البلد الواحد فكان أكثر من ذلك·· كان سجناً لدولة ولأحلام ولشمس تشرق حزينة على أرض حزينة· وأمام هذه الحكايات تهون الأهداف التسعة التي خسر بها الفريق من بنجلاديش في افتتاح التصفيات وربما تتحول لنجمات تسع على صدور لاعبين يختزنون في صدورهم أحزان فلسطين· غير أن اللاعبين يعترفون بأنها نتيجة قاسية ولكن أمام قلة الخبرة وعدم خوض فترة إعداد ومنع المدربين من السفر يصبح الأمر منطقياً· اللاعبون ممتنون للتصفيات لأنها أتاحت لهم فرصة التعرف على بعضهم والتي لا تتاح في فلسطين·· ويشكرون في صوت واحد الشعب الإماراتي على استقباله ووده ووقفته مع فلسطين، ويطلبون من كل العرب والمسلمين ألا ينسوهم ويؤكدون أن كل ما يفعله ويمارسه الاحتلال لن يطفىء أبداً جذوة الكفاح· وأودع ناشئة فلسطين ولكن هذه المرة دون أن ''أدندن''·· فقط أردد وأنا عائد: يا مواليد السلاسل ستعودون إلى القدس قريباً وقريباً تكبرون وقريباً تحصدون القمح من ذاكرة الماضي قريباً يصبح الدمع سنابل يصبح الدمع سنابل· حيّوا الأبطال هم أبطال·· حتى لو خسروا في مباراة بالتسعة أو بالألف·· هم أبطال الصمود والحجارة والقنابل وصواريخ القسّام·· هم أبطال أروع مباراة في ملعب الحياة· هم·· محمد الغزالي، آدم عبدالله، شاهر نتيل، حمدان البيوك، رائد الرحبان، ساهر شاهين، أحمد الشاعر، علاء يامين، محمد مصلح، أنس الولجي، ابراهيم الرمحي، معتصم حمودة، عمار الغف، أحمد الشوربجي، محمد الهويدي، محمد الحمامرة، سامح مراعبة، محمود أبو نصر، عبدالله الحمامي، مهران الخازندار، مازن داوود، سفيان الأقرع، طارق أبو غنيمة، باسل الأخرس، وإياد النبريص· اثنان زارا الأقصى من بين لاعبي المنتخب الفلسطيني هناك لاعبان اثنان فقط أتيحت لهما فرصة زيارة المسجد الأقصى الشريف ''أول الحرمين'' وهما ابراهيم الرمحي، ومحمد الهويدي· بالطبع اللاعبان زارا المسجد في سرية وتحت جنح الظلام بسبب إجراءات القمع من سلطات الاحتلال، ويشعران أن هذه الزيارة الروحية تشعرهما بالتميز عن الجميع· لأول مرة الفريق لأول مرة يركب الطائرة بالتالي أول مرة يسافر اللاعبون أول مرة يجتمع الفريق معظمهم يركب المصعد الكهربائي لأول مرة لأول مرة يقيمون في فندق أو يأكلون في ''بوفيه مفتوح'' لأول مرة ينامون بلا خوف ولا أصوات قنابل أزياء للعب فقط لا يجد لاعبو الفريق الفلسطيني أزياء للتدريب بها، وغالباً ما يرتدي كل لاعب أثناء التدريبات ما لديه فترى خمسة أو ستة ألوان في الملعب· أما زيّ المباريات فهو محلي الصنع وأحضره الفريق معه من فلسطين ولا وجه للمقارنة بين أزياء بقية الفرق وزي فلسطين· خريطة الفريق! لاعبو الفريق من غزة ينتمون إلى مناطق رفح، خان يونس، جباليا، بيت لاهيا، والمغازي·· أما أبناء الضفة الغربية فهم من الخليل، نابلس، طولكرم، ورام الله وغير مسموح للمنتخب بالاستعانة بأي لاعب من القدس المحتلة·· كما أن هناك لاعبين في مناطق معينة بغزة والضفة غير مسموح لهم بالانضمام للمنتخب· احتفاء فلسطيني كل مساء يقبل أعضاء الجالية الفلسطينية في أبوظبي على فندق ريجنسي حيث تقيم البعثة لرؤية اللاعبين والشد من أزرهم وسؤالهم عن أحوال الأهل هناك في أرض الصمود· من بين الزوار جعفر الحسيني ومحمد رزق البيوك والكثير من الفلسطينيين الذين أجمعوا على أن مجرد تواجد الفريق في أبوظبي يعد إنجازاً، وحيوا صمود أبنائهم وأنهم لا زالوا يلعبون رغم الدمار الذي أحاق بهم· 30 درهماً·· المصروف اليومي! قياساً بالظروف التي يعيشونها فإن لاعبي الفريق الفلسطيني يمرون بأفضل أيامهم هنا خلال التصفيات الآسيوية حيث يحصل كل لاعب على حوالى 30 درهماً مصروفاً يومياً طوال التصفيات، وهو ما لم يحدث من قبل· يؤكد عيسى ظاهر رئيس البعثة أنه رغم ضآلة المبلغ إلا أن اللاعبين سعداء جداً به لأنهم لأول مرة يحصلون على هذا المبلغ· دراغمة: هذا قدرنا أكد جمال دراغمة مدرب الفريق أن هذا قدر المنتخب الذي فرضته عليه الظروف في الأرض المحتلة، وأنه كمدرب عانى كثيراً لمجرد التعرف على اللاعبين ومستوياتهم بسبب عدم السماح للمدرب الثاني توفيق الهندي بالسفر· أضاف أن الفريق به خامات جيدة للغاية لو قدر لها أن تتدرب بشكل صحيح لأصبح معظمهم نجوماً في أكبر الأندية ولكن ظروف فلسطين لا تساعد أحداً على التألق وإن كان الجميع صامدين· منتهى المتعة·· في أبوظبي أجمع اللاعبون على أنهم يقضون أجمل أيامهم في أبوظبي حيث التنقل على راحتهم بلا منغصات·· كما أن الجميع يتعامل معهم بود ولطف، وفي أي مكان يتواجدون فيه يحظون باهتمام زائد وتعاطف من الجميع· اللاعبون كرروا الشكر للإمارات حكومة وشعباً على ما قدموه لهم من تسهيلات ودعم للمشاركة في التصفيات الآسيوية واستضافتهم لمدة أسبوع قبل التصفيات للإعداد· مينيو الرياضيين في فلسطين أي لاعب في أي فريق في العالم يحتاج إلى غذاء من نوع خاص يساعده في بناء جسمه وقوته، وغالباً ما يعرف لاعبو العالم ''المينيو'' حيث يختارون على مزاجهم ما يأكلون، ولكن ''مينيو'' الرياضيين في فلسطين مختلف·· هيا نشاركهم ما يأكلون· الإفطار·· زيت وزعتر مع الخبز· الغذاء·· خبيز وهذا هو الشائع·· أما اللحم فمرة واحدة كل شهر· العشاء·· في الغالب ينامون بلا عشاء فأصوات القنابل وزوار الليل وهدير الدبابات ''يسد النفس''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©