الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا بين متناهيين

23 أكتوبر 2007 01:47
لقد لاحظ فيلسوف القرن السابع عشر ''بليز باسكال'' أن البشرية تظل حبيسة لا متناهيين: اللامتناهي الأكبر واللامتناهي الأصغر· وكذا يكون الحال مع أبرز الشخصيات التي تغطيها شتى وسائل الإعلام· هاهو ''آل جور'' يود لو أنه يتحدث عن كوكبنا، بينما يتمنى ''بيل كوسبي'' لو أنه يتحدث عن الضمير الإنساني؛ وما أوضح الفارق في مدى الاهتمام بالرغبتين والشخصين، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار بتحيزات ثقافتنا الليبرالية، من جهة استئثار أحدهما بفائض من التغطية الإعلامية، بينما يتضاءل نصيب الآخر منها· فقد تحول ''آل جور'' إلى نجم سينمائي لامع، نتيجة اختياره الحديث عن اللامتناهي الأكبر، أي مستقبل الحياة في كوكبنا· وبالنتيجة فهاهو قد حصد للتو جائزة نوبل للسلام، بين فيض من الجوائز الأخرى التي انهالت عليه من قبل ثقافتنا الصفوية، كما يتوقع له أن يواصل هذا الصعود الرأسي في عالم النجومية· وفي تلك الأثناء فقد وحد نظيره ''بيل كوسبي'' جهوده مع ''ألفين إف بوسينت'' -أستاذ الطب بجامعة هارفارد- ليقتربا من عالم الأرض معاً ويخطا كتابهما المشترك ''هيا إلى الحقيقة: من عالم الضحايا إلى عالم المعتدين'' الذي بيّنا فيه أن معظم المصاعب والمشاكل التي ألمت بمجتمع السود في أميركا، هي من صنع المجتمع نفسه، وأنها نتيجة لثقافة العنف والضحية التي لم تثمر إلا نتائجها السلبية· ومما يعرف عن ''كوسبي'' أنه ظل يدافع عن وجهة النظر هذه منذ عدة سنوات، تعرض خلالها لسهام نقد الليبراليين واستهجانهم، لكن وعلى رغم ذلك الهجوم المضاد، احتفظ كل من ''كوسبي'' و''بوسينت'' بهدوء أعصابهما بسبب اعتمادهما على الحقائق الموضوعية المروعة والباردة برودة الثلج· كحقيقة أن شيئاً سيئاً قد دبّ في أوصال الثقافة السوداء هذه، ولم يتحرج المفكران من تسمية ذلك الشيء باسمه: ''احتفاء تلك الثقافة بقيم العنف والجهل وبنمط حياة العصابات''· الحقيقة التي لا مراء فيها أنه لن يكون في وسع أي فئة اجتماعية الارتقاء إلى مكانة الطبقة الوسطى في المجتمع إلا بتبنيها وتمثلها لقيم هذه الطبقة، وقد كانت هذه قناعة محافظة شارك الليبراليون أنفسهم في تبنيها مع المحافظين -قبيل انقلاب توجههم الجديد نحو مفهوم ''التحرر''- لكن وبعد عقود من الأزمات والكوارث، شرع بعض المفكرين السود، من أمثال ''كوسبي'' و''بوسينت'' وعدد آخر قبلهما، في قيادة ما يشبه النهضة الأخلاقية في أوساط الأفارقة الأميركيين، وهي وجهة تعد دون أدنى شك، أكبر نافذة للأمل الاجتماعي في الحياة الأميركية المعاصرة· فيما عدا تخصيص ''تيم روزيرت'' -مقدم برنامج ''لقاؤكم مع الصحافة'' بشبكة ''إن بي سي''- لحلقة يوم الأحد الماضي كلها للقاء الرجلين، فليس ثمة اهتمام ولا حماس يذكر تبديه وسائل الإعلام الأخرى لقادة هذه النهضة الأخلاقية التي يقودها المفكران الأسودان في أوساط مجتمعهما· ربما يعود السبب في ذلك الى إدراك النخب الليبرالية لحقيقة خسارتهم للحوار الدائر بشأن الفقر والارتقاء الاجتماعي، وما أن استشعرت الطبقات المسببة لآفة الفقر هذه بعظم ما ارتكبته بحق الفقراء، بل وبفداحة ثمن ''وجودها البرجوازي'' حتى آثرت الهرب إلى قضايا المروج ''الأكثر خضرة''! لكن وفي هذه الواحات نفسها، هناك أسئلة تلوح في أفق ''آل جور'' والكثيرين من جمهوره، كالطريقة التي على أميركا اتباعها لتحدث انخفاضاً جذرياً في انبعاثاتها من غازات بيت الزجاج؟ للبيئيين إجابتهم الجاهزة عن هذا السؤال بالقول بأهمية وجود سلطة يكون بمقدورها تقييد انبعاثات المصانع والسيارات من الغازات الملوثة للبيئة· ولكن من أدرى البيئيين بتعاون دولة مثل الصين في تحقيق أهدافهم هذه؟ فربما تؤثر بكين الصمت والفرجة علينا ونحن نهم بإغلاق مصانعنا هنا، وفيما لو حدث ذلك، فمن الذي سيفوز في الحرب القادمة، وهي حرب لن تدور رحاها بين الدببة القطبية وسيارات ''البرايوس''، وإنما بين سفن وطائرات حقيقية؟ وهنا يكمن التحدي الذي يواجهه ''آل جور''، أي كيف له أن يجمع بين خفض التلوث البيئي، والمحافظة على نمو الصــناعات الأميركية· وإذا ما أمكن له اجتياز هذا التحدي، فمما لا شك فيه أنه سيحظى بمحبة وإعجاب كافة الأميركيين· كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©