العولمة·· القول شيء والفعل شيء آخر

هناك شبه إجماع على أن العولمة مهدت الطريق لحرية الاستثمار في أي مكان في العالم، أي حرية تنقل رأس المال الخاص دون أي عوائق حيث بالإمكان إقامة المصانع في أي بلد في العالم تقريباً في غضون فترة زمنية قصيرة بالمقارنة مع الماضي· هذا إلى جانب ما قدمته العولمة مما يسمى بعالمية النمط الاستهلاكي وحرية المستهلك في الشراء من المصدر الذي يختاره في العالم، ومما زاد على تسارع الطاقة الاستهلاكية وجود الشبكة العنكبوتية العالمية إذ مكنت المستهلك بالاتصال والترابط مع سلع وبضائع الشركات العالمية، إلا أن أهم مزايا العولمة ذلك الدور الكبير الذي قامت به في انتشال أكبر عدد من الناس من الفقر، على الرغم مما سببته هذه العولمة في إلحاق خسائر لا يمكن تجاهلها بأي حال من الأحوال بالكثيرين، خاصة من أبناء الطبقتين المتوسطة والدنيا في الدول الغنية· وتؤكد دراسة حديثة عن التشغيل أجرتها منظمة التعاون بعض الحقائق المسلم بها ومنها عدم المساواة في الاجور بالبلدان الغنية، لكن الدراسة خلصت أيضاً إلى أن الأجور الحقيقية في هذه البلدان ما زالت ترتفع وأن العولمة يمكن أن تكون متسقة مع معدلات التشغيل العالية، إذا تم تطبيق السياسات المناسبة· وفي الحقيقة، يمكن أن يكون للعلاقات العامة دور على هذا الصعيد· فإلى حد ما، ليست العولمة نفسها، بل الإبداع التكنولوجي هو الذي يحدث بعض التغييرات الاقتصادية الجوهرية، لكن محاولة الفصل بين هاتين الناحيتين أمر غير منطقي لأن الأسواق المفتوحة تساعد على نشأت التقنيات الجديدة وانتشارها من بعد ذلك· إن المخاوف الاقتصادية المسيطرة على عدد من الموظفين والنابعة من ازدياد عدم المساواة في الأجور وانعدام الأمن الوظيفي له دور في إعاقة تقدم الشركات بشكل خاص والاقتصاد بشكل عام، ومن هنا تأتي أهمية تمكين الأفراد من الشعور بالثقة الممكنة ضمن النظام العالم، ويمكن أن يتم ذلك عبر تمويل المزيد من البرامج التدريبية أو غير ذلك من الوسائل لمساعدة الذين فقدوا وظائفهم، على العودة إلى السوق بسرعة، وقد يستلزم الأمر كذلك نظاماً ضريبياً أكثر تدرجاً، وتأميناً جزئياً على الأجور، وعدم الربط بين المزايا الاجتماعية كالرعاية الصحية الأساسية وبين الوظائف لتجنب المخاوف غير المبررة من البطالة· إن العولمة أمر لابد منه في ظل ما يشهده الاقتصاد العالمي من تغييرات جذرية، حيث قامت هذه التغيرات بتحويل التجارة من نطاق التجارة المحلية إلى تجارة دولية، وهذا ما أسفر عن رخاء مادي للكثيرين، ولكن إذا استمرت وتواصلت في جو من الكراهية والعداء فإن فوائدها حتماً لن تبلغ المراد·