الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

تاريخ الأيام

تاريخ الأيام
21 أكتوبر 2007 00:56
أصحو من نوم، غالباً ما يكون مليئاً بالأحلام والكوابيس·· أراض غائمة ووجوهٌ لا تكاد تخرج من العتمة إلا لتبتلعها الجبال والغياب؛ أتقلب في سريري بكسل وتوتر، الظلام يضمحل في الخارج ليتدفق تيار الضوء الجارح، والمكيفات تهدر وتحشرج· رَفْس أجنحةٌ على حافة النافذة وفوق الأسلاك، حيث ينام زوج الحمام حتى الصباح الذي يبدأ أيضاً بصياح الغراب التايلاندي الكثيف في هذه المنطقة بعد اختفاء الغراب المحلي، وصمت (الصفرد) ذلك الطائر الضارب في البيئةِ الدكناء بأنغامه الفريدة·· أصحو بتوتر وتكاسل، أحاول تنشيط نفسي بالصراخ والغناء وبأحلام بدت واهنة، عن عملِ أدبي قادم، وسفر وعلاقات·· أدلف إلى الحمّام أغسل وجهي وأحلق ذقني، أنظر إلى التجاعيد في المرآة· الماء ما زال ساخناً، وهو هكذا ليل نهار·· أنتزع زجاجة ماء صحي أشربها مع تفاحة وقرص لتضبيط الضغط العالي·· أفتح الباب نازلا على السلم نحو السيارة، أحيي القطة التي ما زالت نائمة أمام الباب تتوسل الهواء البارد المتسلل من داخل الشقة·· أرى قططاً أخرى أمام أبواب الجيران الغرباء الذين لا يعرف الواحد منهم الآخر·· القطط منبطحة بطولها هكذا·· أمضي مباشرة نحو مكتب العمل في مؤسسة عُمان التي تتبعها (مجلة نزوى) أحاول أن استكمل ما بدأته من كتابات وقراءات سابقة· أشرب الشاي أشرع في قراءة ما يصلني من رسائل ومواد، من أصدقاء أعرفهم واقعاً وحياةً، وآخرين عبر المراسلة والقراءة·· هذا الصباح أقرأ رسالة إلكترونية من سميرة المنسي التي رمتها الأقدار كفلسطينية، هذه المرة إلى (بوليفيا) البلد الأكثر فقراً ونأياً في أميركا اللاتينية تقول: إن الوضع متوتر جداً مع ترقّب انقلاب عسكري في البلاد· إلى أين أذهب هذه المرة ؟·· رسائل الأصدقاء بالنسبة لي فسحة حياة راهنة ومستعادة، من خلال بعضها أكسر شيئاً من الشعور بطوق العزلة الروحية، وأسرح في بستان حيواتٍ ماضٍ يمنحني متعة العيش والحلم من جديد·· طبعاً بعض الرسائل تكون كارثية وثقيلة·· أقضي مطلع النهار حتى بعد الظهر في المكتب على هذا النحو، وقليلة هي الزيارات الشخصية مما يتيح مجالاً أكبر لممارسة معرفية ومهنية، حيث إن وجودي هنا متقطع وليس مستمراً··· ويمنحني أيضاً ممارسة لذة الضجر، في مثل هذا المناخ الاجتماعي والبيئي تصبح الذاكرة ، الذكريات والأحلام تحتل الكثير من عناصر المشهد الراهن، يصبح (الفلاش باك) بإضاءته الخافتة وصمته الاستعادي هو العنصر الرئيس في هذا الفيلم الحياتي اليومي·· أعود إلى البيت للأكل (سمك مشوي) غالباً في هذا البلد البحري المترامي·· أرتاح قليلا، اتسطّح في الغرفة ذات الستائر السوداء الحالكة التي تمنع أي خيط ضوء ضئيل يتسلل من النافذة، فمثل هذا الخيط يكفي لإضاءة المكان إضاءة ساحقة·· الشمس من فرط سطوتّها وقوتّها كأنما هي أقرب مسافة إلى هذه الأرض أو كأنما على رأسِ كل فرد شمسهُ الخاصة· أتذكر نزار قباني حين زار عُمان، كان في جلسة ينظر إلى لوحات تشكيلية، حين قال للفنانين، لماذا هذا التجريد و(التغميض) ولديكم كل هذا السطوع المتدفق حدّ الرعب؟·· بعد استراحة منتصف النهار أذهب إلى المكان البحري؛ مياه وأشجار، غربان محلية وتايلاندية، نوارس وحدءات تحلق في الفضاء الطلق، والكثير من الأجانب العاملين في الحقول المختلفة·· أقرأ مثل (الخواجات) قريباً جداً من مياه المسبح والبحر، أكتب ملاحظات لأعمال أدبية، معظمها لا يتحقق·· أقضي المساء كاملاً في هذا المكان المائي البحري العائم·· المياه تعيد إليَّ بعض توازن مفقود منذ الأزل، تبدد بعض كآبة مقيمة، تجدد نفسها بأشكال مختلفة· أجد نفسي في هذه الحالة متماهياً مع طقوس وشعائر الأقوام القديمة التي ما زال بعضها موجوداً كالمندائية، حيث الأعراس تقام في قلب المياه·· أعود إلى المنزل، أشعل سيجاراً بعد ان امتنعت عن السجائر العادية، صرت أُدخنه ليس على طريقة الناس (الشيك) وإنما الناس القرفانة التي تريد أن تشفط وتنفث أي شيء· طبيبة الأسنان قالت: إنه يسبب سرطان اللثة· إذن عليّ أن أختار بين سرطانين· لكن الطبيبة أردفت مطمئنة بعدم إمكان حدوث أي شيء سيئ، حيث إن عمها الذي كان يدخن كل الأنواع مات عن عمر الخامسة والتسعين·· ربما لا تعرف الطبيبة إن هذا المبلغ من السنين أكثر فتكاً من السرطان·· ألتقي (داليا) التي هي الأخرى تحمل شيئاً من مزاج البحر المضطرب أحياناً والهادئ أحياناً أخرى، وهو جميل في كل حالاته خاصة حالة الاضطراب والهيجان·· أحافظ على هذا المثلث الهادئ في حياتي اليومية لأن مشواراً واحداً ربما يطيح بمزاج اليوم بسبب الحرارة في مسقط، كما يدمره بسبب الزحمة والتلوث في القاهرة·· فترة الليل أقضيها غالباً بمشاهدة الأفلام الجديدة، وتلك التي شكلت جزءاً من ذاكرتنا الأدبية والسينمائية· أشاهد بعضها عشرات المرات مثل الكتب التي لا تنضب مياه ثرائها، وإنما تتجدد بالقراءة والمشاهدة·· يوم واحد في الأسبوع لكسر هذا المسار الذي أصبح على هذا النحو الآلي، هو يوم الخميس أو الجمعة· انزل مبكراً إلى مقهى (كوستا) قريبا من المنزل· أكتب المقال الأسبوعي وألتقي بعض الأصدقاء· بطبيعة الحال، كي لا تبتلعني هذه الآلة الصامتة لهذا المسار الخالي من فرح اللحظة الحقيقية إلا ما ندر (فما تقدم ليس الا إجراءات احترازية لمنع أو تأجيل الانهيار الحتمي) الحقيبة دائماً جاهزة ومستعدة للرحيل·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©