السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصر: مقدمات التغيير العربي

12 فبراير 2011 00:02
د.شفيق الغبرا كاتب كويتي في العام الماضي ازدت معرفة بالفروقات المتزايدة بين أغنياء وفقراء مصر. جاء ذلك من خلال عدة رحلات ولقاءات مع أصدقاء في مصر، أذهب في المساء إلى أحد المطاعم الفاخرة فأرى عالماً ساحراً. أسير في النهار وسط الناس فأشعر بالبؤس يطوق أزقة المدينة وشوارعها. أثناء إقامتي في القاهرة في كانون الثاني الماضي تحدثت مع الكثير من الناس، أصدق الأحاديث كانت مع سائقي التاكسي. سمعت قصصاً كثيرة، وكادت كل قصة أن تكون متطابقة مع الأخرى. وفي مارس الماضي التقيت في العاصمة الأميركية عدداً من المثقفين من أعضاء "الحزب الوطني" الحاكم أثناء مؤتمر في الولايات المتحدة، حملت إليهم أسئلتي ومخاوفي عمّا رأيت في مصر، ولكني فوجئت بالردود. أحدهم قال: "أنت لا تعرف الشعب المصري فهو هادئ بهدوء النيل". أما الثاني فأكد "إذا أردت أن تفهم مصر فالسلطة الحقيقية للجيش وليست للشعب”. قلت لأصدقائي: "لكني أرى تغيراً في المزاج، الشعوب تتحرك في لحظة لا يعرف أحد موعدها. مصر في الطريق إلى شيء كبير إذا لم تبدأوا إصلاحاً حقيقياً، بل ربما فاتتكم اللحظة لهذا الإصلاح ". بعد الحديث أخذني أحد الشبان جانباً ممن سمعوا النقاش وتساؤلاتي. كان أصغر سناً من البقية ويمتهن الصحافة، ونحن في العاصمة الأميركية ولسنا في مصر. ثم قال لي: "مصر في الطريق إلى انفجار". حُكمت مصر منذ اغتيال الرئيس السادات عام 1981 بواسطة قانون الطوارئ وشهدت ضموراً كبيراً في دورها الإقليمي. ويلاحظ أن عدد رجال الأمن في مصر عند اغتيال الرئيس السادات لم يتجاوز مئتي ألف، بينما كان الجيش في أوج قوته مليوناً ونصف المليون. الآن عدد قوات الأمن مليون ونصف المليون. هذا دليل أنه في ظل السلام مع إسرائيل برز عدو جديد: المعارضة. ووصلت الأوضاع إلى الحافة في مصر عندما وقعت انتخابات مجلس الشعب والشورى التي شابها الكثير من التزوير مؤخراً. وعندما تقع الثورات الكبرى من شاكلة التونسية والآن المصرية، عبر هدير الملايين، يكون المجتمع كمن أصيب بالحمى ووصلت حرارته وتصبب العرق من جسده إلى حدها الأقصى. والثورات لا تقع إلا في المجتمعات القوية ذات الاعتداد بالذات والطامحة للمستقبل. إن التحولات الكبرى في التاريخ لا تهدأ إلا بعد أن تحقق تحولاً نوعياً كبيراً، فالتعيينات التي تمت في الأيام الأخيرة، بما فيها تعيين الرموز الأكثر نزاهة في النظام، كما حصل مع تعيين نائب الرئيس عمر سليمان، لا يغير من حدة الثورة وعمق التحولات التي تحدث في كل ساعة. إن إصرار المتظاهرين على مطالبهم للبدء بالتحولات السياسية يحمل معاني كثيرة حول طبيعة التغير الذي يقع في مصر، وبينما تبرز آراء وسطية بين القوى المعارضة، إلا أن الغلبة عادة في حركات كهذه هي للرأي القاطع. وهناك شعور منتشر بين النشطاء خاصة بعد الهجمات العنيفة عليهم بأن التوقف قبل تحقيق المطالب الرئيسية سوف يعرضهم للانتقام، لهذا بالتحديد باتت المواجهة في مصر معركة كسر عظم. المعارضة المصرية والقوى الجديدة التي سيفرزها الشارع المصري ستتحاور مع المؤسسة العسكرية الوطنية، لكن الشارع لن يقبل بأقل من العمل على إدارة مرحلة انتقالية يتشكل فيها دستور جديد ويُحل إبانها مجلس الشعب والشورى ويُرفع قانون الطوارئ، ولن يقبل المصريون بأقل من انتخابات رئاسية جديدة وحريات حقيقية وتداول شامل على السلطة. هذه لحظة الحقيقة في مصر. سيبقى الجيش أساسياً في حفظ وحدة مصر، وهذا سيدفعه نحو لعب دور مختلف في المرحلة المقبلة. سيكون دوره تمهيداً، ولو بعد حين، لخروج العسكريين من التدخل المباشر في السياسة، إلا إذا انتخب أحدهم في انتخابات حرة مفتوحة مرجعيتها الشعب وأصواته. ما يقع اليوم هو مجرد بداية لديموقراطية حقيقية، تتطور مع الوقت، في أكبر وأهم بلد عربي، ولهذا الأمر أبعاد ونتائج على مستقبل الدول العربية. وسيكون هناك أيضاً خاسرون في منطقة الشرق الأوسط ممّا يقع في مصر، إسرائيل تعيش توتراً واضحاً من جراء ما هو حاصل. ستكون مصر القادمة أكثر استقلالية، وأكثر التزاماً بالقضايا العربية ، أما الولايات المتحدة فربما تعي لأول مرة أن الشعوب العربية ستعبر عن نفسها في المرحلة المقبلة وستحمل للسلطة تيارات لا تعاديها بالمطلق، ولكن لا تتبعها في الوقت نفسه. ستكون روح الاستقلالية العربية أساسية في التيارات القادمة لقيادة العالم العربي. قد يكون التغيير في مصر مقدمة لتغير في النظرة الأميركية إلى العالم العربي في الوقت نفسه. رياح مصر ستهب على العالم العربي حاملة معها جيلاً عربياً جديداً يبحث عن المكانة والحياة الآمنة الحرة والمشاركة في بناء دول مدنية ديموقراطية. جيل "الفيسبوك" والإنترنت والعولمة والحريات والمشاركة يدق على أبواب جميع الدول العربية. الحدث التونسي والآن المصري سيمهد للإصلاح الصادق والشامل من قبل الأجنحة المتنورة والأقل تورطاً في الفساد في الأنظمة الحاكمة العربية، وفشل الطريق الإصلاحي وفشل المتنورين في تحقيق نتائج سيمهد لثورات جديدة ستضر أنظمة سياسية ترفض المشاركة. ينشر بترتيب مع "مشروع منبر الحرية"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©