الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

صورة مثقَّف

19 أكتوبر 2007 02:53
لا يحملُ قلماً، لا يحمل ورقة، لا يقرأ الجريدة صباحاً ولا ظهراً ولا حتى في المساء، بل ولا يرجئ قراءتها لليوم التالي أو للأسبوع القادم أو حتى للشهر القادم، فسأله زميله: لا أراك تقرأ الجرائد؟ قال: زوجتي تكره وجود الورق في المنزل، وخصوصاً ورق الجرائد!· لا يحضر أمسية شعرية ولا نثرية ولا نقدية ولا سينمائية ولا مسرحية ولا تشكيلية، فسألته زوجته مرَّة: لماذا لا تحضر النشاطات الثقافية في الديرة؟ قال لها: هؤلاء يتفلسفون ولا أعتقد أنهم سيضيفون شيئاً لثقافتي!· ذهب إلى معرض الكتاب فكانت إحدى عدسات التلفزة تجري حوراً متنقلاً لرواد المعرض، فاستوقفته المذيعة سائلة: ما الكتاب الذي اقتنيته في معرض العام الماضي وقرأته؟ قال: لم أشتر كتاباً؛ فلم أجد ما يسحق قراءته!· فكان سؤالها الثاني: حتماً وجدتَ ما يستحق قراءته في المعرض الحالي، فما الذي اقتنيته لتقرأه هذا العام؟ فقال: لم أجد ما يستحق القراءة!· شاءت الأقدار أن يتسلَّم صاحبنا المثقَّف مسؤولية في مؤسسة ثقافية، فبدأ رحلة يعتقد أنها ستغير حياته، بل وسيغير من خلالها الحياة الثقافية ليس في ديرته وبلاده فقط إنما في كل الدنيا· فراح يعيد النظر في المثقفين المتعاملين مع مؤسسته، شاهراً سيفه بوجوههم، طاعناً بإمكانياتهم، زارعاً في طريقهم أشواك اللؤم والتعثير والتلغيم والتعويق، مشوهاً أسماءهم ومنجزاتهم الإبداعية، طاعناً حتى في آدميتهم· قال له أحدهم: ''من غربل الناس نخلوه''· فأجاب: دع كلامكَ لكَ· لكنه لم يفهم معنى الكلام· فراح يسأل عن معناه، فقالوا له: من غربل الناس نخلوه هو مثل من الأمثال العربية، ويعني أن كل إنسان يغربل الناس من حوله سيعمد هؤلاء الناس إلى غربلته، ووضعه على محك التجربة وتقييم منجزاته وسلوكه وكلامه· لم يتعظ صاحبنا من معنى هذا المثل العربي الأصيل، بل تمادى في التقليل من شأن المثقفين وتصغير شخصياتهم، فلا يؤمن بكتابة دكتور لأنه يعتقد أن مكان أي دكتور هو الجامعة وليس الجريدة أو المجلة، ولا يؤمن بكل نص كتابة لا يفهم معناه لأنه لا يفقه سياقات النَّص، ولا فنون الكتابة، ولا مستويات الدلالة والتعبير عنها· ولأنه ابن الديرة والآخرين وافدين على ديرته سعياً وراء الرزق والتعارف الثقافي والحضاري، فلا مكانة لهم عنده إلا في هامش الأمكنة، وفي أصغر الفرص، وعند باب المكتب، وفي آخر الطابور· ظل صاحبنا لا يحمل قلماً سوى القلم الذي يشطب فيه الآخرين، ولا يقرأ جريدة سوى جريدة التعالي على الآخرين، ولا يقرأ مجلة سوى مجلة الأنانية، ولا كتاباً سوى كتاب التغنِّي بفراغ الذات وبوهم الأنا الكبيرة في زيفها· rasmad8@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©