الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ما تبقى من جيفـــارا

ما تبقى من جيفـــارا
19 أكتوبر 2007 02:53
ما الذي يتبقى من النموذج بعد ذهاب قصته، وبقاء كينونته المُتَخَيَّلة، وما هو النموذج أصلاً، أليس كتاباً ما، أو لحظة ما، مهما كانت عامة أو خاصة؟ ألا يعيش البشر على خلق النماذج ضمن تكوينهم الرمزي في الوجود، أو طبقاً لمناهجهم الأدائية الغريزية، كطبيعة مثلى لما نحن عليه، وبالتالي لا فرار، بل لا مناص من أن تعاش الحياة بكرامة كلما أمكن· ولماذا كلما أمكن؟ ··لأن الحياة ينطبق عليها دائماً عدم الإمكانية أكثر من الإمكانية، وهذا ما يُعْزَى أسلوبياً لطبيعة الزمن، وبالذات زمننا الحالي الذي لا يمكن استثنائه بما وصلت إليه مقدرات الكرة الأرضية من تعداد بشري، وتطور تكنولوجي· ولماذا بعض النماذج تدخل في باب تسميتها بالأساطير، وبعضها يظل نموذجاً فقط؟ ··إنها حِسبة الفرصة التاريخية من ناحية، وقبلها حِسبة الشخص نفسه، فمثلاً أميركا كلها تبقى أسطورة تكوين حديث في مقابل شخص ك''أرنستو تشي جيفارا'' البوليفي - 1928/ ،1967 والذين خططوا للإنهاء عليه هم نموذج عمل وطني خاص بدولتهم، وليسوا أساطير، إنهم إدارة سياسية كاملة بكل معداتها في مجابهة شخص واحد، رغم أن جيفارا ينتمي في الذِهن الجمعي للإعلام العالمي الساذج، لحقبة الصراع السوفييتي الأميركي· وهذا صحيح نسبياً من باب التوارث الفكري للضدية، رغم كونه ضد كهنوت الماركسية، كما الرأسمالية، لكن نظرة على مجمل الصراع وجيفارا، تذهب بنا بعيدا للشكل الإمبريالي الأوروبي الذي غزا أميركا اللاتينية، منذ الأسبان على يد ''هرنان كورتيز'' - 1485/ ،1547 متوجهاً إلى المكسيك، وقام بتحويل أمَّة مدمرة إلى أرض مسروقة إلى الأبد، ثم تتوارث الفكرة نفسها على أيدي ''الزمن الأوروبي'' طبقاً لمنظومة القوة والضعف فيه، من فئة إلى فئة، حتى يأتي الأميركان· إن محاولات ''سيمون بوليفار'' الفنزويلي - 1783/1835 ، لتوحيد أميركا اللاتينية، والتي تدين له جمهورياتها باستقلالها عن الحكم الأسباني، تأتي من ذلك التاريخ، ولقد أرَّخت روايات أميركا اللاتينية في المئة وخمسين عاماً الماضية للسجل السياسي الأميركي وقبله الأسباني، السجل الذي أفرغ قارة بأكملها من المعدل الأقل للحلم بالحياة، ضمن أنظمة إمبريالية أوروبية، ودكتاتوريات لاتينية أميركية· ومنها رواية الكولومبي ''ماركيز'' (الجنرال في متاهته) التي تتناول آخر ساعتين من حياة ''بوليفار'' كيائس من الوضع الذي وصلت إليه القارة من تفتت بعد توحيدها، ومن ثم مغادرته إياها· ما الذي يتبقى من النموذج إذاً، وهو ضارب في عمق المساجلات التاريخية؟، وكيف هي صورة ''جيفارا'' بجانب صورة ''مارلين مونرو''؟، إنها فكرة الإعلام الذي يصفي جسد الحلم إلى جسد الصورة، ووضعها أبدية في المركز المخي للبلاهة· في كتابه النقدي المهم ''طُرق للرؤية''، يلتقط الروائي والناقد والرسام الإنجليزي ''جون برجر'' - 1928/ ·····، مقارنة بليغة بـــــين لوحة للإيطالي ''أندريه مانتانا'' - 1341/ ،1506 بعنوان ''البكاء على المسيح''، وصورة من الصور التي تم أخذها لجيفارا بعد إغتياله، حيث إن الوضعيتين متشابهتان تماماً، تكويناً وتفصيلاً· رسم ''مانتانا'' المسيح ولأول مرة في تاريخ الرسم القديم من زاوية كأنها لكاميرا حديثة، بحيث ترى قدميه أمامك أسفل اللوحة، ويمتد المنظور لتستقر رأسه في الأعلى، وكذلك وللغرابة هناك في يدي جيفارا ما يقابل مسامير الصَلب، وهكذا، ويقارن ما بين اللوحة والصورة، متخطياً الفكر النقدي الفني، إلى نوع من التناول الدلالي لطبيعة الوجود الإنساني، والإجحاف الذي يصل إليه بتثبيت الزمن عند نقطة واحدة، وكأن الوجود لم يوجد، أو كأن الإنسان لم يأخذ درساً بعد من التاريخ العلمي للحياة، ···إنه العماء الإيديولوجي نفسه، التي تتزرع به البشرية من خلال جزئها المُتَحَكِّم، من أجل التقدم المزعوم لعنصر الوجود الأنقى، أو الأصلح، وهذا ما يتعرض له العالم من فترة إلى فترة، وبذرائع مختلفة دائماً، سواء عربياً كان العالم، أم غير عربي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©