الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صورة العربي في السينما الفرنسية..متسلِّل ومتسكِّع... وأخيراً مشبوه أمنياً

صورة العربي في السينما الفرنسية..متسلِّل ومتسكِّع... وأخيراً مشبوه أمنياً
19 أكتوبر 2007 02:45
تأسست صورة ''العربي'' المعاصر في المخيال الثقافي الأوروبي عامة، والفرنسي خاصة، على أنقاض تراكمات كثيرة مختلطة/ متجلطة في ثنايا وطوايا الذاكرة، وربما ترقى في بعدها الزمني لدى بعض الغلاة والمهووسين من اليمين الفرنسي المتطرف إلى أيام حرب ''بواتييه'' وشارل مارتل· ومثل غيرها من خطابات الثقافة ظلت السينما الفرنسية، أحياناً كثيرة، تجسد حالة سوء الفهم وعدم التقبُّل العامة تجاه كل ما هو عربي، وتعيد اجترار صور واكليشيهات نمطية رديئة وسالبة في المجمل عن هذا الفضاء الإنساني والثقافي العربي -والمغاربي خاصة- الملاصق تقريباً لفرنسا من الناحيتين الجغرافية والثقافية، حتى لو لم يكن كذلك من الناحيتين الدينية أو العاطفية، وهو الفضاء الذي لا تملك بأي شكل عذر التحجُّج بعدم فهمه شأن الأميركيين، وهي التي خبرته -حتى لا نقول خبزته- وتحفظ كل تفاصيله وخصوصياته عن ظهر غيب وقلب· ولئن كانت حرب التحرير الجزائرية بكل أهوالها، قد أزاحت صورة وإغراب ''الشرقي'' الهمجي، العجائبي في مظهره وعاداته ونمط حياته، والشهواني الذي يرسل يديه بين كفيه طوال اليوم مفكراً في عالم المحظيات و''الحريم''، والكسول إلى حد الإدمان وغير المفيد الذي يمضي سحابة اليوم وهو ينظف أظافره في صمت، لتحل محلها صورة ''العربي'' المتمرد على القانون والحكومة وموظفي إدارة ما وراء البحار، و''الفلاق''، و''المخرِّب''، في أفلام ما قبل استقلال الجزائر، فإن ظهور أفلام عربية مقابلة وبالغة القوة كـ''وقائع سنوات الجمر''، أسهم في خلخلة تلك الصورة النمطية المتحاملة، وإزاحتها من التداول في الثقافة الفرنسية العامة، واستطراداً من على شاشة السينما أيضاً، بعد أن سُمعت ''الرواية الأخرى'' وانتهت الحرب الجزائرية على أرض الواقع· ومع نهاية الستينيات بدأت في الظهور صورة العربي ''المهاجر''، مواكبة لواحدة من أكبر موجات مد الهجرة المغاربية إلى فرنسا وأوروبا· وفي بواكير أفلام تلك الفترة ''يظهر المهاجر العربي كانسان يعاني من العزلة الاجتماعية ويعمل لساعات طويلة في ظروف قاسية للحصول على راتب متواضع جداً يكاد لا يكفيه لتأمين معيشته''· ومن أفلام هذه المرحلة فيلم بعنوان (مكتوب) يروي قصة المهاجر الجزائري الفقير أحمد شرقي ومكابداته القاسية للحصول على مسكن في الضاحية الباريسية· ومن هذا الصنف من الأفلام المشتغلة على صورة العربي ''المهاجر'' و''ابن الضاحية'' أيضاً فيلم (الغربة) للمخرجة أني تريغو ''لأنه يقدم شهادة إنسانية عن أوضاع المهاجرين الجزائريين، ضحايا التهميش والبؤس الاجتماعي''· وفي منتصف السبعينات لعب الممثل الشهير جان بول بلموندو دور البطولة في فيلم (خوف على المدينة) الذي يشتغل هو الآخر على صورة العربي ''المهاجر''، حتى لا نقول ''المتشرد''، لأنه يقوم بدور ''شرطي يعثر خلال قيامه بتفتيش قبوٍ في مقهى على أربعين مهاجراً من المغرب العربي، وكان هؤلاء يعيشون في هذا القبو في أوضاع بائسة وغير إنسانية''· وهي نفس الثيمة التي حملها فيلم (دوبون السعيد) مع تركيز خاص على مسألة العنصرية، فـ''البطل هنا تاجر لا يتقبل على الإطلاق وجود مساكن مؤقتة للمهاجرين العرب بالقرب من الشاطئ الذي يقضي فيه عطلته الصيفية مع عائلته، وبسبب حقده على جيرانه المهاجرين يفقد البطل أعصابه ويرتكب جريمة قتل بشعة، لكنه يلصق التهمة بأحد المهاجرين العرب''· إنها إذن ''عنصرية المواطن العادي في حياته اليومية، وهي عنصرية تحط من قدر المهاجر، وتتعاطى معه انطلاقاً من الأفكار المسبقة وغير الموضوعية''· وكما يمكن أن نتوقع بيسر فقد عادت صورة العربي سيرتها الأولى مع مطلع الثمانينات، لأن التركيز الطويل على صورة العربي المهاجر/ المتشرد، ''الغازي'' لكن الصاخب لسكون ووداعة المدينة الفرنسية، والمتربص دوماً هناك على مداخل الضاحية، كان لابد أن يؤدي إلى ظهور صورة العربي ''الخطير''، المثير للمخاوف الأمنية، والمتسبب في البطالة، والمتسكع السوقي الجلف، و''المتسلل'' غير الشرعي، والآتي المريب متثاقلاً يجر خلف قدميه ذكريات قوارب الموت والهجرة السرية، بل والزائر الأبدي لمخافر الشرطة والسجون· وهكذا فـ''إذا كانت أفلام مرحلة السبعينات تركز على المهاجرين، ضحايا البؤس والعنصرية، فإن بعض أفلام مرحلة الثمانينات قدم المهاجرين العرب بوصفهم عناصر مهدمة للمجتمع الفرنسي، وهي مسؤولة عن العديد من مشاكله الاجتماعية، كما في فيلم بعنوان (فصل من حياة) من إخراج فرانسوا لو تيري''· و''في الثمانينات أيضاً ساهم سينمائيون من أصول عربية في تقديم صورة جديدة عن المهاجرين العرب في الأفلام الفرنسية ومنهم المخرج مهدي شارف صاحب فيلم (الشاي في حريم أرشي أحمد)، والمخرج رشيد بوشارب صاحب فيلم العصا الحمراء''· وخلال التسعينات، وبفعل بزوغ تجاذبات وهواجس ''الضاحية'' الفرنسية، وتعقد مشكلات الهجرة الشرعية، وغير الشرعية، وإسقاطاتها الثقافية والاجتماعية، إضافة إلى تجذر الحضور العربي في صناعة السينما في فرنسا، بدأت المقاربة السينمائية تقترب من قضايا أقل نمطية فيما يتعلق بالعرب، كمسألة الهوية، والتفاوت والاندماج· وعلى سبيل المثال يطالعنا ''صراع الهوية في فيلم (شرف عائلتي) الذي أخرجه رشيد بوشارب عام ،1997 وهو يدور حول شخصية البطلة (نورا) التي نشأت في كنف أسرة جزائرية في ضاحية باريس· وتلجأ (نورا) إلى الكذب في تعاطيها مع عائلتها حتى تعيش على طريقة الفتيات الفرنسيات''· وخلال هذه الفترة أصبح جمهور الشاشة الكبيرة الفرنسي أكثر تعوداً على وجه ''العربي'' الحقيقي، العربي الإنسان، غير المجازي وغير الكاريكاتوري، من خلال ممثلين بارزين من أصول عربية مثل اسماعين (إسماعيل)، و''رشدي زم'' الذي ظهر في أفلام ناجحة مثل (شركتي الصغيرة) من إخراج بيير جوليفيه، و(ليتل سنغال) لرشيد بوشارب، و(العيش في الجنة)، هذا إضافة إلى آخرين كثيرين ''باتوا يتمتعون اليوم بشهرة كبيرة، ومنهم الممثل سامي ناصري، بطل فيلم (تاكسي) الذي حقق نجاحاً شعبياً كبيراً، وسامي بوعجيلة الذي شارك في بطولة فيلم (صمت القصور) للمخرجة التونسية مفيدة التلاتلي، بالإضافة إلى أدواره المهمة في عدد من الأفلام الفرنسية''· غير أن المهمة التي تنتظر هذا الجيل من المبدعين لتحسين صورة العربي في عيون المشاهدين الفرنسيين، لا تقل جسامة عن تلك التي واجهت جيل الستينات، خاصة بعد انفجار أزمات ''الضاحية''، وبعد العمر الآخر الذي كتب لليمين المتطرف وكاد يوصله إلى قصر الأليزيه في رئاسيات ،2002 وخاصة أيضاً بعد أن اقتحمت الشاشات، ليس في فرنسا فقط بل في العالم أجمع، بعد هجمات سبتمبر ومدريد ولندن، صورة العربي ''الإرهابي'' المتطرف العضو المحتمل في ''الخلية النائمة''، ويا لصعوبة مهمة هذا الجيل المسكين!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©