الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تناقص أعداد المقاهي الشعبية في المغرب ينذر بتراجع دورها الاجتماعي

تناقص أعداد المقاهي الشعبية في المغرب ينذر بتراجع دورها الاجتماعي
17 فبراير 2014 22:00
سكينة اصنيب (الرباط) - تحتل المقاهي مكانة مميزة في حياة المغاربة، حيث تفضل عامة الناس الاجتماع فيها لقضاء وقت ممتع مع الأصدقاء والمعارف ومتابعة مباريات كرة القدم، لكن غالبية هذه المقاهي لاسيما المقاهي الشعبية تعاني بسبب منافسة المطاعم والمقاهي الأوروبية الحديثة، التي تقدم خدمات مختلفة لزبائنها، ومقابل انتشار عشرات المطاعم تناقصت أعداد المقاهي الثقافية والشعبية لتختفي تدريجياً مرحلة مميزة من تاريخ المغرب. عصر ذهبي يقصد العامة المقاهي لغايات مختلفة كشرب القهوة ولعب الورق والنرد، أو للتواصل مع الأصدقاء وتقوية العلاقات الاجتماعية، وتصفح الجرائد ومتابعة مباريات كرة القدم، وهي الأدوار التي اختلفت من مرحلة لأخرى. فقد عرفت ظاهرة ارتياد المقاهي موسم عز في الستينيات والسبعينيات، عندما كانت المكان المفضل لفئات عريضة متنافرة من المجتمع، فاختلط داخلها الكُتَّاب بماسحي الأحذية والسياسيين ببائعي اليانصيب والشعراء بالحكائين ومدمني الشيشة، وفي حين اتخذها البعض أماكن للتسلية والمتعة والترويح عن النفس، اجتمع داخلها السياسيون والمثقفون والصحفيون، فكانت ملتقى رعيل مميز من رجال الإعلام والفكر والفن والسياسة. في هذا السياق، يقول الباحث المهتم بالتراث إبراهيم الوهابي إن «مقاهي زمان كانت أكثر من مكان للاجتماع والتواصل الشفوي، ففيها يطلق الشعراء والفنانون العنان لثرثرتهم وآرائهم، كما أنها أماكن للعزلة حين ينزوي بعض الأدباء متفرغين للكتابة والتأليف، وهي أيضاً صالونات أدبية شعبية يتسكع فيها العاطلون والشحاذون والمهربون، فيما تسارع الأنامل لكتابة الدواوين الشعرية والعرائض الوطنية، وحين كان المسنون والمتقاعدون يفنون ما تبقى من أعمارهم داخل المقهى، ويتندرون على الجميع من دون استثناء استغله السياسيون لاستنهاض همم الشعب وتعبئة فئاته للأحداث المقبلة». ويشير إلى أن المقهى قديماً كان هو المحطة الأولى، التي يؤمها القادم إلى المدينة حيث اتخذ لفترات كمركز بريد بين الريف والمدينة، بسبب شهرته كنقطة استعلام، وهو مقر التقاء التجار ورؤساء العشائر لعقد الصفقات التجارية والمصالحات بين المتخاصمين وتتداول فيه الأخبار السياسية والاجتماعية. ويضيف الوهابي «من اللوازم الرئيسة للمقهى القديم «الحكواتي»، الذي يجذب الرواد بحكايات بعضها مستقى من التاريخ والتراث وآخر من نسج خيال خصب، ولاحقاً استبدل «الحكواتي» بالجرامافون الذي كان يصدح بأصوات العمالقة أمثال عبد الحليم وأم كلثوم، ومعه أصبحت المقاهي تفتح أبوابها حتى ساعات متأخرة من الليل يجتمع الناس فيها للعب النرد والكوتشينة والدامة، ويشربون الشاي والقهوة والشيشة ويستمعون إلى الأقاويل والإشاعات». ويوضح أنه مع تقدم الزمن وتطور أسلوب الحياة احتفظت بعض المقاهي التي كانت أشبه ما يكون بدور نشر شعبية أو جامعات غير رسمية بالطابع الشعبي التقليدي، الذي اتسمت به سواء في طريقة تأثيثها وشكل تخوتها ونوع خدماتها، كما احتفظت بزوارها الأبديين كباعة الصحف وماسحي الأحذية مما جعلها متميزة ومتفردة عن المقاهي العصرية والأرستقراطية، التي وحدت زيَّ نُدلها ورفعت أسعار خدماتها، بعد أن غزتها صحون «الكرواسان» الفرنسي «الكيك» الإنجليزي. مقاه أدبية اتخذت صفوة من المجتمع المقاهي العتيقة مكانا لاجتماعاتها، حيث تحتد فيها النقاشات، وتطول الجلسات، وتصاغ الخطابات والمقالات، فعرفت باسم «المقاهي الأدبية» أو «الثقافية». وبدأت المقاهي الأدبية تأخذ دورا مهما في رصد الحركة الثقافية بعد أن أصبحت تعج بالمثقفين والفنانين والساسة الذين يرتادونها يومياً للالتقاء مع فنجان شاي «منعنع»، والتحدث عن مواضيع مختلفة بدءاً من السياسة وصولاً إلى الفن، ويوماً بعد يوم أصبحت هذه المقاهي تستقطب وجوهاً جديدة. وتحتفظ ذاكرة المقاهي الأدبية بالكثير من الأمسيات القصصية والشعرية، كما شهدت نقاشات حامية ومعارك أدبية وحوارات في مختلف شؤون الفكر والثقافة، حيث كانت ترتادها أعداد غفيرة من الأدباء والمثقفين والسياسيين للاطلاع على كل جديد، كما كانت شاهدة على قصص غرام وحكايات طريفة وصداقات بين الأدباء. ورغم أن هناك شريحة مهمة من المثقفين أحجمت عن ارتياد المقاهي الأدبية بسبب نُدلها، من المخبرين، الذين ينقلون ما يسمعونه من نكت سياسية وأخبار خاصة إلى جهات مختلفة، إلا أن الأحداث أثبتت أن هناك ارتباطا وثيقا بين المقهى والمثقف نتجت عنه علاقة حميمية خاصة بينهما فكثير من الشعراء والكتّاب جعلوا المقهى مادة أدبية، حيث كانوا أوفياء لأماكن شهدت بواكر إبداعاتهم، كما شهدت حلقات من السجال والمناقشة الطريفة انشغل الناس بأجوائها وتحمسوا لمعاركها، وكان وفاؤهم من نوع خاص، حيث آثروا ذكرها في مؤلفاتهم والتغزل بها في دواوينهم الشعرية. ويعتبر مهتمون أن الاستفادة من العلاقة الحميمة التي تربط عدداً من مشاهير الأدب والفكر بفضاء المقهى، تأتي تعويضاً عن استنفاد البنيات الثقافية القائمة لأدوارها، وحاجة المثقف إلى أفق ثقافي جديد يعتمد على التوجه إلى المتلقي عوض انتظار قدومه. وتؤمن المقاهي الأدبية لروادها التعرف عن قرب على مشاهير الأدب والفن والمشاركة في النقاشات والأنشطة التي تحتضنها المقاهي. ومن أشهر المقاهي الأدبية بالمغرب مقهى «المثلث الأحمر» و«كونتينونتال» و«أنزورن» و«المنال» و«شرق وغرب» ومقهى «طلة» و«راندا». ظاهرة جديدة تعرف بعض المقاهي ظاهرة جديدة تتمثل في دخول باعة جائلين إلى بعض فضاءاتها، ومع انتشار تجارة البسطات والباعة الجائلين الذين يحتلون الأرصفة، أصبح المقهى مكاناً لعرض السلع المختلفة، وساعد احتلال بعض المقاهي للأرصفة والممرات الجانبية في رواج تجارة المقاهي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©