الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الأبواب القديمة تعكس الخصوصية والقيمة الجمالية للبيوت

الأبواب القديمة تعكس الخصوصية والقيمة الجمالية للبيوت
11 فبراير 2011 22:50
(الشارقة) ـ أي ذكرى فارهة يمنحنا إياها الباب القديم، هذا المعبر الذي تشكلت تحت أقواسه أرواحنا، وتوسعت مدارك الطفولة قرب ظلاله، حتى بات لصيقا بأنفاسنا البعيدة، وبرؤيتنا المجرّحة مثل وعد لم يكتمل، باب من خشب يتنفس هواء الغابات والأدغال المجهولة، كي يختم عنوانه الطاهر، وبصمته البتولة على بيوتنا المهاجرة في الزمن، يترنّح هذا الزمن ويهلك ويتهاوى، ويظل الباب مثل دالية معلقة في الغيب، أو مثل جرس هائل يبعثر حيرة الصمت والنسيان. يكتب الباب سيرة خطواتنا الصغيرة الضالعة في اكتشاف العوالم الغامضة خارج البيت، وها هو أيضا يكتب ألفتنا على دفتر الرمل ويغرس في باحة المنزل فسائل المحبة وأعواد الشغب الأليف. الباب القديم، وهج يستفيق مثل شفرة حادة ولامعة تقطع النور عن الظلمة، نور العودة.. وظلمة السفر، وفي اللاوعي المصمت للجماد يؤرخ الباب لحركة الأجساد والأرواح التي وفدت إلى فردوس المنزل ثم غادرته، ويوثق رعشة الأدعية التي تطلقها الأمهات في إثر أبنائهن المنساقين لغواية الحياة، غياب وإياب، حلّ وترحال، إقامة وشتات ... يتصيد الباب حيلة هذه التناقضات المرهقة، كي يخلّد على سجلّه خشبي سيرة أحلامنا وخيباتنا، وكي يدوّن شواردنا بخطوط صارمة لا يخطئها الشعر، ولا يفلت من إغرائها الشاعر. يقول ساحر القصيدة الشعبية الإماراتية راشد الخضر هود يهل الباب لمبوّب يوم تم ّ الوعد ييناكم يرّوا إرشاكم من إمهذّب وأسقو العطشان من ماكم في هواكم قلبه إمعذّب من ثلاث سنين يقفاكم الصبح ما طاع يتقرّب والليالي سرمد إبلاكم يطلب الشاعر هنا الاستئذان بالدخول من خلال إطلاقه لكلمة “ هود” وهو مصطلح شعبي يكسر الحاجز السميك بين الغريب وبين أهل الدار، مصطلح أو تعبير يتحول إلى مفتاح معنوي يفتح كل المغاليق الوهمية بين الطارق وبين المنتظر، وهو أقرب إلى شرارة تذيب الخوف بين (المرأة / الحبيبة) المنعزلة في الداخل، وبين الرجل/ العاشق العطشان، المتروك في هجير الشوق، والذي لن يرتوي سوى بالرؤية أو بأقل من ذلك، وهو الرد أو رجع الصوت، ولكن راشد الخضر سوف يظل أسيرا هنا لعطش مهيمن وفتّاك، لأن باب الحبيبة، وبصيغة درامية ووصف مأساوي هو باب: “مبوّب”، أي محكم الإغلاق، وسواء كان الوصف افتراضيا أو حقيقيا، فإن تبخر الوعد باللقيا سيكون هو المصير الأسود الذي يطارد الشاعر أينما ذهب، وثلاث سنوات من الانتظار ستتحول إلى دهر من الظلمات، فلا صبح سوف يشرق بعد الآن، ولا أمل في زوال هذا الليل السرمدي، غلّقت الأبواب إذن، وانغلق قلب العاشق المخنوق بحبل البئر “الرشا”، والتائه في صحراء الوجد واللوثة والهذيان المديد. الباب القديم إذن وفي مخيلتنا الشعبية سوف يظل مثل بوصلة تشير على الدوام إلى جغرافيا الغياب التي لن تخلو بدورها من دلائل وعلامات تطرق أبواب إدراكنا الخفي في منازلنا الأولى وفي “فرجاننا” المتربة، التي ما زال غبارها الذهبي يكحّل أحداقنا، ويزيح متاهة أوغلت فينا. وسبب هذا الاستذكار أو الحنين الشعبي للباب القديم يعود إلى الاحتفالية التي أقامتها إدارة التراث بدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة على قناة القصباء بالشارقة خلال الفترة من السابع والعشرين وحتى الثلاثين من الشهر الماضي، حيث قدمت عرضا حيا ومجسدا للأبواب التراثية، وللطقوس والعادات المحلية والأنماط الحرفية والتزيينية الخاصة بهذه الأبواب. وفي لقاء مع “الاتحاد”، أشار عبدالعزيز المسلم مدير إدارة التراث بثقافية الشارقة إلى الأبواب القديمة كانت تلخص القيمة الجمالية للبيوت وكانت عنوانا للخصوصية التي أسست وبشكل فطري لمنظومة من القيم والعادات والمصطلحات التي تربط أهل البيت بكل من هو خارج هذا البيت من ضيوف وزوار وغرباء، كما أن الاحتفالات والمناسبات والأعياد ــ وكما أوضح المسلم ــ كانت تكشف بشكل أو بآخر عن طبائع وشخصيات الأهالي، فالشخص الكريم يفتح أبوابه للأطفال وللضيوف في هذه المناسبات العامة، بينما يوصد البخيل بابه وينعزل ويتحاشى الاحتكاك أو الانفتاح على الآخرين. وعن بعض التعابير المستخدمة في اللغة الحوارية بين الزائر وبين صاحب الدار، أشار المسلم إلى أن الكلمة المتداولة هي (هود) التي يطلقها الأقرباء المحارم في صيغة تحمل معنى الاستئذان والتنبيه أيضا كي تنسحب النساء إلى غرفهن، ويأتي الرد بـ “أصبر إشوي” إذا كانت هناك امرأة في الباحة، ومن بعده يقول صاحب الدار ومن خلال جرس لفظي مشابه هو (هدا) ــ بكسر الهاء ــ، وفي ذلك إشارة إلى أن الطريق سالك للدخول ومقابلة صاحب الدار دون حرج أو انكشاف على النسوة. أما الضيف أو الزائر الغريب فيقال لهما: “إقرب” بعد أن تتبين نوايا الزيارة وبعد أن تتوارى النسوة عن المدخل. ونوه المسلم إلى أن الأبواب القديمة كان يطلق عليها لفظ : “الدروازه” وكان بعضها يأتي جاهزا من بلدان قريبة مثل الهند وإيران وزنجبار، وبعضا كان يصنع محليا من خلال نجارين وحرفيين متخصصين، وحتى من خلال صانعي السفن الذين يملكون الأدوات نفسها المستخدمة في صناعة الأبواب، أما أنواع الخشب المستخدمة، فتأتي ــ كما قال المسلم ــ من مصادر وخامات متعددة مثل الساج والتيك، أما الحرفيون المحليون فكانوا يستخدمون الخامات المتوفرة في الطبيعة حولهم مثل خشب السدر وكرب النخيل. وحول الحيلة الهندسية التي كان يتبعها “البناي” المحلي كي يعزل مدخل المنزل من الانكشاف على الباحة وعلى الغرف، أشار المسلم أن هذه الحيلة الهندسية كانت تتمثل فيما يسمى بـ “الردة”، وهي التي ترد نظر الزائر المتجه نحو “المجلس” عن خصوصية وتفاصيل المنزل الداخلية، كما أن معظم الأبواب كانت تتضمن في هيكلها العام ما كان يسمى بـ: “الفرخة” التي تجبر الزائر على أن يطأطئ رأسه أثناء الدخول، وهي حيلة هندسية أخرى تعزل النظر وتحيده أثناء دخول الضيف إلى المنزل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©