الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السينما الشعرية قصيدة ترويها الكاميرا

30 مارس 2008 03:50
إنه لأمرٌ غاية في الصعوبة أن نجعل من كل الأشياء التي نراها شعراً خالصاً!؛ من السكوت والمشاهد والخلفيات والسيناريو والموسيقى التصويرية والديكور والأزياء، ولكن من المذهل أن ننجح في هذا!، أو بعبارةٍ أخرى أن يفوز مخزوننا البصري بمكانة المتلقي لقصيدة شاعر بل وأن تكون هي الشاعر في الكثير من المواقف· ولأنني في صندوق الحاوي البصري/ السمعي، أخرج ما تطاله يدي من مخزوني المعرفي ومن تلك الذاكرة التي يربكها كل شيء، فتحضر وتغيب كما تشاء لا أشاء، لم أستطع اعتماد نموذج واحد متكاملاً للفيلم الشعري التام!· فالسينما الشعرية برأي غالبية المهتمين تعاني أزمة نقدية وأزمة تتصل بالمتلقي لها، فهي من أشد أنواع السينمات خصوصية ونخبوية من جانب كما أن تخصصّها من أدق أنواع التخصصات السينمائية وأندرها· ما هي السينما الشعرية إذن؟· في زعمي أن السينما الشعرية حتى الآن هي مصطلح ملتبس خالٍ من الجزم والتحديد ويفتقر إلى النماذج المضيئة· إذ تعتمد السينما الشعرية على عناصرٍ تعتمد في غالب أمرها على شاعرية المشاهد وتحفيز المستوى الشعري لديه ورفع سويته، بل وخلقه مرات!، أو الاعتماد الصوري على وجوده وافتراضه، (وهو أحد أسباب أزمتها)، ولكن كيف يستطيع الضوء والممثل والنص و''اللوكيشن'' خلق ذلك؟ يا للسينما وما بها من فتنة!· فإن كانت الأفلام السينمائية تعرّف بأطوالها ونوعيتها تسجيلية كانت أم روائية· فإن السينما الشعرية تعرّف بغير هذا، حيث أنها قد تكون تعتمد تفريق المشاهد بدلاً من تجميعها· وتقترف اللا ترابط بدلاً من المنطق والتراتبية· وهذا ما أخرج السينما الإيطالية من واقعيتها الشهيرة على يد فيلليني وبازوليني، وعلى يد مخرجي روسيا العظام أمثال تاركوفسكي، وبارادجانوف· إن السينما الشعرية هي قصيدة والقصيدة رحلة صيد ليلية على حد تعبير لوركا، إذن السينما الشعرية هي تجريب يصل في الكثير من المرات إلى حد التخريب، والتهور البصري واللفظي، أي الشكلاني والجوهري، ولكن هل من علمٍ تكرس دون تجريب وتخريب!!؟، وأي نهجٍ استوى دون معارك مع الخطأ، أو ما قد نظنه خطأً في بداية الأمر!، وهذا ما حصل مع برجمان الذي حطم سطوة السيناريو المتواتر والمعروف ليصل على تجربة حكائية مختلفة، كانت تبدو أنها استمرار لتجارب مسرحية بحتة· وكيف يمكن لنا أن نمرّ على السينما الشعرية دون ذكر المخرجين المجربين الجريئين ممن أخرجوا السينما من نمطيتها التي اعتاد عليها كسل التلقي، مثل بيليشيّان وكوباخيدزة وسيرج أفيديكيان حيث مارسوا أنماطاً أخرى من أبجديات السينما تشبه إلى حدٍ كبير تجربة بريخت في المسرح من حيث التفريق بين المتراتبات، وخلق خيط حريري مغناطيسي بين المشاهد التي تبدو كثيراً مثل الأحلام التي نراها، نحبها دون أن نفهم كنهها وننزعج منها دون تذكر معالمها· إن المشاهد / المتلقي، غير شاعرٍ بالضرورة بل إنه غالباً ما يكون مشاهد خارج عن شعوره نحو الترفيه المترقب من الشاشة الفضية التي قد تخيب أمله إن عرضت فيلماً شعرياً، حيث تتطلب تلك السينما منه نمطاً عالياً من التركيز والالتقاط لفهم حالة الشعرية السينمائية كوحدة متكاملة، ولكن هل المشاهد هو المسؤول فقط عن فشل هذا النوع من الأفلام في الوصول إلى روحه؟· باعتقادي أن هنالك أزمة إخراجية أيضاً؛ فمعظم المخرجين لا يستطيعون شد المتفرج من يده (التي يفترضونها على مقاسهم الفكري) إلى أدغال الفيلم، مما يضطرهم إلى افتعال الحالة الشعرية ''وما أقتل للشعر مثل افتعاله''، وبالتالي يموت معهم المشاهد· وتخبو حيويته النظرية· ويتعب من التجريد تارة والواقعية تارةً أخرى· إن غياب الأطر التي تحدد السينما الشعرية بشكلٍ جازم وحاسم أفضى باجتهادات المخرجين إلى نماذج رديئة من السينما الشعرية!· وأدى غياب هويته الصارمة إلى خلط الحابل بالنابل وافتراض السينما السوريالية مرات سينما شعرية والعكس· ولأن السينما هي خلاصة الفنون والجامعة بين ما سبقها من علوم جمالية، فقد كان لولوج التشكيلين إليها فضلاً كبيراً في توجيهها نحو سينما أخرى جديدة تتصل بنصوص ومشاهد مغايرة للواقعية التي كانت سائدة· وكان نجاح السينما السوريالية مثل فيلم (كلبٌ أندلسيّ) المشترك بين بونويل وسلفادور دالي سبباً في جذب انتباه أصحاب الفكر السوريالي والشعري فيما بعد، (وهو ما قد يكون سبباً للخلط بين السينما السوريالية والشعرية)، مثل ماري لور وشارل دو نوا، ولعل كلام بونويل عن فيلمه (العصر الذهبي) يفسر الفجوة بين المتلقي والسينما النخبوية؛ فقد مُنع الفيلم وأغضب المتفرجين الذين هاجموا الصالة، ومزقوا ''الأفيشات'' المعروضة على جدران مدخلها، وعاودت الصالة عرض الفيلم، قبل أن يمُنع الفيلم نهائياً من العرض، وتمّت مصادرة نسخه، فقد كتب بونويل للكونت (دو نوايّ): ''ها هي نتيجة فيلم، كنتُ أعتقده حانياً على الرغم من عنفه، والذي يترك الجمهور حالماً، بدل أن يجعلهم يغوصون في كابوس''· تماماً مثل الشعر، فكما يربأ الشاعر بقصيدته عن الشرح والتفصيل الممل الذي لا يناسب إلا السرد، يترفّع المخرج عن شرح فيلمه وإقحام تفاصيل يومية تافهة عليه!· نحتاج إلى عدة وقفات مع السينما الشعرية ـ لا شك ـ فيما بعد· هنا توطئةٌ لمتون أخرى لاحقة كثيرة عن هذا النوع المشكل من أنواع السينما· هـــاني نديــــم haninadeem@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©