الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التلّي معزوفــــة الصبر

التلّي معزوفــــة الصبر
30 مارس 2008 03:44
كل ما في المشهد ينبض بالماضي؛ العناق الحميم بين أنامل الأمهات، شغفهن بمداعبة الخيوط القطنية الممزوجة بالمعدن، الإيقاع المتواتر في عمل الأصابع، الاستغراق التام في عمل يسير وفق أسس وقواعد لا يمكن خرقها حتى تكتمل الصورة وتنتج القطعة المرغوبة· تلك هي طقوس ''التلي'' التي برعت فيها المرأة الإماراتية قديماً، ولا تزال تحافظ عليها حالياً في ما تحافظ عليه من موروث تراثي وثقافي· هناك، في أجواء بيت التراث الذي يعبق بالأصالة، ويحتضن الروايات والأحداث، وتدوي في أرجائه الضحكات والهمسات، فتحنا بوابة الماضي على مصراعيها وولجنا إليها لتقع أعيننا على لوحة تراثية نابضة بالإبداع تجسدها الوالدة عائشة خلف (أم محمد) التي جلست تترجم ولعها بالمورث الشعبي المتمثل بالحرف القديمة، وتسرد جانبا مهما من هذا التراث الذي ارتبط بالمرأة الإماراتية منذ القدم، حتى ظلت هذه المهنة محصورة بالإمارات وسلطنة عمان على وجه التحديد· ''التلي'' عبارة عن شريط مطرز، منسوج بخيوط قطنية على جانبي الشريط، وتتوسطها غرزة متتابعة من خيوط الفضة (كانت تصنع الخيوط من الخوص الفضية والذهبية والملونة)، وتستخدم في تزيين أكمام وياقة الكندورة النسائية· تقول أم محمد: ''لا يمكن ان أنسى طبيعة الحياة الاجتماعية السائدة في بيئتنا قديما حيث كان لها من الاثر الكبير في تنميتنا ثقافيا ودينيا ومهنيا وارتباطنا اجتماعيا، فلم نكن نتأخر عن مشاركة الآخرين في كل المناسبات التي تقام في أي منزل من منازل ''الفريج''· كنا نعيش كأسرة واحدة مترابطة نهبُّ لتقديم شتى أنواع المساعدة لمن يحتاجها وكل منا يكمل الآخر· أما جلسات نساء ''الفريج'' فكانت ملتقى مهنيا ثريا تنجز خلاله الأعمال اليدوية وهن يتجاذبن أطراف الحديث، ويناقشن مجمل القضايا التي تشغلهن''· وتضيف أم محمد: ''هذه البيئة الخصبة بمهارات وفنون حرفية تقليدية، جعلتنا كفتيات نتعامل مع هذه الحرف بجدية تامة من خلال المثابرة على تتبع مراحل تعلم الحرفة خطوة بخطوة· وكنت كثيرا ما أقلد والدتي وهي تمارس حرفة ''التلي'' وآخذ ''البيب'' وهو عبارة عن علبة من الصفيح وأضعها كقاعدة للوسادة وشيئاً فشيئاً أصبحت أتقن هذه الحرفة وأزيّن ثوبي بما أنجزه من عمل بخيوط ''التلي''· وتمضي أم محمد في عملها الذي لا يمنعها من الحديث: ''ارتبطت صناعته بنساء الإمارات اللاتي أبدعن في حياكته، و''التلي'' عبارة عن جدائل من خيوط القطن البيضاء مع جديلة من الفضة، تتشابك معاً بطريقة فنية متناغمة لتقدم في نهاية الأمر سلسلة من شرائط مطرزة يتم وضعها على الأكمام وياقات الكندورة· كانت طريقة تزيين ثوب الفتيات تختلف عن ثوب المتزوجة، فثوب المرأة المتزوجة يركب عليه التلي بطريقة جانبية في حين ثوب الفتاة توضع شرائط التلي في وسط الياقة''· أما عن الأدوات التي تستخدمها أم محمد فتقول: ''إنها أدوات بسيطة جداً (يمكن الاستفادة من بعض الادوات الموجودة في المنزل) وهي: ''الكجوجة'' وهي القاعدة المعدنية التي تحمل الوسادة، وعادة ما تأخذ شكل قمعين معدنيين متقابلين، وتستند عليهما الوسادة الاسطوانية الشكل المحشوة بالقطن، وعليها تثبت الخيوط القطنية البيضاء وخيوط من الفضة التي كانت تشترى قديما ''بالتولة'' - وحدة قياس - أما اليوم فقد اختلف الأمر مع انتشار أنواع وألوان مختلفة من الخيوط حيث أدخلت خيوط ملونة بدل الخيوط البيضاء مثل خيوط ''البريسم'' البراقة وهي خيوط حريرية، وخيوط الزري الفضية والذهبية· ويسمى التطريز البسيط الذي يوضع على ياقة الكندورة والأكمام بـ ''الفاتلة''، أما ''البادلة'' فهو نسيج التلي، وسميت بذلك لإمكانية استبدالها إذا اهترأ (الخلج) وهو السروال بحيث تركب البادلة على قطعة أخرى جديدة''· لم تنسَ أم محمد في نهاية حديثها أن تؤكد لنا حاجة هذه الحرفة إلى الصبر والدقة فضلاً عن الرغبة في التعلم، لهذا كثيرات يتركنها في الأيام الأولى· وعني، أشجع بناتي باستمرار على ضرورة حفظ هذا المورث وحمايته من الانقراض من خلال إكسابهن فنون هذه الحرفة·
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©