الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الضربات الاستباقية... استراتيجية ليست لكل الأوقات

الضربات الاستباقية... استراتيجية ليست لكل الأوقات
16 أكتوبر 2007 23:27
لقد أعاد الرئيس الأميركي بوش كتابة تاريخ الاستراتيجية الأمنية للولايات المتحدة الأميركية، بعد مضي عام كامل على هجمات 11 سبتمبر، وذلك بإعلانه عن تطبيق نهج الضربات الاستباقية العسكرية ضد أي دولة ربما تسول لها نفسها الاعتداء على بلاده يوماً، لا سيما تلك التي تحاول تطوير السلاح النووي· غير أن ذلك كان في خريف عام ،2002 حين كان العالم يبدو مختلفاً جداً عما هو عليه في خريف العام الحالي ·2007 والآن تبرز الحالة السورية، حيث يشكك محللون عسكريون واستخباراتيون أميركيون وإسرائيليون في أن تكون لها طموحات لها صلة ببناء مفاعل نووي، باعتبارها نموذجاً عملياً لما يمكن أن يحدث بين جموح نوازع الرئيس بوش التي اتسمت بها ولايته الأولى، واصطدام تلك النوازع بحقائق الواقع الموضوعي إبان ولايته الثانية· فبعد مضي خمس سنوات على الإعلان عن استراتيجية الضربات الاستباقية تلك، بدا التعامل مع الدول الطامحة نووياً، على رغم التزامها وبقائها في الحدود التي نصت عليها معاهدة حظر الانتشار النووي، أكثر تعقيداً مما كان عليه من قبل؛ والسبب أن الإسرائيليين الذين سبق لهم الإيعاز بمبدأ الضربات الاستباقية الذي تبناه الرئيس بوش في عام ،2002 هم أنفسهم الذين بدأوا بإثارة الشكوك هذه المرة حول ما وصفوه بمساعي دمشق لبناء مفاعل نووي لها، ومصدر الصعوبة والتعقيد هذه المرة، أن هذه الشكوك لم تعد تطيقها واشنطن خلافاً لما كان عليه الحال من قبل· ذلك أن عدداً من كبار مسؤولي إدارة بوش، سعى إلى تريث تل أبيب وغل يدها قبل إقدامها على قصف الموقع السوري المشتبه به في السادس من شهر سبتمبر المنصرم؛ وفي انقلاب كلي لطبيعة النوايا والأدوار، أثار هؤلاء المسؤولون عدة تساؤلات حول مدى جدية الخطر النووي الذي تمثله المطامح السورية، وما إذا كانت ترقى إلى مستوى شن هجمات عسكرية ضدها· بيد أن هذه هي ذات الأسئلة التي كان من الواجب إثارتها قبيل شن الغزو العسكري على العراق· من المؤكد أنه سوف تمر بضعة أشهر، إن لم تكن بضع سنوات، قبل أن ينجلي غموض الضربة الجوية التي وجهتها تل أبيب للموقع السوري هذا، إلا أن صمت بقية الدول العربية المجاورة على العدوان الإسرائيلي المذكور، يشير إلى قلق هذه الدول نفسها إزاء ما كان يجري في ذلك الجزء من الصحراء السورية الذي تعرض للقصف، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار السرعة التي اعتدنا أن نراها في ردود الفعل العربية على أي اعتداء تتعرض له أي منها من قبل إسرائيل· ثم يبقى سؤال آخر حول ما إذا كان لذلك الطموح النووي السوري أي علاقة بكوريا الشمالية، مع ملاحظة التشابه الكبير بين مشروع المفاعل النووي السوري، ونظيره الكوري الشمالي الذي صممته حكومة ''بيونج يانج'' خصيصاً لمعالجة مادة البلوتونيوم، شريطة أن يكون صغير الحجم، وعلى درجة عالية من الكفاءة والقدرة على صنع الترسانة النووية التي تحلم بها حكومة الزعيم ''كيم جونج إيل''· ومهما يكن فإن من الواضح الآن، أن مخاطر تنفيذ الضربات الاستباقية الآن، قد أصبحت أكبر بكثير بالنسبة لإدارة بوش، قياساً إلى ما كانت عليه في صيف عام ،2003 الذي برر فيه بوش غزوه للعراق واستخدام القوة العسكرية ضده، اعتماداً على ما نسب إلى النظام العراقي السابق من امتلاكه لأسلحة دمار شامل، ثبت لاحقاً عدم وجودها هنـــاك· ولعل هذا ما يفسر صمت بوش التام عن التصريح ولو بكلمة واحدة فيما يخص الحالة السورية الأخيرة؛ وينطبق حذر بوش نفسه إزاء تطبيق نهج الضربات الاستباقية على طهران أيضاً، على رغم تحدي هذه الأخيرة العلني للأمم المتحدة والمجتمع الدولي قاطبة طوال ما يزيد على العام، وعلى رغم استمرارها في تطوير وبناء قدراتها النووية التي لا يســاور إدارة بوش نفسها أدنى شك في أن لتلك القدرات علاقة بطموح إيران لتطوير الوقود النووي المستخدم لتطوير القنابل والترسانة النووية· فهاهي إدارة بوش تتمنع عن اتخاذ أي خطوة عسكرية إزاء طهران، وتعلن بدلاً عنها وجود متسع من الوقت للاستمرار في بذل الجهود الدبلوماسية معها· يفسر ''مايكل جرين'' -المدير السابق لقسم الشؤون الآسيوية بمجلس الأمن القومي والأستاذ حالياً بجامعة جورجتاون- هذا الوضع بقوله: يدرك بوش جيداً أن كل المدة المتبقية أمامه من فترة رئاسته هي 15 شهراً، وأنها لن تكون كافية لإنجاز ما يكفي لمعادلة كفـــة الإخفاـــقات التي تواجههـــا إدارتــه الآن في العراق، ومن رأيه أيضا أنه في وسع الضربة الاستباقية التي وجهتها تل أبيب مؤخراً لسوريا، أن تعترض طريق المشروعين الرئيسيين اللذين يحرص بوش على إنجازهما قبيل مغادرته للبيت الأبيض، وهما: بسط الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وإقناع كوريا الشمالية بتفكيـــك ترسانتهــــا النوويــة· وعلى نقيض ذلك -والتحليل لا يزال للبروفيسور مايكل جرين- فإن إسرائيل تخطط لمشروعاتها وخططها الدفاعية على المدى البعيد، أي لما يتراوح بين خمس إلى عشر سنوات· ولهذا فقد رأت تل أبيب في تلك الضربة ما يطفئ نيران الخطر السوري مؤقتاً، في ذات الوقت الذي تبعث فيه برسالة تحذير عسكري لا تخطئها عين السلطة الحاكمة في الجارة طهران· محرر الشؤون الخارجية بصحيفة نيويورك تايمز ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©