السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

طبقة سُكّر على كعكة ليسينغ

طبقة سُكّر على كعكة ليسينغ
15 أكتوبر 2007 23:01
في رواية ''أعذب الأحلام''، تطفو بطلة دوريس ليسينغ بخفّةٍ مثل سحابة صيف، وتكون مبتهجة وسعيدة كطفل تعلّم المشي لتوه، وذلك إثر تلقيها برقية من زوجها السابق تحمل إليها أنباءً سارّة· ولعلّ بهجة دوريس ليسينغ لم تكن لتقلّ عن بهجة بطلة روايتها لو أن جائزة (نوبل) تذكرتها قبل عقدين أو ثلاثة من الزمن، غير أن الأكاديمية السويدية، التي أبقت الكاتبة في قائمة مرشحيها لسنوات طويلة، لم تطرق بابها إلاّ بعد أن تحولت الغيمة إلى مطرٍ غزير وتجاوزت المرأة مرحلة السعادة المجازية بتعلم المشي بل والهرولة وحتى الركض وقطعت أشواطاً طويلة وعاشت حروباً وتجارب كثيرة، حتى ثقلت خطواتها وما عادت بهجتها قادرة على أن تطفو بها كغيمة سماوية· إنها فرحة مختلفة، فجائزة نوبل، التي تعترف العجوز الثمانينية بأنها جائزة لها مكانتها الأدبية، جاءت بعد أن حصلت ليسينغ على أغلب الجوائز الأوروبية المهمّة، لذلك فهي بالنسبة لها - كما صرحت للصحافة البريطانية - '' بمثابة طبقة السُّكر التي تزيّن الكعكة''· إن هذه العجوز المولودة عام 1919 في ''إيران'' لأبوين بريطانيين، والتي اعتُبرت ''أيقونة الحركة النسوية'' دون أن تقرّ هي بذلك، والرفيقة السابقة في الحزب الشيوعي، والمناضلة التي كتبت ضد العنصرية والرأسمالية، والتي تمتعض من الأسئلة عن حياتها الخاصة وتفضل، عوضاً عن ذلك الجلوس في منزلها لكتابة عمل جديد، قد تلقّت خبر فوزها بطريقة تشبه مشهداً سينمائياً إثر عودتها من المستشفى مع ابنها المريض ''بيتر''، تبعها مشوار قصير للتبضّع، وقد نزلت من التاكسي - كما صرّحت للغارديان البريطانية - لتقابلها ثلّة من المنتظرين وغيمة من كاميرات التصوير، مما جعلها تظنّ أن عملاً تلفزيونياً يتم تصويره في شارعها، قبل أن يخبرها الصحفيون بأنها الفائزة بجائزة (نوبل) لهذا العام· وإذا كانت نوبل هي سُكّر الزينة فوق الكعكة فإن الكعكة نفسها صنعتها أعمال ليسينغ وجماهيريتها بين القرّاء والنقاد على حدّ سواء، على مدى نصف قرن من الزمن بل ربما قبل ذلك، منذ تركت تلك المراهقة مقاعد الدراسة النظامية وواصلت تثقيف نفسها بالقراءة المكثفة لكتب كثيرة كانت والدتها تطلبها لها من موطنها الإنجليزي لتصل إلى تلك البقعة من أفريقيا التي كانت تسمى روديسيا ''زيمبابوي حالياً'' حيث أمضت طفولتها وشطراً قصيراً من صباها، قبل أن تبلوها الحياة بزواجين فاشلين، عادت على إثرهما من زيمبابوي إلى لندن، موطن والديها، وفي يدها طفل صغير، وحقيبة مليئة بالملابس والكتب، ومخطوط روايتها الأولى ''العشب يُغنّي''، التي تطرّقت فيها للعلاقة بين السود والبيض، والتي كانت فاتحة لأعمال كثيرة تستبطن الفروقات العنصرية والجنسية والإجتماعية وتدخل المناطق المحظورة بجرأة الفاتحين إضافة إلى سيرتها المهمّة التي صدرت في جزأين بعنوان ''تحت جلدي'' و'' المشي في الظلّ''، ومازالت هذه العجوز البريطـــــانية تــــواصل رحلتها الروائية، وقد صدرت لها مؤخراً رواية بعنوان ''الصدع''، أثارت ردود فعلٍ مــــــتباينة بين النـــــــــقّاد· مقاطع عن الغارديان في ما يلي مقاطع من مقالة كانت قد نشرتها صحيفة (الغارديان) في ملحقها الثقافي مطلع العام الجاري، تتحدث فيها ليسينغ عن التاريخ المضطرب لروايتها الأشهر ''المفكرة الذهبية'': '' لقد صدرت ''المفكرة الذهبية'' في طبعتها الأولى عام ،1962 بعد مخاض صعب، وتعرّضت خلال الخمسين عاماً الماضية إلى حياة تراوحت بين المدّ والجزر· يحدث أن يقول لي أحد الباحثين ''لقد أدهشتني التغطيات السيئة التي كتبت عن الرواية في بداية صدورها''· ولقد أذهلتني، بالفعل، تلك اللغة الفظّة التي استخدمها البعض للنيل من الرواية، إذ امتلأت كتاباتهم بألقاب مثل ''كارهة الرجال'' و ''محطمة الرجولة''· في ذلك الوقت، مثلما الآن، كانت تنطلق بعض الصيحات التي تقول بموت الرواية ووجوب البحث عن رواية جديدة من نوعها، لكنّ أحداً ممّن كتبوا عن الرواية لم ينتبه أبداً إلى أصالة البناء فيها، وقد قلت آنذاك بأن رواية (المفكرة الذهبية) لها شكل وبناء هو تعبير في حدّ ذاته ووسيلة اتصال، وإذا لم تكن (المفكرة الذهبية) رواية جديدة فكيف تكون الجِدة إذاً؟ إنَ ما كان جليّاً آنذاك هو أن أولئك النقاد الذين كتبوا عن الرواية كانوا يكتبون بعواطفهم المشحونة· وأن يأتي كاتب وينتقد النقاد فإن الأمر كان مثاراً للسخط، غير أن لفعلي مسوغاته· كان البناء هو كالآتي: رواية قصيرة تلتزم القواعد، ويمكنها أن تقف بحدّ ذاتها، تتخللها بعض المذكرات والهوامش والملاحظات حول ما يجري فيها، وتتأمل في داخلها بالطريقة نفسها التي يشعر بها بعض الكتّاب عند الانتهاء من كتابة رواية ما: ذلك الشعور بالقنوط لأن عملهم الروائي المتقن قد استثنى الكثير من عناصر الحياة التي شكّلته· وبرغم أن أغلب ردود الفعل كانت عدائية، فإن الأمر لم يخل من مناصرين· (نيكولاس تومالين)، وهو صحفي شهير، كتب إليّ قائلاً ''لا تعيريهم أي اهتمام· فهم ليسوا إلا جهلة فحسب''· وقد أرسل إليّ الشاعر (إدوين موير) ما هو شبيه بهذا المعنى· وقد تولى الدفاع عن الرواية في أمريكا كل من الناشر (روبرت غوتليب) والناقد (هيو ليونارد)· لقد طبعت بشكل واسع في أوربا ونالت استقبالاً متفاوتاً بين متطرف في الإعجاب كما هو عند ممثلة سويدية استقبلتني وحيتني قائلة ''إنه ليس كتابك، بل هو كتابي، فأنا لم أقرأ ما يشبه ''المفكرة الزرقاء'' ( الرواية مقسمة إلى عدّة مفكرات لكل منها لون)، ولن أقرأ غيرها ما حييت''، إلى آخر متطرف في كراهيته كأحد الناشرين الذي تمنى لو أنه رفض نشرها منذ البداية· أما في فرنسا وألمانيا، فقد احتاج الأمر من الناشرين إلى عشرة أعوام قبل أن ينشروا الرواية، زاعمين أنّها كتاب ''حاد جدّاً ومثير جداً''، لكنهم نشروها في السبعينات لظهور الحركة النسوية آنذاك· كنت أعرف بأن تلك هي مرحلة استثنائية، وأنني أشاهد أحداثاً استثنائية، وأرغب في تسجيلها، وكنت أحياناً أتمنى قراءة روايات لم تكتب بعد· لقد أردت التقاط نكهة الخمسينات وأعتقد أنني فعلت· مثل هذه الرواية لا يمكن أن تُكتب الآن، لأنه من الصعب على الكاتب أن يواكب الجوّ العام لمرحلة انقضى وقتها· إن بعض الحكايات المفزعة عن الحرب الباردة يمكن أن تثير ضحك شباب اليوم، لكنها في ذلك الوقت كانت تعني الموت والتعذيب والسجن· في فترة مماثلة، خرجت ''أناجيل نسوية'' أخرى، كان أفضلها هو ''الجنس الثاني'' لسيمون دي بوفوار، الأمر الذي يقودني إلى قول ما يرفض البعض تصديقه، وهو أنني عندما كتبت ''المفكرة الذهبية'' لم يدر في ذهني بأنني أكتب كتاباً نسوياً، فجيل الستينات من الحركة النسوية لم يكنّ هنّ الأوائل اللائي تطرقن لهذا الشأن، إذ أن سؤال النسوية يعود إلى القرن الخامس عشر· أما في الدوائر الشيوعية فقد تمّت مناقشة قضايا المرأة منذ الأربعينات والخمسينات· لكن الجملة الثانية في المفكرة الذهبية هي '' قالت ''آنّا'' إن الأمر، كما أراه، هو أنّ كل شيء آخذ في الانهيار''، وهذا هو ما تريد (المفكرة الذهبية) قوله كما أظن، وهو ما تقوله بنيتها التركيبية· كل شيء بدأ في الانهيار، وأصبح من السهل رؤية ذلك الآن ونحن نعيش زمن ثقافة سريعة التشظّي· إنّ (المفكرة الذهبية) ليست رواية نسوية فحسب، إذ دائماً ما تصلني رسائل من رجال اهتموا بالجوانب السياسية أو الغاضبة فيها· إنها رواية تقفز للواجهة بين حين وآخر، على غير احتساب، وقد بيعت ترجمتها الأولى في الصين على أنها رواية جنسية، أما ما أتمنى سماعه فهو أن تنضم (المفكرة الذهبية) إلى القائمة الدراسية لمناهج السياسية والتاريخ· إنّ ما يجعل هذه الرواية خصبة على الدوام، كما أعتقد، هو ليس سبباً أدبياً، فلقد كنت أعيش مرحلة تنفجر فيها الاحتمالات المتناقضة عندما كتبتها، وتلك الطاقة هي التي تغلغلت في المفكرة الذهبية ومنحتها قوة دافعة·''
المصدر: لندن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©