الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

النوبلية دوريس ليسينغ.. حياة مضطربة وصاخبة

النوبلية دوريس ليسينغ.. حياة مضطربة وصاخبة
15 أكتوبر 2007 23:01
بعد إعلانه فوز الكاتبة البريطانية دوريس ليسينغ بجائزة نوبل للأداب اتجه هوراس أنغدال سكرتير الأكاديمية السويدية نحو الصحفيين مباشرة وقال لهم ''لقد أخذناكم على حين غرة'' مشيرا الى عنصر المفاجأة في جائزة هذا العام· هذة المرة كان الإعلان مفاجأة حتى لأكثر الأوساط الأدبية قربا من الجائزة، خاصة وان صاحبتها قد بلغت السابعة والثمانين من العمر وأن اسمها قد ابتعد كثيرا عن الحضور في السنوات العشر الأخيرة، بعد ظهوره بقوة خلال اوائل التسعينات من القرن الماضي كاسم لأكثر الأديبات ترشيحا للفوز بالجائزة· عرفت ليسينغ بشدة مناهضتها للعنصرية والتمييز العرقي ومساندتها لقضية المرأة، ولهذا أرادت اللجنة مكافأتها: إن لجنة نوبل اختارت مكافأة الروائية البريطانية التي تتحدث عن التجربة النسائية والتي سبرت بتشكك ورؤية نافذة غور حضارة منقسمة· لكن هذا الوصف لم يرض دوريس تماما، وقالت لمراسل صحيفة سفنسكا داغبلاديت في لندن بعد سماعها نبأ الفوز: لا أعرف لماذا هذا التوصيف الذي يميز الرجل عن المرأة مع أنهما يتعرضان لنفس القهر الاجتماعي· لكن التقييم الحقيقي ووفق أكثر النقاد المختصين بأدبها نابع من تجربتها الإبداعية الغنية التي أنتجت أكثر من خمسين كتابا منها ثلاثون رواية، ويجدون تطابقا بين حجم منجزها والدوافع التي أعلنــــتها الأكاديمـــــية السويدية ''·· انها بقوة رؤيتها أخضعت حضارة منقسمة على نفسها للفحص والتدقيق''· عاشت ليسينغ حياة مضطربة وصاخبة ومرت بتجارب شخصية أغنت رؤيتها للعالم، انعكست بوضوح في أعمالها الأدبية التي تضمنت قسطا كبيرا من واقعها· وفي تحليل لرواياتها نلاحظ الأرتباط القوي بين الشخصي والمتخيل· وسنجد في كل عمل جزءا من حياتها التي توزعت بين قارات ثلاثة وشهدت تطورات وأحداث تاريخية غيرت صورة العالم بأكمله أكثر من مرة· حياتها ·· أدبها ولدت دوريس ليسينغ في مدينة كرمنشاه في بلاد فارس (حاليا مدينة باختران في ايران) في الثاني والعشرين من سنة 1919 من أبوين إنجليزيين· خدم والدها الفريد كوك تايلور في صفوف الجيش البريطاني برتبة ضابط، وفقد أحد ساقية خلال الحرب العالمية الأولى· عمل بعدها موظفا في أحد البنوك· أما والدتها آميلي مود تايلر فكانت ممرضة· في عام 1925 انتقلت العائلة الى جنوب روديسيا (حاليا زمبابوي) لتعمل في مزرعة بحثا عن حياة أفضل· نشأتها في هذا البلد الافريقي وعمل عائلتها في المزرعة جسدته ليسينغ في الجزء الأول من مذكراتها ''تحت الجلد'' التي صدرت عام ·1994 لقد عرفت دوريس شكل الاضطهاد الذي يمارسه البيض ضد السود وبشاعة استغلالهم لأرض هي ليست ملكهم· عاشت ليسينغ طفولة قاسية، ففي سنها السابعة دخلت مدرسة للراهبات لكنها لم تحتملها فتركتها وانتقلت الى مدرسة للبنات في مدينة سالسبوري· وفي سن الرابعة عشرة تركت دراستها واتجهت للعمل فاشتغلت مربية للأطفال وموظفة بريد، طباعة، ثم صحفية وكاتبة ونشرت خلال هذه السنوات من عمرها قصصا قصيرة· تزوجت دوريس مرتين ولها من زوجها الأول طفلان ومن الثاني المهاجر الألماني غوتفريد ليسينغ الذي تعرفت عليه عام 1945 ولد واحد اسمه بيير ويعيش معها حاليا في لندن· لقد اكتشفت ليسينغ وبعد معاناة أنها لاتصلح أن تكون زوجة ووجدت في الزواج نفسه أسرا لحريتها كما تقول هي نفسها ''إن الزواج حالة لا تناسبني''· تعرفها على زوجها الثاني غوتفريد في أحد اجتماعات الماركسيين، نقلها للعمل المنظم لمناهضة العنصرية· وفي فترة لاحقة انظمت معه الى صفوف الحزب العمالي لجنوب روديسيا· لم يدم زواجها منه سوى أربع سنوات بعدها اضطرت للعودة الى لندن بصبحة ولدها ومعها مسودة أول رواياتها ''العشب يغني''· بعد نشرها للرواية عام 1950 ثبتت وبشكل سريع عملها ككاتبة· تدور أحداث الرواية حول علاقة بين زوجة رجل أبيض وخادمها الأسود· قدمت دوريس في هذا العمل الذي جسد نواة حب مكروه، مايشبه الدراسة برهنت فيها استمرار أسس السلوك العنصري وقيمه· وسيجد القارئ في روايتها ''أطفال العنف'' مساحة واسعة من حياتها التي عاشتها في أفريقيا موجودة في أجزائها الخمسة· ريادة الأدب النسوي النقلة النوعية في عمل روديس جاءت بعد نشرها رواية ''المفكرة الذهبية، ''1962 والتي جلبت لها الشهرة ونقلتها الى العالمية· واعتبرت الرواية على نطاق واسع نقلة نوعية في الأدب النسوي ''فمينيزم'' أشارت له الأكاديمية السويدية: اعتبرته الحركة النسوية الناشئة عملا رائدا وهو ينتمي لحفنة من الكتب التي تحدثت بشكل واضح عن وجهة نظر القرن العشرين في العلاقة بين الرجل والمرأة· تحكي الرواية قصة كاتبة ناجحة تكتب مذكراتها على أربع مفكرات مختلفة: واحدة سوداء لعملها الأدبي وثانية حمراء تسجل فيها أنشطتها السياسية وزرقاء للبحث عن الحقيقة عبر التحليل النفسي وصفراء لسرد حياتها الخاصة· أما المفكرة الخامسة فهي المفكرة الذهبية التي ستحوي كل سيرة حياتها، التي لم يكن أمامها سوى أن ترسلها الى عشيقها· مراحل التطور يتفق الكثير من النقاد على تقسيم أعمال ليسينغ الى ثلاثة مراحل: المرحلة الشيوعية، والنفسية وأخيرا الصوفية· المرحلة الأولى ارتبطت بانتمائها الى الحزب الشيوعي البريطاني ما بين الأعوام 1952 ـ ،1956 شاركت خلالها بنشاط واسع في محاربة التسلح النووي· وبسسب نشاطها المناهض للعنصرية وانتقادها لسلطة جنوب أفريقيا حرمت من زيارتها· وبعد زيارة قصيرة لجنوب روديسيا عام 1956 منعت أيضا من دخولها ثانية لنفس السبب· في عملها ''أفريكان لوثير: أربع زيارات الى زمبابوي'' الذي صدر 1992 صورت فيه عودتها عام 1982 الى البلد الذي نشِأت فيه· ومن رواياتها الناجحة في هذه المرحلة ''العودة الى الوطن، ''1957 التي نددت فيها بالتمييز العنصري في جنوب أفريقيا· أما في روايتها ''الإرهابي الجيد، ''1985 وهي عن مجموعة من الشبان الثوريين من اليسار المتشدد، فتعود ليسينغ الى القص الواقعي، تحلل عبره شخصية شابة أضاعت اتجاهاتها· في هذا العمل تعرض رؤية هؤلاء الشباب وأسباب كراهيتهم لجيلهم ومنطلقات سلوكهم المتجاوز لحدود الانسانية الذي يعرض وجودهم كله للخطر· فأحد أبطال الرواية يتهم كل شخص يختلف معه بالخيانة بما فيهم زوج والدته· وبسبب طبيعتها الرافضة لكل أشكال الهيمنة رفضت الموقف السوفييتي من انتفاضة المجر عام 1956 وقررت إثرها ترك الحزب الشيوعي اعتراضا على الفكر الشمولي الذي أراد خلق هيمنة مطلقة من نوع جديد· وبسبب الصعوبة في فصل المراحل بمقاييس محددة، فقد تداخلت المرحلتان الأولى والثانية بمشتركات يصعب رسم فواصلها بوضوح، خاصة وأن ليسينغ وفي كل مراحل ابداعها ربطت بين الاجتماعي والشخصي، بين النفسي وبين المؤثرات الخارجية التي تتحكم الى حد كبير في سلوكيات الكائن البشري· في مذكراتها ''تحت الجلد ''1994 ورواية ''الرحيل في الظل ''1997 تقدم دوريس رؤية أدبية جديدة ضمن إطار أسلوبها الواقعي· فهنا لا تعود الروائية فقط لسيرتها الذاتية بل تعود الى تجربة كل حياتها المشدودة ببريطانيا في زمن انحطاط إمبراطوريتها· من أعمالها المهمة الأخرى روايتا ''الصيف قبل الظلام ''1973 و''الطفل الخامس، ·''1988 في الأولى تقنع القارئ بأنه يقابل عملا متحررا من القيود وخاليا من البناء الروائي الضروري· تتمحور أحداثها حول امرأة أرادت التمتع بموهبتها ورغبتها الأيروتيكية ولكن بعد الانتهاء من قرائتها مباشرة تتشكل لدى القارئ صورة لعمل روائي متكامل يدرس بإمعان أزمة منتصف العمر· وفي روايتها الثانية تقدم ليسينغ نفسها ككاتبة رواية مغامرات نفسية متمكنة من حرفتها· في سبعينات القرن الماضي بدأت ليسينغ بالعمل في حقل رواية الخيال العلمي وهو ما يدرج ضمن حدود المرحلة الثالثة· ركزت في روايتها ''كانبوس في أرغوس: من الارشيف'' أو ما أطلقت عليه الخيال العلمي الخفيف، على الخطر الذي يتعرض له تطور البشرية بسبب الحروب النووية· وثقت فيها قناعتها ورؤيتها لسلوك الاحتلال والهيمنة ،الحرب النووية، الكوارث البيئية· منطلق هذا الاتجاه كان نظرة صوفية متأثرة بمبادئ الفكر الصوفي· أما فكرة تعرض العالم الى كوارث مرعبة تجبر الناس على العودة إلى العالم البدائي الأول فظلت من أحب الموضوعات الى قلب ليسينغ، وأخذت حيزا كبيرا من أعمالها المتأخرة، أو ما تسمى بروايات المستقبل· من بينها رواية ''مارا ودان، ''1999 وطورتها فيما بعد برواية ''قصة الجنرال دان وابنة مارا''· وبالرغم من المناخات السوداوية والدرامية الواسعة في هذه الأعمال سعت ليسنيغ في نهايتها لتكريس مبدأ الإيمان والأمل بقوة الانسان· خبر الجائزة فيما تجمعت وسائل الاعلام العالمية أمام دارها في لندن، في محاولة للحصول على تعليق أو مقابلة قصيرة معها، كانت دوريس ليسينغ مشغولة في شراء الخضروات من متجر قريب· وبعفوية عكست جهلها بخبر الجائزة الذي نقله الصحفيون اليها قالت: لو كنت أدري لأعددت كلاما ذكيا وملائما للمناسبة·· وبصدق أقول لقد حصلت على كل الجوائز الأدبية الأوروبية عدا هذه الجائزة، إنه حقا أمر رائع· وأضافت في حديثها لمراسل صحيفة داغينس نيهتير السويدية: لقد سمعت أن اسمي كان مطروحا للحصول على الجائزة قبل أكثر من ثلاثين عاما، لكني لم أحصل على ما وعدوني به، بعدها استجدت اشياء أكثر إثارة، وظننت أن الأمر قد نسي تماما· وتعلق: مثل هذه الجائزة تساعد في توصيل أعمالي بشكل رائع الى أكبر عدد من القراء في العالم، خاصة للذين، من المحتمل جدا انهم لم يكتشفوا كتبي سابقا· لكن الفن الخالص والإبداع الحقيقي سيكتب بنفسه معناه الحقيقي· وكل شيء عدا هذا آني وعابر·
المصدر: استوكهولم
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©