الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معضلة شمال العراق... قنبلة الأكراد المتجددة

معضلة شمال العراق... قنبلة الأكراد المتجددة
15 أكتوبر 2007 22:58
الماضي من جديد يعيد نفسه، فقط الشخوص هي التي تغيرت لكن الهدف ظل كما هو لا يتغير قيد أنملة، فقبل أسبوعين عادت أنقرة وبغداد إلى الاتفاق على مكافحة منظمة حزب العمال الكردستاني الانفصالية المحظورة، ولم تمر سوى أيام تعد على أصابع اليد الواحدة إلا ويمطر إرهابيون حافلة لنقل الركاب بالرصاص في إحدى مدن جنوب شرق البلاد ليسقط أبرياء ما بين قتيل وجريح، وهو نفس السيناريو الذي يتكرر بين الحين والآخر، وهو ما يعني أن المعضلة الكردية، ورغم مرور ما يزيد على عقدين من الزمان، مازالت قائمة، ولا يبدو أنها ستحل في المستقبل المنظور، ليبقى السؤال·· ماذا بعد؟ في الوقت الذي كانت فيه الحياة السياسية هنا في تركيا مشغولة بقضية انتخاب رئيس جديد للبلاد، كانت طائرات حربية تابعة لسلاح الجو التركي -تشاركها من دون ترتيب المدفعية الإيرانية- تقصف مواقع لانفصاليين تابعين لمنظمة حزب العمال الكردستاني المحظورة في المناطق المتاخمة لحدوديهما مع شمال العراق· الحدثان -مستمران حتى اللحظة- دلالتاهما واضحة، فمهما حدث بداخل الأناضول وأيا كانت التشابكات السياسية، إلا أن الهم الانفصالي وتداعياته المدمرة يوحد الرؤي، ويلغي التناقضات بين المتناحرين، ويجعل ما هو عسكري، وما هو مدني -علماني أو إسلامي- كيانا واحدا لا يقبل الانفصام، تلك هي الدلالة الأولى· أما الثانية: فإيران شبه العلمانية إبان عهد ''الشاه'' هي نفسها إيران الإسلامية، فليس هناك ما هو أهم من وحدة التراب ووأد أي نزعة انفصالية حتى ولو كانت مجرد تفكير يداعب عقول البعض! كل هذا معروف ومفهوم، لكن السؤال الذي لا توجد له إجابة آنية، ''ماذا بعد؟؟''· بعبارة أخرى، هل الخطوة الاستثنائية التي قام بها الرئيس التركي عبدالله جول، وتمثلت في زيارته لمناطق بالأناضول -درج على تصنيفها بالكردية أو بتعبير أدق مدنا يقطنها غالبية من الأكراد- يمكن أن تكون بداية لتهدئة الإشكال الكردي المزمن توطئة لطريق ينتهي بلم شمل الجميع؟ الإجابة بعيدة كل البعد عن التفاؤل، صحيح أن نجم الدين أربكان -رئيس الحكومة الأسبق (يونيو 1996 -يوليو 1997) أستاذ المدرسة السياسية التي تخرج منها جول- لم يقم بزيارة جنوب شرق البلاد، إلا أنه كان يأمل في حل ''المعضلة الكردية'' بمزيد من الأخوة والترابط، لكن واقع الحكم حال دون تحقيق رؤيته الخيالية، خاصة مع مسلسل الترويع الذي كانت تقوم بها المجموعات الانفصالية المسلحة مستهدفة المدنيين قبل العسكريين!! وفي عهده كرئيس حكومة، كانت القوات المسلحة تتوغل بمباركته في شمال العراق وتتعقب الفلول الانفصالية· ورغم نجاح الآلة العسكرية في تحجيم تلك العناصر، إلا أنها مازالت موجودة حتى اللحظة، بفضل مجتمع يفرخ أجيالا يطحنها الفقر من جانب، والتقاليد العشائرية والقبلية من جانب آخر، ومن ثم لا تجد مفرا من الرضوخ لإغراءات رموز الـ(PKK) -طبقا للتوصيف التركي لمنظمة حزب العمال الكردستاني- وبالتالي الانخراط في العمليات المسلحة ''الإرهابية'' من وجهة نظر أنقرة، والاستقلالية من وجهة نظر الشرائح الكردية داخل الأناضول، والتي باتت ترى إقليم كردستان في شمال العراق نموذجا لدولة كردستان الكبرى، وهؤلاء بدورهم لا ينطلقون من فراغ، فالمناطق المأهولة بالعرق الكردي، لا تزال على عنادها في التصويت في الانتخابات دائما للحزب الممثل لــ ''الشعب الكردي في تركيا''، ليس ذلك فحسب، بل تذهب إلى ما هو أبعد بإصرارها على اعتبار عبدالله اوجلان (آبو) -المحبوس بجزيرة ''إمراليء'' ببحر مرمرة منذ السادس عشر من فبراير عام 1999- بطلا ورمزا لحلم الدولة الكردية! وحتى لا يدر بخلد هؤلاء بأن الحكومة يمكن أن تنحو منحى آخر، قام '' الطيب رجب اردوجان '' في مستهل برنامجه الخاص بالاحتفال بشهر رمضان بمشاركته لعشرات العائلات التي فقدت أبناءها في المواجهات المسلحة ضد الانفصاليين مائدة الإفطار في ضاحية ''التن داغ'' بالعاصمة أنقرة، والمعنى واضح ألا وهو: إن الدولة لا تنسى شهداءها، والأهم لا تنسى القضية التي استشهدوا من أجلها وهي ''الوطن الواحد الذي لا يقبل بأي حال التجزئة''· صراع تركيا ضد الإرهاب الكردستاني، وجد دعما وسندا من أوروبا عكس ما كان يحدث قبل عقد ونصف العقد، وشواهد ذلك عديدة، إعلان مؤسسات الاتحاد الأوروبي بأنه لا تراجع عن اعتبار حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، وهو ما تزامن مع حملة اعتقالات طالت 12 من نشطاء حزب العمال الكردستاني في العاصمة الفرنسية باريس، فضلا على ذلك رفض مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي إعادة محاكمة زعيم المنظمة ''عبدالله أوجلان''، ولكن بقيت هناك معضلة، فقبل أيام، خرج الإعلام التركي بأنباء عن مساعدات عسكرية أميركية للانفصاليين الأكراد، ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي تذاع فيها مثل تلك الأنباء التي صارت بدورها تغذي اعتقاد -بات راسخا- لدى الشرائح العريضة من الشعب التركي مؤداه ''أن الولايات المتحدة الأميركية أن لم تساعد فهي على الأقل تدعم الأكراد إجمالا بما في ذلك النسق -شبه الدولة- القائم بشمال العراق· ليس في الأمر أدنى مصادفة في أن يأتي تصريح لــ'' مسعود البرازاني'' والذي قال فيه: إن كركوك جزء لا يتجزأ من كردستان، بالتزامن مع إعلان استراتيجية بوش حيال العراق، وفيها لا وجود لأية إشارات عن كركوك، في تجاهل واضح لتقرير ''بيكر هاملتون'' والذي أوصى بإعادة النظر في الاستفتاء المقرر إجراؤه نهاية العام الحالي واللجوء إلى التحكيم الدولي· الاستفتاء إذن معضلة تضاف لتزيد من تعقيد الوضع، وأنقرة من جانبها أكدت أن نتيجته معروفة سلفا، والدليل على ذلك الحملة المنظمة التي تجري منذ وقت ليس بقريب لتغيير الوضع الديموغرافي بالإقليم الغني بالنفط وتتمثل في تهجير العرب من كركوك، فــ''إما أن ترحلوا أو أن يكون مصيركم مصير الأنفال أي الموت'' (هذا ما قاله صراحة نائب في برلمان كردستان ''كمال الكركولي'' في السادس من فبراير الماضي)، يضاف إلى ذلك اشتراط مسؤول كردي -في تحالف كردستان بالبرلمان العراقي- تطبيق المادة الدستورية رقم 140 والتي تنص على إجراء استفتاء حول كركوك نهاية العام للاستمرار في العملية السياسية· بفرض تم تأجيل الاستفتاء فالمشكلة ستظل قائمة فـ''التعود على رأي محدد غالبا ما يولد اعتقادا راسخا بصحته، وبالتالي يسلب منا قابلية تقبل البراهين المناقضة له''، تلك هي كلمات العالم الكيميائي السويدي ''جاكوب برتسيلوس'' (1779 ـ 1848)، ولأ ادري لماذا وجدتها تنطبق على الأطراف الثلاثة: تركيا والأكراد وشمال العراق!! سيد عبدالمجيد- أنقرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©