الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ساركوزي : شكراً تشرتشل

ساركوزي : شكراً تشرتشل
30 مارس 2008 02:09
قد تكون الخصومة بينهما الأطول في تاريخ الدول الحديثة بما تخللها من احتقار متبادل لبعضهما بعضا، فضلا عن عقود من المنافسة الإمبريالية والخلاف الثقافي الذي مازال مستمراً حتى اليوم، ولكن وعلى ما يبدو أن فرنسا وبريطانيا توشكان على طي صفحة التاريخ والعفو عما سلف؛ فقد سرت في أوصال الطبقة السياسية البريطانية قشعريرة لدى سماعهم عبارات مثل ''الأخوة'' و''الانفراج الودي''، فضلا عن ''الصداقة''، وهي العبارات التي امتد تأثيرها حتى إلى الصحافة الصفراء البريطانية المعروفة بتوجهها المناوئ لفرنسا، وذلك كله بعد زيارة مثيرة قام بها الرئيس ''نيكولا ساركوزي'' لبريطانيا يوم الخميس الماضي والتي تعتبر أول زيارة دولة يقوم بها رئيس فرنسي للملكة منذ الحرب العالمية الثانية، لقد استطاع ''نيكولا ساركوزي'' جذب البرلمانيين البريطانيين وهم يستمعون إلى إشادته بكل ما هو إنجليزي، ويدعو إلى علاقات جديدة تناسب القرن الحادي والعشرين قائمة على الأخوة بين الخصمين القديمين· وقد كان لافتاً إعلان ''ساركوزي'' شكره على ما قدمه ''تشيرتشل'' لفرنسا وإسهامه في إنقاذه بلاده ''عندما كانت على حافة الزوال، وخاضعة تماما''، وهي عبارات الشكر والامتنان التي كان من الصعب حتى تخيل أسلافه من الرؤساء الفرنسيين يتلفظون بها، لكن بالإضافة إلى ذلك تقدم ''ساركوزي'' باقتراحات ملموسة إلى بريطانيا يدعوها فيها إلى الانخراط مع فرنسا في قلب أوروبا، والعمل معاً لحل القضايا العالمية الشائكة مثل التغير المناخي والطاقة والهجرة والأمن وأفغانستان· ولعل المبادرة الأهم والأكبر هي اقتراحه بأن ''تخط فرنسا وبريطانيا معاً صفحة جديدة في تاريخنا المشترك يقوم على أخوة بريطانية فرنسية جديدة-أخوة للقرن الحادي والعشرين''· الواقع أن البرلمانيين البريطانيين أمام هذا السيل من عبارات الإطراء حاروا بين الضحك، أو البكاء؛ فعادة ما تكون الزيارات الرسمية غارقة في البروتوكول وتفاصيله وتتجنب القضايا الجوهرية، وهو ما دفع ''دينيس ماكشين'' -عضو في البرلمان البريطاني عن حزب العمال وأحد المحبين للثقافة الفرنسية الذي كتب السيرة الذاتية للرئيس الفرنسي الأسبق ''فرانسوا ميتران''- إلى وصف زيارة ''ساركوزي'' بأنها أهم زيارة دولة منذ سنوات عديدة· يضيف ''ماكشين'' -معلقاً على الزيارة- إن نبرة الكلمات التي تلفظ بها ''ساركوزي'' وطريقته في الكلام التي تخللها دفء واضح، لقد جامل بريطانيا على نحو واضح، ويبدو أنه يعرف كيف يدغدغ عواطف البريطانيين على نحو جيد''، ويتابع ''ماكشين'' موضحاً هذا الموقف الفرنسي المثير قائلا: ''يريد ساركوزي أن يغلق فصل الجولية في العلاقات بين البلدين مقارنة مع الرئيس الأسبق ميتران الذي حافظ على المسافة التقليدية مع بريطانيا''، ويبدو أن الصحف البريطانية ردت الالتفاتة بأفضل منها عندما ركزت اهتمامها على زوجته شديدة الأناقة، ''كارلا بروني''، ومع أن البلدين لم يتقابلا في ساحة المعركة لفترة طويلة (ترجع آخر مرة إلى العام 1815)، إلا أن العداء الدبلوماسي اندلع أكثر من مرة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية· فقد كانت محاولة ''شارل ديجول'' منع بريطانيا من دخول الاتحاد الأوروبي في العام ،1967 ثم أعقبتها الصراعات الطويلة لحظر استيراد لحوم الأبقار البريطانية إلى فرنسا، فضلا عن النزاع حول الإسهامات المالية البريطانية في الاتحاد الأوروبي، وهكذا عندما اتخذت فرنسا موقفها المعارض للحرب على العراق أخرجت الصحافة البريطانية من جعبتها جميع النكات القديمة، مثل تلك التي تقول إن الدبابات الفرنسية تتوفر على ستة مستويات للسرعة خمسة إلى الوراء وواحد إلى الأمام، وذلك في حال تعرضت إلى هجوم من الخلف (وكأن الدبابات الفرنسية لم تصمم أصلا إلا لكي تولي الأدبار وترجع القهقرى)· وحتى على المستوى الشخصي لم تكن العلاقات الفرنسية البريطانية في أفضل حالاتها، حيث نُقل عن الرئيس ''جاك شيراك'' قوله لرئيس الوزراء السابق ''نوتي بلير'' إنهم ''لم يحسنوا تربيتك'' بعد اعترض هذا الأخير على إحدى سياساته، كما أن ''شيراك'' سُمع في مناسبة أخرى يعلق مازحاً ''كيف لنا أن نثق في أشخاص طعامهم سيئ لهذا الحد''· الواقع أن هذا التعليق الساخر للرئيس السابق ''جاك شيراك'' يفسر لنا بعض أسباب التقارب بين البلدين· فلم يعد ممكنا التعامل مع بريطانيا كبلد اشتهر فقط ''بطعامه السيئ'' بعد أن تكلف المئات من الطهاة الفرنسيين بمعالجة الأمر· فقد انتقل الآلاف من المواطنين الفرنسيين إلى بريطانيا خلال السنوات الأخيرة إلى حد أن لندن أصبحت، حسب تعبير ''ساركوزي'' نفسه، ''سابع أكبر مدينة فرنسية''· ويمكن سماع اللكنة الفرنسية القوية في كل مكان أمام أبواب المدارس وفي المطاعم والقطارات والنوادي والملاهي الليلية، لكن في المقابل انتقل مئات الآلاف من البريطانيين إلى الاتجاه المعاكس، وتحديداً إلى المناطق الريفية الفرنسية، حيث تزايدت أعدادهم إلى درجة بدأوا يترشحون فيها للمناصب المحلية، كما أن الحواجز الثقافية التي كانت عائقاً في السابق بدأت تتآكل اليوم·غير أن المؤرخ البريطاني، ''تيوثي جارتون آش''، يحذر من أن الانفتاح الكبير لساركوزي على بريطانيا قد لا ينتهي بالضرورة إلى شهر عسل حقيقي بين البلدين؛ ففي قلب هذا الانفتاح كانت الدعوة الفرنسية لجارتها بأن تنخرط أكثر في الاتحاد الأوروبي، والحال أن بريطانيا -وإن كانت أكثر ميلا لأوروبا في هذه الأيام- إلا أن الخطاب السياسي السائد فيها مازال يسيطر عليه المشككون في الاتحاد الأوروبي·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©