الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدنانير الصليبية تقلد العملات الإسلامية

الدنانير الصليبية تقلد العملات الإسلامية
12 أكتوبر 2007 03:13
تركت النقود الاسلامية بنقوشها الكتابية أثراً لا يمحى على التداول النقدي طوال العصور الوسطى، حتى ساد الاعتقاد بأن النقوذ الذهبية الجيدة هي تلك التي تحمل الكتابات العربية الاسلامية، وأدى ذلك الى نشأة عادة تقليد ومحاكاة النقود العربية في عدد من الدول الأوروبية، فضلا عن قيام الدويلات الصليبية التي نشأت في الشرق العربي بإنتاج نقود من الذهب قلدت بها النقود الاسلامية المعاصرة، وواجه الصليبيون بعد وصولهم الى الشام مشكلة تداول النقود الذهبية في المنطقة العربية المحيطة بهم، في حين انهم لم يعرفوا في مواطنهم الأصلية سوى النقود المصنوعة من الفضة أو النحاس· وفي الوقت الذي ضربوا فيه عملات نحاس ذات كتابات لاتينية لتلبية احتياجات التداول السلعي داخل المناطق الصليبية في الرها وانطاكية وطرابلس وصور لم يجدوا مفرا من سك العملات الذهبية من أجل التعامل مع جيرانهم في الولايات العربية الاسلامية· الدينار الصوري ولكن المناطق الصليبية لم تضرب عملات خاصة بها وإنما قلدت الدنانير الذهبية الفاطمية ثم الأيوبية فيما بعد بكل نقوشها التي تحتوي اسماء الحكام المسلمين بل وشهادة التوحيد واسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم· وعرف هذا النوع من الدنانير الصليبية المقلدة للسكة الاسلامية باسم ''البيزنتيات العربية'' لدى المؤرخين الأوروبيين، فيما عرف في المصادر الاسلامية المعاصرة باسم الدنانير الصورية حيث كانت دار السك الصليبية بمدينة صور تنتج الجزء الاكبر من هذه الدنانير· وكان بإمكان المتعاملين التفريق بين الدنانير الصورية ومثيلاتها الفاطمية أو المصرية بسهولة تامة، فمن ناحية الوزن كانت الاولى تعدل ثلث الدينار المصري كما كانت تقل من حيث العيار بمقدار الثلثين ولذا عدت منخفضة القيمة ازاء الدنانير الاسلامية· أما من جهة النقوش ففي بعض الدنانير كان ينقش رسم الصليب أو توضع أحرف لاتينية مثل حرف (B) في اشارة الى الحاكم الصليبي ''بوهمند'' أو حرف (T) الذي ربما يشير الى دار الضرب طرابلس وحتى الدنانير الصورية التي قلدت تماما نقوش الدنانير الاسلامية لم تأت خالية من أخطاء ناجمة عن جهل نقاشي قوالب السك في الدور الصليبية باللغة العربية، فغالبا ما تسقط بعض الحروف أو الكلمات وفي بعض القطع نجد أن لفظ الجلالة ''الله'' قد نقش بصورة معكوسة، ويعود ذلك الى ان النقاش كتب الكلمة كما رآها على قالب السك وكان من المفروض ان ينقشها بالشكل المعكوس لتبدو مستقيمة عند ضربها· طرائف التقليد وقد قلد الصليبيون دنانير الخليفة المستنصر بالله الفاطمي والتي كانت تضرب بطرازين احدهما من ثلاثة هوامش بكل وجه والطراز الثاني من هامش بكل وجه وكتابة مركزية مؤلفة من اربعة أسطر وسجلوا بها ذات العبارات بما فيها شهادة التوحيد وغيرها من الاقتباسات·· وقام الصليبيون ايضا بتقليد دنانير الآمر بأحكام الله الفاطمي وإن لم تصلنا نماذج من هذه النقود المقلدة وقلدت دور السك الصليبية الدراهم الفضية للملك الأيوبي الظاهر غازي ملك حلب والتي كانت تضم اسمه ''الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب'' واسم السلطان الأيوبي ''الملك العادل أبوبكر'' إلى جانب اسم الخليفة العباسي ''الإمام الناصر أحمد'' مع شهادة التوحيد ''لا إله إلا الله محمد رسول الله''· ومن الطريف أن الصليبيين ظلوا يصدرون هذه الدراهم المقلدة التي تحمل اسم دار الضرب حلب في تواريخ تالية لعام 613هـ والذي توفى فيه الملك الظاهر غازي ولمدة ربع قرن تقريبا دون ان يحذفوا منها اسم هذا الملك الأيوبي، بل وظلوا يسجلون عليها اسم الخليفة العباسي رغم انه توفي عام 622هـ وجلس مكانه على عرش الخلافة المستنصر العباسي· ومهما يكن من أمر هذا التقليد الذي كانت تنقصه الدقة من كل ناحية فقد توقف انتاج هذه النقود التي تحاكي العملات الاسلامية نتيجة لغضبة المندوب البابوي ''أود دي شاتور'' الذي رافق حملة لويس التاسع الشهيرة على قيام أمراء الصليب بضرب عملات تشير الى اسم نبي المسلمين وعقيدتهم في التوحيد، ومن ثم أصدر البابا انوسنت الرابع قرارا بالحرمان الكنسي بحق كل من يقوم باقتراف هذه الجريمة بحق الصليب· وعندئذ تحرك تجار البندقية الذين كانوا يستخدمون الدنانير الصورية في تجارتهم مع المدن الاسلامية ولجأوا الى حيلة دينية للتهرب من أمر البابوية بإصدار عملات مسيحية خالصة· وانتهت هذه الحيلة الى إصدار عملات صليبية ذات كتابات عربية من حيث الشكل ولكنها مسيحية من حيث المضمون· وقد ضربت هذه العملات تقريبا في مدينة عكا وحدها بين سنتي 1251 و1254م ثم توقف سكها بعد ذلك لندرة الذهب في دور السك الصليبية رغم الجهود التي بذلها تجار البندقية لامتصاص الذهب من حوض المتوسط وتهريبه واستخدم خط النسخ في نقش كتابات هذه النقود كما كان متبعا في النقود الايوبية، بينما جرت استعارة الطراز الفاطمي المؤلف من هامشين وكتابة مركزية في كل وجه مع استخدام التاريخ الميلادي في الاشارة الى تاريخ السك· وفي وجه أحد هذه الدنانير هامش خارجي به نقش الصليب وعبارة ''ضرب بعكا سنة ألف ومائتين وواحد وخمسين'' وبالهامش الداخلي نقش صليب آخر مع عبارة ''الأب والابن والروح القدس'' ومركز الوجه فيه كلمتان فقط ''إله/ واحد'' وبهامش الظهر الخارجي ''نفتخر بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به سلامتنا وتحيتنا'' وفي الهامش الداخلي ''وقيامتنا به تخلصنا''، أما مركز الظهر ففيه رسم لصليب داخل دائرة· وقد تعددت دنانير هذا الطراز مع اختلافات يسيرة في عدد الصلبان التي جرى نقشها على وجهي الدينار·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©