الكسب الحرام

الكسب الحرام سلوك ينهى عنه الاسلام، وقد تعددت صوره، فالإنسان المقصر في عمله ويأخذ أجرا يحاسبه الله على العمل، وتقاضي الرشوة باسم الهدية كسب غير مشروع، والذي يغش في البيع والشراء، والذي يبخس الكيل والميزان، والمحتكر للسلع، والمتاجر فيما حرم الله مثل الخمور، والذي يستثمر أمواله في المؤسسات التي تتعامل بالربا، كل هذا كسب حرام· ويقول الدكتور أحمد محمود كريمة -استاذ الشريعة الاسلامية بجامعة الأزهر: الإسلام حث على أن يكون كسب المسلم من الحلال الطيب، وحذر من المكسب الحرام أو الذي فيه شبهة، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون)، وقال تعالى: (وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإنه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى في سورة ''المؤمنون'' (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا)، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه الى السماء يقول: يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له''· ويضيف الدكتور أحمد كريمة أن عناية الاسلام بموضوع الحلال والحرام فاقت كل الاعتبارات؛ لأنها قائمة على تحقيق مصالح الناس ودفع المفاسد عنهم، فما من شيء فيه مصلحة إلا حث عليه الاسلام ورغب فيه، وما من شيء فيه مفسدة أو مضرة إلا ونهى عنه وحذر منه، فعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ''ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئا'' وتلا قوله تعالى: (وما كان ربك نسيا)· وقال صلى الله عليه وسلم: ''إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم اشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة بكم فلا تبحثوا عنها''· إن المال الذي يكتسبه الانسان من الحرام منزوع البركة ولا خير فيه حتى لو تصدق به الانسان لم يُقبل منه· وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ''لا يكسب عبد مالا حراما فيتصدق به فيُقبل منه ولا ينفق منه فيبارك له فيه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده الى النار، إن الله تعالى لا يمحو السيئ بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث''· ومن رحمة الله تعالى بعباده أن جعل الفطرة السليمة التي لم تلوثها الأهواء تحكم على الأشياء بالحل أو الحرمة، وأن على المسلم أن يبتعد عما فيه شبهة حتى يسلم من الوقوع في الحرام، وقال صلى الله عليه وسلم: ''إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله في الأرض محارمه''، وجاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن البر؟ فقال ''استفت قلبك، البر ما اطمأنت له النفس واطمأن له القلب، والاثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس''· وأكد الدكتور كريمة أن للكسب الحرام أثرا سيئا في حياة الناس، وأن السلف الصالح كانوا يبتعدون عن كل ما فيه شبهة·