الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زي الأئمة.. لباس العلم و التقوى

زي الأئمة.. لباس العلم و التقوى
12 أكتوبر 2007 02:57
يعتمرون شمس الحقيقة الساطعة بالتوحيد، تدثرهم عباءة الإيمان التي يحملونها مسؤولية على كواهلهم، يمدّون علومهم جسراً للناس، وينهمرون عليهم بمطر النصيحة والإرشاد· إنهم علماؤنا وفقهاء شريعتنا الإسلامية السمحة، وأئمة مساجدنا التي تطلع من مآذنها تكبيراتهم وعظاتهم بالحق والخير، فترفرف أصواتهم كأجنحة حمام تنقل للمؤمنين رسائل الهداية وبشائر النور، ويهلّ حضورهم بيننا وأمامنا كما الديم الأبيض السابح في سماء الفضيلة· حين نراهم بلباسهم العربي الجميل النبيل -الثوب والعباءة وغطاء الرأس- نشعر جميعاً أن هذا الزي إنما هو رمز التقوى والعبادة، ويعكس العلم والمعرفة والعون، والزهد بملذات الحياة ومغرياتها ومجدها الدنيوي· ما أصل هذا الزي على اختلاف أشكاله وألوانه وأنواعه وعناصره؟ وهل له مرجعية دينية، كتشريع أو سنّة يُلزِم الأئمة والعلماء به؟ أم أنه ذو منشأ اجتماعي يتصل بالبيئة المحلية للإمام، التي تعدّ بدورها نتاج جغرافية وتاريخ يخص كل بلد أو منطقة عربية؟ يقول فضيلة الشيخ صديق محمد المنصوري، كبير الوعاظ في الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف: إن الإيمان والتقوى أهم ما يتحلى به عالم الدين لأنه مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى عن دوره ومهامه في توعية الناس بدينهم الحنيف وواجباتهم حياله· فدور العلماء وأئمة المساجد يبرز في أوساط الناس، كونهم ثقاة يعتد برأيهم وعلمهم ولباسهم· من هنا كان الثوب والعباءة وغطاء الرأس زياً للأئمة، خاصة وأن ثمة روايات تشير إلى ارتداء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الثوب والعمامة والعباءة· و عن مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر: دخل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم الفتح وعليه عمامة سوداء · كما أنه ارتدى البردة وقد خلعها على كعب بن زهير بن أبي سلمى· أما زي الأئمة في الإمارات فيأتي على هيئة بشت وثوب و غترة، يفضل بعض الأئمة أن تُرفق بعقال، فالأهمية هنا للمظهر الحسن والنظيف لأن النظافة من الإيمان كما يحثنا الإسلام· ويضيف: يخطئ من يفهم الدين على أنه فوضى الملابس ويعد ذلك ضرباً من العبادة والزهد، فالمسلم من يضم إلى نظافة باطنه وخلقه الحميد، نظافة جسده وجمال ملبسه· في الإطار ذاته يقول فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة في برنامجه حجر الزاوية : يوصي ديننا الحنيف أن يكون المسلم نظيفاً أنيقاً في غير إسراف، والثوب الطيّب دليل طيب للابس، و مما أوصى به الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم: (يا أيها المدثر، قم فأنذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر)· ويقول فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الكبيسي: يختص اللباس بستر الجسد والعورات، كما يقول الله سبحانه وتعالى: (لقد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم)· وأباح لنا أن نتزين باللباس، كما في قوله تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد)، إنما من دون الخيلاء والتفاخر بالزي، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة · وأقرّ الإسلام من ألبسة الجاهلية، العمامة على الرأس، واتخذها رمزاً، وهي تأخذ أشكالاً عديدة إذ يذكر أن عمامة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان لها حجم ومقاس مختلف ولونها أسود، لكنه - الإسلام - لم يفرض زياً معيناً على الأئمة ورجال الدين، فاليوم يلبس المسلمون وأئمتهم عمامة أو قحفية أو طربوشاً أو ستارة أو غترة، وتتفاوت أشكال وألوان الزي الذي يلبسه الأئمة في البلدان العربية، ولا مانع منه طالما يهدف للسترة· عادات وأعراف وهذا أيضاً ما يذهب إليه فضيلة الشيخ فهد عبد الرحمن العبيان- أستاذ العلوم الشرعية في معهد القرآن الكريم بالسعودية- حيث يقول: لم يكن للعلماء في عصر الإسلام الأول لباس يخصهم دون سائر الناس، لكن ذُكِر أن أول من أحدث لباساً خاصاً للفقهاء أو القضاة هو القاضي أبو يوسف صاحب أبي حنيفة· وما شاع في العالم الإسلامي اليوم من تميز أئمة المساجد والعلماء وفقهاء الشريعة بلباس خاص هو من قبيل العادة والعرف ولم تأت به الشريعة الإسلامية· أما العلماء في السعودية فليس لهم لباس خاص بهم، بل يرتدون كالعامة اللباس الشعبي، إنما اُشتهر بينهم أن العلماء والأئمة لا يلبسون العقال، على الرغم من أن بعض أساتذة الشريعة في الجامعات يرتدونه· فروقات لا خروقات ويرى فضيلة الشيخ محمد الشمري (الكويت) أن الفروقات التي يلاحظ وجودها في ألبسة الأئمة بين منطقة وأخرى، لا تعني ولا تشكل خروقات لتعاليم ديننا ولا عادات المجتمع، لأن كلا منا يرتدي زياً متناغماً مع الزي الرسمي السائد في بلده، و تتصف جميعها وتتفق على تغطية كامل الجسم من الرأس وحتى القدمين، ويلتزم الجميع به كزي عربي، فما من علماء وأئمة في عالمنا العربي إلاّ ويرتدون الثوب العربي والعباءة، باستثناء الدعاة المدنيون· تغيير شكلي ويستشهد فضيلة الشيخ سعيد بن سالم- إمام مسجد في سلطنة عمان، بما روي عن ابن فارس: ترك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم مات ثوبي حبرة وإزاراً عمانياً وثوبين صحاريين وقميصاً صحارياً وآخر سحولياً وجبة يمانية وثوباً أبيض اللون وقلانس صغاراً لاطئة ثلاثاً أو أربعاً · ويضيف: طال التطور الاجتماعي الذي طرأ على مجتمعاتنا لباس الأئمة في الخليج والبلاد العربية، فاستمرت عناصر الزي الأساسية ثابتة على ما هي عليه ثوب وحزام وغطاء رأس وعباءة لكن التغيير طال شكلها بين بلد وآخر· و جاء في الموقع الإلكتروني لفضيلة الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسون، المفتي العام في سورية: روي عن جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه: خطب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الناس وعليه ثوب ناصع وعمامة · وذكر فضيلته: يكمن الدور الحقيقي لدور العبادة بعيداً عن الجمود والتطرف الفكري، فالإسلام دين يسر، يتميز برفعة ويسر الخطاب الديني والإنساني على المستويات كافة، ويعنى بالحث على التمسك بجوهر تعاليم الدين الحنيف، ويتحقق هذا للمؤمن من خلال التعرف على شمائل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الحياة اليومية· العمامة والطربوش ويرى بشير سليم بشير، الباحث في التاريخ: أن لعاملي التاريخ والجغرافيا دوراً بارزاً في وجود اختلافات في شكل وهيئة لباس علماء الشريعة وأئمة المساجد في العالمين العربي والإسلامي، ففي بلاد الشام كانت العمامة البيضاء هي السائدة لدى الأئمة، لكن العثمانيين فرضوا على المنطقة زيّهم، فحلّ الطربوش الأحمر بديلاً للعمامة، لذا كان الأئمة يلفون وشاحاً أبيض اللون حول الطربوش، ويرتدون الجبة السوداء كي يلجأ إليهم الناس ليستزيدوا من علمهم· ومعظم أئمة العراق و بلاد الشام (سوريا ولبنان وفلسطين والأردن) يرتدونه، بينما يرتدي غالبية الأئمة في سوريا العمامة البيضاء، وفي العراق العمامة السوداء بقياسات مختلفة· وهذا ما ينطبق على الزي الأزهري -نسبة للأزهر- والفارق أن طلبة العلم الذين في مراحلهم التعليمية يرتدون العمامة، وبعد التخرج يعتمرون الطربوش -وهو أصغر وأقل ارتفاعاً من الشامي- ويلفونه بوشاح أبيض· في حين يلتزم الأئمة في منطقة الجزيرة والخليج العربي بالزي الوطني المؤلف من ثوب أبيض -غالباً- وبشت أسود، وشماغ يختلف لونه بين دولة وأخرى، فهو أبيض في الإمارات والكويت والبحرين، مع عقال أسود، وأحمر في السعودية وقطر دونما عقال· قولان لا ثالث لهما يقول الباحث الإسلامي محمد أبو القاسم- المغرب: يصح في مرجعية لباس الأئمة قولان، الأول: أنه ذو منشأ ديني، لكن لا يوجد نص تشريعي أو سنّة يُلزمان به· بل يُعرف أن يعقوب بن إبراهيم السحمي البجلي (أبو يوسف القاضي) هو أول من استحدثه وأوصى به الفقهاء، كي يعلم الناس أن هؤلاء علماء متبحرون في الدين يمكن اللوذ بهم والرجوع إليهم للمعرفة والاستفادة· الثاني: طرأت على الزي تعديلات وتغييرات تنسجم مع كل مجتمع، بحيث تتفق مع العامل البيئي المحلي، فالتراث مجموعة عوامل دينية وتاريخية وجغرافية واجتماعية وإنسانية· لهذا نجد الأئمة في دول المغرب العربي يلتزمون القلنسوة البيضاء -القحفية- مع الثوب المغربي الشهير، وقلة منهم ترتدي القلنسوة أو الطربوش الصغير الأحمر· إذن، يمكن القول أن اتفاق الآراء وتعددها، يؤكد حقيقة أن لباس الأئمة هو إرث تشريفي وقومي تراثي يمتد إلى عصر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ويظهر اعتزاز الأئمة بهويتهم العربية الإسلامية، مثلما يعكس في عيون الناس محبةً واحتراماً لهم، يشعرهم بوقار وهيبة علماء الدين، ويكفينا أن يتجسّد في لابسي هذا الزي النبيل، الإيمان والتقوى وفعل الخير وقيادة المسلمين إلى الصلاح والهدى· لكل نسب عمامة - المتعارف عليه في المذهب الجعفري، أن العمامة بلونها وحجمها تعكس نسب كل إمام ودرجته العلمية والفقهية· فطلاب العلم في الحوزات العلمية تكون عمائمهم صغيرة، ومن يترقى منهم إلى مرتبة حجة الإسلام تكون عمامته أكبر، وعندما يصل إلى مرتبة مثل آية الله أو المرجع الأعلى تكون عمامته بطبقات أكثر وأكبر حجماً· ويرتدي العمامة السوداء -فقط- الفقهاء الذين يرجع نسبهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نسبة إلى كون عمامته سوداء اللون· السحاب··· عمامة الرسول جاء في عيون الأثر في المغازي والسير أن السحاب اسم عمامة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا يخرج يوم الجمعة إلا معتماً بها· أما البردة فهي عباءة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وكانت عبارة عن كساء أسود مربع، وقد خلعها على الشاعر كعب بن زهير حين أنشده الشعر تائباً ومعلناً إسلامه· ومن هنا سميت القصيدة بـ البردة ·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©