الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التعقيد في دارفور... أول ضحايا نضال المنظمات الإنسانية

التعقيد في دارفور... أول ضحايا نضال المنظمات الإنسانية
11 أكتوبر 2007 01:33
كان مقتل 10 جنود من قوات حفظ السلام الأفريقية في التاسع والعشرين من سبتمبر الماضي جنوب ''دارفور'' من قبل فصيل منشق عن واحدة من المجموعات المتمردة الكثيرة المناوئة للحكومة السودانية أمرا صادما، ولاسيما بالنسبة للذين تابعوا مأساة دارفور من زاوية المنظمات الإنسانية المؤيدة للتدخل مثل "Save Darfur" (انقذوا دارفور)، أو مؤسسات مثل ''متحف المحرقة'' الأميركي الذي يصف الأزمة في دارفور بجريمة الإبادة الجماعية· لقد كان أمرا صادما لأنه لم يكن ينسجم مع الرأي التبسيطي لهذه المنظمات على مدى السنوات القليلة الماضية، والذي يتغاضى في الكثير من الأحيان عن الفروقات الطفيفة والتفاصيل الدقيقــــة بخصوص النزاع في دارفور· لماذا كانت هذه المنظمات -التي تعرف الحقائق الميدانية أكثر من أي أحد آخر باستثناء بعض المختصين والمهاجرين السودانيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة- تقدم صورة غير كاملة لما يجري هناك؟ الجواب: لأنها تدرك أن عليها أن تغرق في التبسيط إن هي أرادت إقناع الناس بأن يولوا اهتمامهم للقضية· والواقع أنه حتى تسمية المنظمة -''انقذوا دارفور''- فيها كثير من التبسيط المبالغ فيه على اعتبـــار أنه يوحي بأن ثمـــة ضحيـــة بريئــــة -سكان دارفــور- وجهـــة ينبغي إنقاذهــم منها وهي الحكومة الإسلامية للسودان، وميليشيا الجنجويد الإجرامية· من وجهة نظر عملية، يبدو أن الإغراق في التبسيط على هذا النحو أمر من الصعب تفاديه في كثير من الحالات، بل أساسي· فكل منظمة ملتزمة التزاما قويا تجاه محنة دارفور، مطالَبة بالتنافس على التبرعات مع منظمات ملتزمة هي الأخرى التزاما قويا تجاه مكافحة أحد الأمراض، أو وقف الاحترار الأرضي أو محاربة التشرد، إلخ؛ ذلك أن كل منظمة تنظر إلى قضيتها باعتبارها الأولى والأجدر بالاهتمام والدعم، والحال أنه لا يوجد سوى عدد محدود من المساهمات والتبرعات التي تمنح لهذه المنظمات· قد تقتضي الدقة إيصال رسالة أكثر تعقيدا، ولكنها بدون شك ستكون أقل إقناعا وقوة في هذه الحالة؛ في حين انه لا بد للحملات من أن تكون مقنعة إن كان يراد لها النجاح· في حالة دارفور، هناك في الواقع جدل كبير بخصوص ما إن كانت الحكومة السودانية والجنجويد متورطين في جريمة الإبادة الجماعية؛ فبينما تقول منظمة ''انقذوا دارفور'' و''متحف المحرقة'' والكونجرس الأميركي إنها ضالعان في جريمة الإبادة الجماعية، يرى الاتحاد الأوروبي والعديد من أهم منظمات الإغاثة الإنسانية العاملة في الميدان غرب السودان، أنهما لم يرتكبا جريمة من هذا النوع· كما أن هناك أيضا جدلا محتدما بين الإحصائيين والديمغرافيين، ونشطاء المنظمات الإنسانية حول عدد الأشخاص الذين قُتلوا أو نزحوا عن ديارهم· وسط هذه التجاذبات، يميل النشطاء الذين يدعون إلى تدخل دولي من أجل إنقاذ سكان دارفور عادة -وعلى نحو يمكن تفهمه- إلى قبول واستعمال الأرقام الأعلى؛ وربما ينبغي التذكير هنا بأن الأرقام المخيفة لعدد الموتى هي ما دفعهم إلى الانخراط في هذا النضال أصلا· إن القول بأن الأمور هي أكثر تعقيدا لا يهدف في أي حال من الأحوال إلى التقليل من التزام هذه المنظمات، وإنما إلى القول بأنه إذا كانت الحقيقة هي أولى ضحايا الحرب، فإن التعقيد هو أول ضحايا نضال المنظمات الإنسانية· فلو أن منظمة ''انقذوا دارفور'' قالت: ''إن الوضع في دارفور متشابك ومعقد؛ والحق أنه إذا كانت الحكومة السودانية تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية، فإن المتمردين ليسوا أبرياء كذلك''، فكم هي المساهمات التي كانت ستحصل عليها هذه المنظمة، وكم من المتطوعين كانت ستنجح في إقناعهم بالانضمام إليهم؟ القليل جدا على الأرجح؛ ولكن النزاع تدهور في 2007 إلى نزاع تُحارب فيه الفصائل المتمردة بعضها بعضا، وكذلك هو الحال بين الفصائل داخل الجنجويد· بعبارة أخرى، إنها حرب حيث الجميع يقاتل الجميع· الأكيد أن نشطاء المنظمات الإنسانية لا يتجاوزون حدودهم حين يشددون على أنه لو أن الاتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة تدخلا في ،2004 فإن ذلك كان سيوقف ربما الفوضى التي تعم الإقليم حاليا؛ ولكن اللافت اليوم هو أن الكثير من أشد المدافعين عن تدخل عسكري خارجي قد خففوا ولطفوا أقوالهم وحججهم -على الأقل في المجالس الخاصة- الآن وقد زاد الوضع تعقيدا وضبابية، غير أن ذلــك لـــم يغير كثيرا خطــاب الجمهور· وعليه، فلا غرابة أن يكون هذا الأخير محتارا؛ ذلك أن ما يكشفه مقتلُ جنود تابعين لقوات حفظ السلام هو أن الحديث عن دارفور الحالية -خلافا لدارفور عام 2004- كحالة لأفارقة أبرياء يقعون ضحية عرب إسلاميين لم يعد منسجما مع الواقع؛ وهكذا، فإنه حتى في ظل أفضل النوايا في العالم، فإن نشطاء المنظمات الإنسانية يكتوون بنار مبالغاتهم· لا نقصد مما سلف القول إن الأزمة في دارفور مصطنعة، بل إنها حقيقة وواقعية؛ غير أن تصوير الأزمة في صورة مغرقة في التبسيط باعتبارها صراعا بين الخير والشر مخالف للواقع· ماذا عسى المنظمات الإنسانية أن تفعل؟ صحيح أن البساطة تباع والتعقيد يبقى، إلا أنه من غير المرجح أن تظل أزمة سياسية ما، أو كارثة إنسانية ما، مجرد تنافس بسيط بين الخير والشر· ذلك أن ما يبدو طريقةً لتعبئة الناس وراء قضية جيدة قد يؤدي في النهاية إلى زرع الحيرة بدلا من الالتزام· كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©