الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ليش الشّتّوح طلّق عزيزة؟!»

«ليش الشّتّوح طلّق عزيزة؟!»
22 ابريل 2009 23:23
يتحدث كتاب «ليش الشّتّوح طلّق عزيزة؟! ـ دراسة في النكت السياسية والأساطير والإشاعات (انتفاضة عام 1987 وحرب الخليج الأولى)» عن القصص الشعبية المتعلقة بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ظهرت بين أفراد المجتمع الفلسطيني في الضفة والقطاع في أثناء مرحلتين من مراحل تاريخ القضية الفلسطينية هما مرحلة الانتفاضة الأولى ومرحلة حرب الخليج الثانية عام 1990 إثر ضم العراق للكويت. هذه القصص الشعبية هي طريقة للاتصال وتبادل الآراء والأفكار حول قضية اجتماعية أو سياسية في إطار مجتمع واحد متماسك وله هوية موحدة، بحيث تهم تلك القضية أو المشكلة التي يدور النقاش حولها ذلك المجتمع ككل. عندما تصل قضية من هذا النوع درجة عالية من الجدية أو الخطورة، فإن أفراد المجتمع يشعرون بضرورة تبادل النكت والأساطير والإشاعات حولها، والسبب في ذلك هو أن النقاش وتداول القصص حول المشكلة يكون طريقة التوافق مع المشكلة، مما يعطي المشاركين في النقاش نوعاً من الراحة والاطمئنان. وتبادل القصص والإشاعات حول مشكلة من المشاكل لا يكون عادة هو الخيار الأول في مواجهة المشكلة، وإنما يلجأ الناس إلى ذلك الخيار عندما يشعرون بالإحباط ولا يجدون حلاً عملياً فعالاً للمشكلة. معالجة جدية من خلال القصص المضحكة والنكت والأساطير والإشاعات يشعر أبناء المجتمع وكأنهم يعالجون القضية بعدة طرق منها: 1. يمدون أنفسهم بعدد من الحلول المرغوبة للمشكلة. 2. يقترحون العديد من الحلول الممكنة للمشكلة. 3. ينتقدون قياداتهم لعدم حل المشكلة ويضعون عليهم ضغوطاً اجتماعية لمحاولة إيجاد الحلول. 4. يوضحون آراءهم ووجهات نظرهم بقادتهم. 5. يجدون متنفساً لمشاعرهم بتوجيههم العدوانية تجاه من يعتبرونهم مسؤولين عن خلق المشكلة. 6. عن طريق تبادلهم الآراء والعواطف والضحك والتعبير عن السخط والعدوانية فإنهم يعززون شعور التعاضد والتوحد داخل المجتمع. القصص الشعبية من نكت وأساطير وإشاعات عادة لا تأتي فرادى وإنما بشكل موجات متلاحقة، وتدور كل موجة عادة حول موضوع أو مشكلة معينة ويكون ضمن كل موجة عدة موجات فرعية، وتدور كل موجة فرعية عادة حول شخص يعتبر مهما بالنسبة لموضوع الموجة الجديدة. هذا الكتاب يدرس موجتين من القصص الشعبية الفلسطينية، موجة قصص الانتفاضة الأولى، وموجة قصص حرب الخليج الثانية، وسيعالج التحليل جميع الأبعاد الثلاث عشرة المذكورة أعلاه، بالإضافة إلى بعض الأبعاد التي لم يجرِ ذكرها. والموجات التي ستجري دراستها وتحليلها تحتوي بشكل رئيس على نوعين من القصص الشعبية هما النكتة والأسطورة المعاصرة. وتضم الأسطورة المعاصرة الإشاعة إذ أن الإشاعة هي في الحقيقة أسطورة ولكن لم تتم بلورتها بشكل نهائي. فيما تبقى من هذه المقدمة نقدم تعريفاً موجزاً لهذين النوعين من القصص الشعبية؛ النكتة والأسطورة المعاصرة. النكتة والفلكلور النكتة نوع من القصة الشعبية التي هي فرع من فروع التراث الشعبي، والعلم المختص بدراسة التراث الشعبي هو علم «الفلكلور». والنكتة، السياسية منها بشكل خاص، من أكثر أنواع التراث الشعبي استعمالا وانتشاراً، وأسرعها استجابة للتغيرات الطارئة على الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع، وأسلسها للجمع، ولكنها، على الرغم من ذلك كله، من أقل أنواع التراث الشعبي التي اهتم علماء الفلكلور بدراستها وتحليلها، قد يكون لذلك عدد من الأسباب منها عدم أخذهم النكتة بالجدية المطلوبة، إما لمعرفتهم بأن المجتمع لا يأخذ دراسة النكتة بجدية لأن لعدم قناعتهم أنفسهم بأن دراسة المضحك ليست مضحكة، وأن وراء تجاهل علماء الفلكلور للنكتة تعودهم دراسة ما هو قديم وتقليدي ومتوارث بينما النكتة بصيغتها الظاهرة، وليس بروحها وجوهرها، تكون ظاهرة عابرة ترافق الظروف أو الأحداث التي تطلبت ظهورها وتختفي باختفائها. كذلك فإن معظم علماء الفلكلور، وفي العالم العربي بشكل خاص، يهتمون بدراسة القالب اللغوي الظاهري للمادة الفلكلورية، والقالب اللغوي للنكتة ليس ثابتاً وليس له صيغة تقليدية متفق عليها، بل أنه يغير وتعاد صياغته مع كل مرة يعاد فيها سرد النكتة. مواصفات النكتة هذه، أي كونها قادرة على تلبية الرغبات الممنوعة والمحرمة وكونها قادرة على تحدي السلطة والتمادي على أهم القيم الاجتماعية دون تعريض صاحب النكتة للعقوبة، جعلت من النكتة أداة صالحة، وسلاحاً مفضلاً للتحدي والثورة والانتقام من قبل المستضعفين. أما الأساطير المعاصرة المشار إليها في الأب على أنها أساطير عصرية أو مدنية أو متداولة قابلة للتصديق، فيمكن نعتها بأنها حكايات أو أقاصيص وضعت في أطر مألوفة في الماضي القريب أو التاريخي، ويجري نقلها شفوياً في مجتمع عصري، وهي تتركز في حدث واحد يتعلق بموضوع هام اجتماعيا ومثير للجدل، ويقدم هذا الحدث على أنه حقيقي ولكنه عجيب أو شاذ، وبالتالي غير محتمل الحدوث. دور الأسطورة والأسطورة العصرية، على عكس الأشكال القصصية في الحكايا الشعبية، ليس لها شكل نموذجي كما لا تملك صيغة بداية أو نهاية محددة، فهي توجد بأشكال متعددة ويجري إعادة خلقها وصيغتها مع كل مرة تحكى الأسطورة وتكمن أهميتها في محتواها أو مغزاها أكثر مما في شكلها وبنيتها. وفي الحقيقة فإن شكل الأسطورة من الخفوت بحيث يصعب تمييزها عن مساحة الحديث الذي تضمنها، وعليه فإن تدوين أسطورة واسعة الانتشار في منطقة معينة يتطلب رؤية أجزائها أو مصادرها في مختلف الأحاديث والأقاصيص، وقد وصف مؤخراً مؤلفو مقالة في هذا الصدد الأسطورة بأنها «إشاعة مجمدة». ويوضح الكتاب أن الأساطير توجد كما وجدت دائماً، في جميع المجتمعات البشرية، مع أن درجة الانتشار تختلف من مجتمع إلى آخر وحتى داخل المجتمع نفسه، إلا أن الأساطير توجد لأن الناس يحتاجونها، فهي تؤدي مهمة، شأنها شأن أشكال الأقاصيص الأخرى، وهي تنشأ تلبية لاحتياجات نفسية وعاطفية، وهذه احتياجات موروثة في الطبيعة البشرية، ولكن شدتها تتراوح تبعاً للتغيرات في الأحوال الاجتماعية والمادية التي تمس قدرة النظام الاجتماعي على تلبية احتياجات أفراده الطبيعية والاجتماعية والنفسية والعاطفية، ويبدو أن الأساطير بشكل خاص أكثر استجابة من بقية الأشكال القصصية لهذه التغيرات، وحسبما تقول ليندا دي فإن «التغيرات الاجتماعية والتاريخية قد تؤثر على طبيعة الأسطورة أكثر مما على أي نوع آخر من الفلكلور». ويبدو أن هناك نوعين من الظروف أو الأجواء النفسية ـ الاجتماعية حين يسودان في مجتمع ما يكونان أكثر قابلية لنشوء ونمو واستمرار الأسطورة العصرية، احدهما هو جو التوتر والخوف والقلق الجماعي. ويذهب كارل يونج مثلاً إلى أن جذور الإيمان بالأساطير تعود إلى «التوتر العاطفي الناجم عن وضع يتميز بمحنة أو خطر جماعيين، أي عن حاجة نفسية حيوية، حالة كهذه موجودة اليوم دون ريب». أما ماركس لوثي فإنه يصنف بعض مصادر البؤس أو الخوف الجماعيين حيث يقول «إن الأسطورة تنظر بثبات إلى الأمور المتعذر تفسيرها التي تجابه الإنسان. وبسبب وحشيتها، كالحرب مثلاً أو الأوبئة وخاصة الأمور الخارقة سواء من الطبيعة أو الشياطين أو أرواح الموتى – فإن الإنسان يقف أمامها ضئيلاً وعديم الثقة بالنفس». وفي ظروف كهذه فإن الأسطورة تفسر أو تعلل أو تؤكد أو تنفي أو تبعد أو تسخر أو تساعد الإنسان بطريقة ما على التصالح مع تلك القوى الرهيبة التي سببت المحنة الجماعية. أما النوع الآخر من الأجواء التي تسهل نشوء الأسطورة فهو جو احتدام المشاعر القومية وخاصة إذا رافق ذلك نضال من أجل التحرر القومي ضد غازٍ أجنبي أو محتل أو مضطهد. وفي ظروف كهذه فإن معظم الأساطير تميل إلى تصوير الأبطال المحليين أو الوطنيين وهم يجترحون مآثر خارقة ضد العدو، وأحياناً يتم اجتراح تلك المآثر بمساعدة قوى فوق الطبيعة، لكن غالباً ما ينتصر الأبطال لقيامهم بأعمال بطولية جريئة وحاذقة، مع أنها خارقة إلا أنها واقعية دون اللجوء إلى القوى فوق الطبيعة، ومثل هذه الأساطير تعبر عن القيم أو المثل التي تتضمنها الطموحات الاجتماعية وتساعد على صهر مختلف عناصر الجماعة «فيما يشبه الوعي المشترك العام» حسب تعبير باريدز الذي يعتقد أن هذه الأساطير هي وسائل لدعم الذات. وقد تستحسنها الجماعة أو يستحسنها الأفراد لأنها توفر لهم الكبرياء والعزة واحترام الذات وتعطيهم أبطالاً محليين أو قوميين للتشبه بهم مثلاً، أو تنسج هالة من الأهمية حول أحد الملامح المألوفة وغير المميزة من الأرض». ومهما تكون الظروف التي تؤدي إلى نشوء الأسطورة، فإن الأسطورة تقوم دائما بمهمة الخيال المحقق للاماني. إلا أن هناك، كما يشير الان دونديس، شيئاً مميزاً حول خيال الأسطورة: فالمرء لا يهرب من الواقع إلى دنيا الأسطورة، بل على العكس فإن الأسطورة تمثل الخيال في الحياة الواقعية، وهو أمر هام من ناحية نفسية، فهو إذن خيال «واقعي» لا يصح خلطه مع الخيال الزائف أو الوهمي في الحكايات الشعبية».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©