الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السينما العراقية.. بين واقعية الداخل وفنتازيا المهجر

السينما العراقية.. بين واقعية الداخل وفنتازيا المهجر
22 ابريل 2009 23:15
تعود جذور التعرف على فن السينما في العراق إلى العشرينات من القرن الماضي عندما ظهرت أولى الصالات السينمائية في زمن الأفلام الصامتة، واستمر هذا التواصل مع إنتاج أول فيلم عراقي بمشاركة مصرية وهو فيلم «إبن الشرق» للمخرج إبراهيم حلمي وعرض الفيلم وقتها على شاشة سينما الملك غازي ببغداد في العام 1945. توالت بعدها عجلة الإنتاج السينمائي العراقي وضخت عدة أفلام عراقية خالصة مثل «فتنة وحسن» و»نبوخذ نصر» و»وردة» و»مشروع زواج» وغيرها من الأفلام التي عبرت عن قدرات محلية مدهشة على صعيد الكتابة والإخراج والتمثيل والتنفيذ التقني، ولكن التقلبات والظروف العامة المتمثلة في عدم الاستقرار السياسي أدت إلى بطء حركة الإنتاج وتشتت مشاريع السينما العراقية وتخلفها عن الفورة السينمائية التي شهدتها لبنان ومصر في الخمسينات وما بعدها. أفلام وسط الجحيم وكان لظلال وتأثيرات هذه الجذور والمنابع السينمائية القديمة دور في خلق أرضية مهيأة ومأهولة بالرؤى والتجارب القوية والناضجة لصناع الفيلم المعاصرين في العراق، سواء من المقيمين منهم في الداخل أو أولئك المغتربين في المهجر. هذه النماذج التي تتوفر على نضج فني وحساسية عالية عبرت وبقوة عن إمكانياتها الموضوعية والتقنية على شاشات الدورة الثانية لمهرجان الخليج السينمائي الذي أقيم مؤخرا في دبي. فوسط حضور حاشد ومتنوع لجل التجارب السينمائية الخليجية التي طغت عليها المشاركات الشبابية وبعض الاستعادات الخجولة للمخضرمين في المنطقة، كانت المشاركة العراقية هي الوحيدة التي قدمت تيارين أو اتجاهين فنيين يفترقان مكانياً، ولكنهما يطرحان أسئلة إنسانية ووجودية تكاد تتفق على ضرورة التعافي من آثار الحروب والويلات التي عصفت بأحلام السينمائيين العراقيين، وحولت مشاريعهم الكبيرة إلى أوهام مكدسة وغيوم مالحة ومشتتة في سماء المنافي والعذابات وغربة الأمكنة والأرواح. فالتيار الأول تمثله الأفلام المنتجة داخل العراق والتي تحمل سمة الحوار المباشر مع الوجع المعاش والألم اليومي، ورغم ضمور التمويل والنقص التقني اللذين تعاني منهما هذه الأفلام إلا أنها تفصح وبقوة عن رغبة السينمائيين العراقيين في اختراق حاجز التغييب والإصرار على إثبات الوجود ولو من خلال النوايا الحقيقية والحارقة في آن، فالأفلام المنفذة وسط الجحيم يمكن أن تقدم خطابات ناضجة على مستوى الوعي السينمائي الأكثر قرباً وتماساً مع الراهن القاسي والقابل للتغيير أيضاً. أما التيار الثاني فتمثله الأفلام المنفذة في المهجر وفي صقيع الأمكنة البعيدة والذاكرات النائية التي لم تشف من الحنين ولم تلتئم جراحاتها بعد، قدمت هذه الأفلام خطاباتها التأملية والنقدية من خلال الأعمال الروائية التي تتكئ أحياناً على الفنتازيا وقلق الأسئلة وطرق أبواب المستقبل رغم غموضه وصعوبة تأويله، أما الأفلام التسجيلية التي قدمتها سينما المهجر فقد حملت سمة المغامرة والعودة إلى منابع الطفولة واقتحام المناطق المحرم دخولها في الماضي، ليس من أجل انتهاكها ولكن لكشف الحقيقة التي طالما غطتها المظالم والظلمات والقوانين التعسفية البائدة. متواليات الشجن والحنين «الاتحاد الثقافي» التقى اثنين من المخرجين العراقيين المشاركين في المهرجان أحدهما يقيم في الداخل وينتج أفلامه وسط ظروف مربكة وقاسية وهو المخرج هاشم العفاري، والثاني هو المخرج والمصور المخضرم قتيبة الجنابي الذي يقيم في لندن وينفذ أفلامه هناك بروحية البحث عن ذاكرة مختطفة وحنين يقاوم انكساراته من خلال الفن العراقي الحاضر في تلاشيات المنفى. يقول المخرج هاشم العفاري عن طبيعة مشاركته في المهرجان: «أشارك بفيلم روائي قصير بعنوان «صحافة» تدور أحداثه حول معاناة الصحفيين العراقيين في زمن ما قبل التغيير، والذي كنا نسميه زمن تكميم الأفواه ومصادرة الحرية الإعلامية وحصرها في اتجاه واحد قائم على المديح والتبجيل». وعن ظروف تصوير وإنتاج العمل قال العفاري: «نظراً للظروف الأمنية الحرجة والمقلقة، كنا نحتاج أحياناً إلى معجزة كي نباشر التصوير في مكان يخدم أجواء الفيلم، أما الأمور التقنية وعمليات المونتاج فقامت على جهود شخصية بحتة وبمساعدة الأصدقاء والمعارف». وعن تقييمه للمشاركة العراقية في المهرجان قال العفاري: «اعتمدت الأفلام العراقية المنفذة في الداخل على الإنتاج الشخصي وكانت على تماس مباشر مع تداعيات الغياب الأمني فكان من الطبيعي أن تلجأ إلى الشكل التسجيلي، فهو الأكثر قدرة وحساسية على التقاط خبايا وتفاصيل الوضع الراهن، أما الأفلام القادمة من المهجر فمالت أحياناً للجانب التغريبي القائم على تجريب الأدوات الفنية، والقليل فقط من هذه الأفلام استطاع التواصل مع نبض الداخل ولو من خلال الذاكرة ومتواليات الحنين والشجن». وعن دور المهرجان في تنشيط المناخ السينمائي الخليجي والعراقي على وجه الخصوص يقول العفاري: «هذا المهرجان بمثابة المنصة التي نطلق من خلالها هواجسنا وطاقاتنا السينمائية، وهو يمثل أيضاً فرصة ذهبية للتواصل والحوار مع أخواننا السينمائيين في دول الخليج، وكذلك التعرف على مخرجين عراقيين كان من المستحيل أن نتواصل معهم لولا وجودنا تحت خيمة مشتركة وفرتها لنا مشكورة إدارة المهرجان والقائمين عليه». أما المخرج قتيبة الجنابي المشارك بفيلمه الوثائقي «عكس الضوء» فيشرح طبيعة الفيلم قائلاً : «هو فيلم أقرب إلى التجريب ويعتمد على التعبير من خلال لغة الصورة وبعيداً عن الأسئلة والحوارات الكلاسيكية التي عادة ما تطرح في الأفلام الوثائقية التي تتناول شخصية معروفة». ويضيف: «تناولت في هذا الفيلم شخصية الفنان العراقي الكبير محمود صبري المقيم في المهجر منذ سنوات طويلة، والذي يعمل على نظرية فريدة في الفن وهي نظرية (الكم) التي تنطوي على قدر كبير من الغرابة والغموض والتي يرى فيها الفنان صبري فتحاً جديداً في عالم الفن التشكيلي المعاصر، لأنها نظرية فنية تذهب إلى جوهر الأشياء بالمعنى الفيزيائي الصرف، وهي محاولة صعبة ومعقدة فنياً، ولكن حماس الفنان لهذه النظرية جعلني أعيش وسط عوالمه الغرائبية كي أنقلها إلى الشاشة بأبعادها التجريبية التي لا تحتمل الشكل التقليدي». وعن مشاركة الأفلام العراقية في المهرجان: «هي مشاركة متميزة وملفتة دون شك، كما أن المهرجان نفسه خلق حماساً فنياً ودافعاً ذاتياً لدى المخرجين الشبان العراقيين كي يتواصلوا مع المهرجان في دوراته القادمة». وعن الفوارق التقنية والتمويلية بين أفلام الداخل وأفلام المهجر قال الجنابي: «لا توجد فوارق كبيرة فنحن أيضاً نعاني من صعوبة تمويل المواضيع العراقية في شركات الإنتاج الغربية، فالحماس السابق تجاه هذه المواضيع انطفأ وخفت ضوؤه كثيرا مقارنة بالسنوات السابقة، وقد يعود السبب إلى الحالة السياسية الجديدة وغياب عنصر الفضول والإثارة التي طغت على المشهد العراقي قبل خمس سنوات من الآن». على ضفتي الأمل واليأس وهنا جولة في أهم الأفلام العراقية المشاركة بالمهرجان في أقسامه الثلاثة: الروائي الطويل والروائي القصير والتسجيلي: يناقش الفيلم الروائي الطويل «فجر العالم» للمخرج عباس فاضل تداعيات حرب الخليج وأثرها المؤلم على النسيج الاجتماعي في العراق وذلك من خلال قصة الزوجين «مستور» و»زهرة» اللذين يفرقهما الموت بعد مشاركة مستور في الحرب، وعندما يعود صديقه رياض من الحرب يتقرب من زهرة ويطلب يدها تنفيذا لوصية مستور، ومن خلال هذه العلاقة الجديدة والمستحيلة تتحول حياة زهرة إلى مأساة شخصية يختلط فيها الوهم بالواقع، ويتبخر عشقها القديم فوق الصدمة اللاهبة للغياب والانتظار الأبدي. أما الأفلام الوثائقية العراقية فأتت زاخرة بالمشاركات التي تحمل قلق المستقبل وأسئلة الهوية والمعتقد والإيغال في المسارات المؤلمة للماضي بكل جراحاته وآثاره الدامية على الذاكرات والأمكنة على السواء، فيتحدث فيلم «عدسات مفتوحة على العراق» عن محاولة المخرجة ميسون باجه جي توثيق مشروع فوتوغرافي لخمس نساء من خمس مدن عراقية مختلفة يعشن في بيت دمشقي قبل العودة للوطن والبدء في مشروعهن الذي دونه صعاب ومشقات كبيرة. ويعود المخرج المعروف قاسم عبد في فيلم «ما بعد السقوط» إلى بغداد في العام 2003 ويروي بكاميرته حكاية مكثفة تختصر السنوات اللاحقة لسقوط بغداد من خلال القصص والأحداث الواقعية التي مرت بعائلته وبعائلة أخرى ثكلت بغياب ابنها (علي) الذي قتل في ظروف غامضة ولم يعثر على جثته حتى الآن. ومن أهم الأفلام الروائية القصيرة التي قدمتها المشاركة العراقية فيلم «أرض الرافدين» للمخرج فنار أحمد والذي حصد الجائزة الأولى لفئة الأفلام الروائية القصيرة في المهرجان، ويتناول الفيلم قصة غرائبية عن أشخاص يختبئين في ملجأ عميق تحت الأرض عندما يتحول العراق في العام 2020 إلى ساحة مفتوحة للحرب الأهلية الطاحنة بعد رحيل القوات الأميركية والدولية، يكتظ الفيلم بأجواء كابوسية وتشاؤمية تصيب الساكنين في الملجأ بحالة من الانفصام واستدعاء الموتى من خلال رسائل وهمية لا نعرف من أين تجيء وإلى أين تذهب، ويصبح الطفل الذي يسكن الملجأ صلة الوصل الوحيدة في الفيلم مع العالم الخارجي، وذلك عندما يخترق حاجز الخوف والوهم ويخرج وحيداً لمجابهة المجهول، وتتضمن النهاية المفتوحة للفيلم الكثير من التأويلات والرموز المتأرجحة على ضفتي الأمل واليأس. إن مشاركة الأفلام العراقية في المهرجان دليل على النهوض والتعافي المنتظر للسينما العراقية، فهي من خلال البحث عن وعد جديد، والخروج من رماد وخرائب النكسات المتلاحقة فنياً واجتماعياً وسياسياً، وإعادة الوصل المقطوع مع منابع سينمائية عريقة وروافد بصرية خصبة ومبثوثة بعمق في ذاكرة الفن السابع، جمعت هواجسها العامة والمتشابكة لتكون سمة ومناخ الأفلام العراقية فيما قدمته وما ستقدمه في الأعوام المقبلة. حاز فيلم «مريمي» للمخرج البحريني علي العلي جائزة أفضل سيناريو سينمائي في المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة بمهرجان الخليج السينمائي. وتم منح شهادة تقدير للفنانة فاطمة عبدالرحيم لمشاركتها في الفيلم. وأثار فيلم «مريمي» جدلا واسعا غداة عرضه، اذ حضر العرض أكثر من 600 ناقد ومشارك في المهرجان وأثنوا على الحرفية العالية التي أنتج من خلالها العمل.. ويتناول الفيلم قصة راقصة بحرينية في الستينات، يعجب بها شاب معقد جداً، وتدور الأحداث في بيئة ساحلية مفعمة بالشاعرية.. والفيلم من تأليف السيناريست محمد حسن أحمد وبطولة جمعان الرويعي وفاطمة عبدالرحيم.. وقال المخرج البحريني علي العلي «أنا فخور جدا للأصداء التي حققها فيلم «مريمي»، إذ أن الكثير من النقاد رشحوه لنيل إحدى الجوائز الرئيسية، وهو ماتحقق فعلاً، وأدعو وزيرة الثقافة والاعلام الشيخة مي بنت محمد آل خليفة لرعاية السينما البحرينية التي أجزم أنها تخطو اليوم بداياتها، وهي بدايات في الطريق الصحيح».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©