الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الهدية

الهدية
9 أكتوبر 2007 23:35
كان سعيد بن الوليد الكلبي كاتباً للخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بن مروان· وبينما كان جالساً عنده أقبل عمر بن هبيرة فتكلم بين يدي هشام بكلام بليغ نال إعجاب هشام بشكل ملحوظ·· حتى التفت الى سعيد فقال: ما مات من خلف مثل هذا· فأكل الحقد قلب سعيد مخافة أن يطغى عليه عمر في نظر هشام، فقال لهشام: ليس هناك يا أمير المؤمنين، ألم تر كيف يرشح جبينه لضيق صدره؟ فسمعه عمر فاقترب وقال في الحال: ليس لذلك رشح جبيني·· إنما رشح لما رأيت مثلك يجلس مجلساً ما استحقه بعلم ولا خلق ولا دين· فأفحمه وازداد هشام إعجابا به، حتى جعله يسير معه في موكبه متأخراً قليلاً· بيد أن حقد سعيد لم ينته، وإنما جعل يدبر مكيدة يقضي بها على عمر عند أمير المؤمنين ولا يستطيع النجاة منها· وكان الخليفة هشام مولعاً بجياد الخيل، حريصاً على اقتنائها· فأعد سعيد مبلغا ضخما تكبد الصعاب في جمعه وبعث رجالا له في أماكن متفرقة ليشتروا أروع أنواع الجياد، ففعلوا· فاتفق مع غلمان له أنه عند خروج هشام بموكبه يطلقون الجياد لتعارض الموكب، فإذا سأل عن صاحب هذه الجياد قالوا إنه عمر بن هبيرة· وبالفعل، فإنه عندما خرج هشام بموكبه أطلق الغلمان تلك الجياد فتعرضت للموكب بعددها الضخم ومنظرها الجميل حتى اضطرب سير الموكب ولاحظ هشام ذلك فغضب غضباً شديداً، رغم إعجابه بتلك الجياد وقد هاله أن تكون هذه الجياد لغيره، ونادى الغلمان وسأل جياد من هذه التي تعرضت لموكبنا؟ فقالوا بلسان واحد انها جياد عمر بن هبيرة· فقال: عجبا! من أين له بالأموال التي حصل بها على هذه الجياد؟ اختان من أموالنا ما اختان، ثم أقبل علينا فوالله ما رضيت عنه بعد، ثم هو يباريني بالخيل، ويتجرأ على ان يجعلها تعترض موكبي؟ وأمر بإحضاره فوراً، وكان عمر يسير في المؤخرة كما رسم له الخليفة فأحضروه عنوة لا يدري ما الأمر، وأقبل مسرعاً فوجد الخليفة يكاد يتميز غضباً، فسلم فلم يرد عليه هشام، بل قال له في غضب واضح: ما هذه الخيل يا عمر؟ فأدرك عمر في الحال أنه وقع فريسة مؤامرة ضده وأن هشاما قد اقتنع بها فلن يفلح فيها الإنكار· فقال في الحال إنها لي يا أمير المؤمنين· قال هشام: أو تعترف أيضاً؟ قال: يا أمير المؤمنين·· إني أعلم إعجاب أمير المؤمنين بجياد الخيل، وحبه لها فدفعني حبي لأمير المؤمنين أن أبذل كل ما أملك وأن أذهب الى كل الأماكن الشهيرة بجياد الخيل حتى جمعت أجملها هدية متواضعة لأمير المؤمنين، ورأيت ان أعارض بها موكبه ليتمكن من رؤية حسنها وجمالها·· ولي كبير الأمل ألا يرد أمير المؤمنين هدية أحد خدمه، وأن يتفضل بأمر خدمه أن يأخذوا هذه الخيل· فإذا غضب هشام يتبدل سرورا، ووطدت الحادثة مكانة عمر لدى هشام، وخسر سعيد تدبيره وخيله وماله·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©