الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عودة بوتو ... صفقة سياسية تغضب الباكستانيين

عودة بوتو ... صفقة سياسية تغضب الباكستانيين
9 أكتوبر 2007 22:12
قال لي ''عاطف جهانجير'' وهو يجلس في دائرة خافتة من الضوء المنبعث من سوق ''راجا'' في وقت متأخر من ليلة باردة من ليالي الأسبوع الماضي:'' إن أحداثا مثل تلك التي وقعت هنا خلال هذا الأسبوع يمكن أن تدفعني إلى الإرهاب''· كان هذا اعترافا غير متوقع في الحقيقة؛ ولا يرجع ذلك إلى أن الشاب الذي أدلى به يعبر عن وجه باكستان المعتدل، من حيث كونه طالبا يدرس إدارة الإعمال، يتسم بالثقافة والمظهر العصري ولا يربي لحيته، ولكن أيضا لأن صفقة تقاسم السلطة المعلن عنها الأسبوع الماضي بين الرئيس ''برويز مشرف'' والزعيمة السياسية ''بنازير بوتو'' لقيت ثناء من العديد من الدوائر في الغرب باعتبارها تمثل حجر الزاوية لعهد من الهدوء السياسي في باكستان· فتلك الصفقة التي جعلت السيد ''جهانجير'' يستشيط غضبا، لن تؤدي من وجهة نظره إلى تحقيق الهدوء السياسي، وإنما ستؤدي إلى خلق المزيد من الإرهاب بين الناس''· فعلى الرغم من أن لغة الحوار في باكستان تنحو بشكل عام للتطرف، إلا أن الأمر الذي لا شك فيه هو أن إعادة انتخاب مشرف في منصب الرئيس، والصفقة التي أبرمها مع السيدة ''بوتو'' قد أدتا إلى مفاقمة الغضب في أجزاء كثيرة من البلاد· فالمواطنون لا يعتبرونها خطوة نحو الديمقراطية، وإنما يعتبرونها صفقة من صنع الولايات المتحدة، هدفها مساندة النخبة الباكستانية الحاكمة، التي يتم النظر إليها بوجه عام على أنها نخبة فاسدة· فهذه الصفقة مست وترين حساسين في نفوس الباكستانيين، وهما، إحساسهم بأن الولايات المتحدة تتدخل في شؤون بلادهم أكثر مما يجب، وأن نظام العدالة في بلادهم يحابي النخبة ويظلم الفقراء· ''بمساعدة أميركا تمكن مشرف و''بوتو'' من إنقاذ نفسيهما، فهي تريد كرسي رئيس الوزراء وهو يريد أن ينجو بجلده''، كان هذا ما سمعته من ''خالد إقبال'' الذي يعمل في مجال الخدمات الكهربائية· يذكر أن ''مشرف'' قد أعيد انتخابه بأغلبية كاسحة يوم السبت الماضي من قبل المجالس التشريعية الفيدرالية والإقليمية -الرئيس في باكستان لا يتم انتخابه من قبل الشعب- وإن كانت المحكمة العليا لم تقرر بعد ما إذا كان ترشيحه قانونيا أم لا· وتقول مصادر المحكمة العليا أنها حكمها بشأن مدى قانونية شغل ''مشرف'' لمنصبي الرئيس وقائد للجيش معا، لن يصدر قبل السابع عشر من أكتوبر الحالي· وإلى أن يصدر هذا الحكم سيظل مصير الصفقة التي توصل إليها كل من ''مشرف'' و''بوتو'' معلقة، وإن كانت الخطوط العريضة لما قد يحدث قد غدت واضحة؛ فإذا ما قامت المحكمة -كما هو متوقع- باعتماد شرعية الانتخاب، فإن مشرف سيتخلى عن زيه العسكري وستتمكن ''بوتو'' من خوض الانتخابات لفترة ثالثة كرئيسة وزراء· وكان مشرف قد تمكن من تمرير مشروع قانون بالعفو عن ''بوتو'' والسماح لها بالعودة إلى البلاد قبل الثامن عشر من أكتوبر، وإسقاط كافة التهم الموجهة إليها من قبل، ومنها تهم تتعلق بسرقة ملايين الدولارات من مخصصات الحكومة خلال الفترتين اللتين تولت فيهما منصب رئيس الوزراء في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي· هذا الجانب تحديدا هو ما يغضب معظم الباكستانيين بشكل عام والسيد ''جهانجير'' بشكل خاص، الذي يقول وقد تملكه غضب عارم ''لقد تم العفو عن جميع اللصوص والفاسدين··· أي نــوع مــن العدالــة هذا بربــك ؟''· أمـا ''خالــد رحمان'' -أستاذ العلوم السياسية بمعهد دراسات السياسة في إسلام أباد- فيقول: ''إن ما تحتاج إليه باكستان حقا، هو أن يتم بناء مؤسساتها بطريقة تصبح بموجبها هذه المؤسسات هي المسؤولة عن تطبيق العملية الديمقراطية لا الأفراد، فهذا وحده هو الكفيل بزيادة نفوذ الشعب في نهاية المطاف''· وتلك الصفقة أدت إلى زيادة إحساس الباكستانيين بأن سلطات بلادهم تتلاعب بالعدالة، ومن هذه الزواية فقط ينظر ''جهانجير'' إلى الأميركيين بشيء من الحسد حيث يقول: ''بصرف النظر عن دينهم وعقائدهم إلا أنهم يتمتعون على الأقل بحكم القانون''· ولكن الأمر المؤكد هو أن الدور الذي لعبته أميركا في إنجاز تلك الصفقة ونجاحها في الجمع بين غريمين من أجل إضفاء صبغة ديمقراطية على نظام مشرف، يفاقم من الشعور بالعجز السائد هنا· ومن بين الأصدقاء الذين كانوا يجلسون مع ''جهانجير'' بالقرب من سوق ''راجا''، كان هناك رجل رفض أن يصرح باسمه بدا غاضبا وهو يتابع مجريات الحديث قبل أن ينفجر في النهاية قائلا: ''إن الأميركيين هم الذين خططوا لهذا الأمر برمته··· فهم الذين اختاروا الرئيس وهم الذين اختاروا رئيسة الوزراء، فلماذا تأتي أنت الآن كي تسألنا عن رأينا فيما حدث؟'' في الحقيقة أن العديد من الباكستانيين يشعرون في اللحظة الحالية أن مصيرهم قد تحدد دون أن يكون لهم رأي فيه· وعلى الرغم من أن عودة ''بوتو'' من منفاها، كان يمكن أن يكون حدثا مسببا للبهجة بين العديد من الباكستانيين منذ سنوات قليلة، إلا أن ذلك لم يحدث هذه المرة، حيث يرى باكستانيون كثيرون أن ''بنازير'' قد أضرت بمصداقيتها، عندما تحالفت مع رئيس غير محبوب، ثم أتبعت ذلك بعدد من البيانات والتصريحات غير المتروية، منها ذلك التصريح الذي قالت فيه إنها ستسمح بدخول القوات الأميركية إلى باكستان للبحث عن أسامة بن لادن· وهي فكرة غير مستساغة هنا إلى حد كبير، ليس حبا في ابن لادن ولكن استياءً من تنامي النفوذ الأميركي· ربما يكون الهدف من مثل هذا التصريح من جانب ''بوتو'' هو تأمين الدعم الأميركي لمحاولتها العودة لحكم باكستان، ولكنها مع ذلك أثبتت بهذا التصريح حسبما يقول ''رسول بخش'' -أستاذ العلوم السياسية بجامعة لاهور لعلوم الإدارة-: ''فكرة لم تعد تضع يديها على نبض الشعب''· موقف ''بوتو'' الأخير وتصريحاتها قد أديا إلى تعزيز وضع رئيس الوزراء السابق المنفي ''نواز شريف'' الذي كان بإمكانه أن يشكل منافسا قويا في مواجهة ''مشرف''، على الرغم من أنه ليس معروفا ما إذا كان سيسمح له بالعودة إلى البلاد مرة أخرى أم لا· بيد أن الأمر المؤكد في هذا السياق هو أن ذلك الموقف والتصريحات قد أديا إلى تعزيز وضع محامي باكستان الذين بدأوا الانتفاضة الحالية ضد مشرف منذ ستة شهور، عندما نزلوا إلى الشوارع عقب محاولة الجنرال إقالة رئيس المحكمة العليا في باكستان· مارك سابنفيلد- إسلام أباد ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©