الأزمة السكانية اليابانية: نبع الإنجاب يجف!

خلال كشفه عن أكبر مخطط لتنشيط الاقتصاد في تاريخ اليابان، قدم رئيس الوزراء ''تارو آسو'' هدية من نوع خاص الأسبوع الماضي للأسر الشابة في أكثر مجتمع شيخوخة في العالم حين قال: ''وسط هذه الأزمة الاقتصادية، من الأهمية بمكان حماية مستقبل أطفالنا''، معلناً عن مضاعفة الإنفاق على رعاية الأطفال خلال العام المقبل• غير أن تعهده لم يغير شيئاً من إجماع قديم بين منظمات الشركات وعلماء الاجتماع والآباء على أن اليابان شحيحة حين يتعلق الأمر بتشجيع النساء على إنجاب مزيد من الأطفال حيث يقول نوبوكو جيتسوكاتا، وهو رئيس جمعية وطنية لحضانات الأطفال: ''الحكومة بكل بساطة لا تفهم••• ذلك أن أي حضانات جديدة لم تُبن، والميزانيات قُلصت''• والواقع أن اليابان تأثرت بالأزمة الاقتصادية العالمية إلى حد كبير مقارنة مع بلدان غنية أخرى حيث تقلص اقتصادها بوتيرة أسرع بمرتين من وتيرة تقلص اقتصاد الولايات المتحدة• ومع ذلك، يمكن القول إن الركود ليس سوى سحابة صيف مقارنـــة مــع الإعصار الديمغرافي المنتظر حين سيتسبب نقصان الأشخاص القادرين على العمل في تدمير ثاني اقتصاد في العالم• فعدد الأطفال هنا ينخفض منذ 28 سنة؛ ونتيجة لذلك، تسجل اليابان أدنى نسبة أطفال تقل أعمارهم عن 15 سنة، وأعلى نسبة ممن تفوق أعمارهم 65 عاماً• وحسب تنبؤات صدرت مؤخراً، فإن تراجع عدد السكان يتوقع أن يسلب 70 في المئة من اليد العاملة اليابانية بحلول •2050 لذلك، فإن اليابان بحاجة ماسة إلى تشجيع النساء الشابات على الزواج والإنجاب والبقاء ضمن اليد العاملة؛ والحال أن النساء يملن إلى إرجاء الزواج وتأخير الإنجاب أكثر من أي وقت مضى• ثم إنهن حين يصبحن أمهات، فإن ثلثهن فقط يعدن إلى العمل مقارنة مع نحو ثلثي النساء الأميركيات• في هذه الأثناء، يتحول الضغط على النساء العاملات اللائي لديهن أطفال بسرعة إلى عبء على الشركات وتهديد كبير للرفاهية الاجتماعية اليابانية، كما يقول أكبر اتحاد للشركات اليابانية، وهو ''كيدانرين''• ففي تقرير أصدره هذا العام، دعا الحكومة إلى اغتنام الأزمة الاقتصادية كفرصة لاستثمار 10 مليارات دولار لإنشاء مراكز لرعاية الأطفال نهاراً لفائدة مليون طفل تقريباً• غير أن الحزمة القياسية المخصصة لتنشيط الاقتصاد والتي كشف عنها ''آسو'' الأسبوع الماضي، وتبلغ قيمتها 150 مليار دولار، ترصد 1,5 مليار دولار فقط للإنفاق على رعاية الأطفال، علماً بأن القليل من هذا المبلغ سيخصص لبناء مراكز لرعاية الأطفال نهاراً• وفي هذا السياق يقول كاتسيوشي إيماي، مدير السياسة الاقتصادية في''كيدانرين'' إن ''هناك مشكلة تصور••• بخصوص إلحاح وآنية المشكلة''• ويرى ''إيماي'' أن سن وجنس الزعماء السياسيين اليابانيين يعمل أيضاً ضد حل مشكلة رعاية الأطفال في النهار، لافتاً إلى أن أبرز صناع القرار هم رجال انسحبوا من تجربة تربية الأطفال منذ عقود؛ فآسو مثلا في الثامنة والستين من عمره، وسلفه كان في الثانية والسبعين• غير أن الأمر لا يتعلق بمشكلة ساسة ذكور طاعنين في السن فقط، إذ حتى حين يكون الآباء اليابانيون شباباً، فإنهم يمضون وقتاً أقل في الاعتناء بالأطفال مقارنة مع آباء في بلدان متقدمة• والواقع أن الحكومة واعية جداً بالأزمة السكانية المقبلة حيث يشدد مسؤولون كبار منذ عقود على ضرورة أن تجد اليابان ''توازناً بين العمل والحياة'' يؤدي إلى إنجاب عدد أكبر من الأطفال، فأطلقوا في سبيل ذلك عدداً من البرامج الاستعجالية من أجل زيادة معدل الولادات، لكن الإنفاق الحكومي في هذ الباب لم يواكب الخطاب السياسي المشجع على زيادة الإنجاب• وفي هذا الإطار يقول شيكاكو يوسوي، وهو خبير في سياسات رعاية الأطفال اليابانية ورئيس كلية العلوم الاجتماعية بجامعة ميزوري، إن الالتزام المالي برعاية الأطفال والسياسات العائلية ذات الصلة كان متواضعاً، وإن ذلك ''يَظهر جلياً على الخصوص حين نقارن التزام اليابان مع بلدان أخرى؛ مثل المملكة المتحـــدة والسويــــد وفرنســــا''• بيد أن للمشكلة أسباباً أخرى غير المال؛ ومن ذلك تمييز الشركات ضد النساء وبخاصة إذا كان لديهن أطفال، رغم أن القانون يحظره، حيث وجدت دراسات أن العديد من المشغِّلين يضغطون على النساء حتى يستقلن بعد الولادة عبر نقلهن إلى مكان عمل جديد بعيداً عن منازلهن• ورغم أن الحكومة تقول إنها تريد بقاء الأمهات العاملات جزءاً من اليد العاملة، فإن النظام الضريبي الياباني يعاقب العائلات التي يعمل فيها الوالدان• فمثــــلا إذا كان دخــــل المرأة يفوق 13 ألف دولار سنوياً، فالأرجـــح أن تفقـــد وزوجهــــا خصماً ضريبيــــاً يمكــــن أن تبلــــغ قيمتـــه 20 ألف دولار• وتعليقــــاً على هذا الأمر يقول تاكاتوشي إيتو، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة طوكيو، إن ''النظام الضريبي في حاجة إلى التغيير إذا كانت الحكومةُ ترغب في عمل الأمهــــات أكثر''• إلى ذلك، يصطدم العديد من النساء اللاتي يردن العمل بعد الولادة بقوانين حكومية وسياسات تحول دون الاستفادة من حضانات الأطفال• ويقول يوشيو هيجوشي، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة كيو في طوكيو، إن النساء اللائي لا يعملن ''غير مؤهلات للاستفادة من الحضانـــات الحكوميـــة••• والحال أنهن إذا كــــن لا يستطعن إيجاد مكان لطفلهن في الحضانة، فلن يستطعن العمل''• وحسب متحدث باسم الحكومة، فإن مخطط الإنفاق الحكومي طويل الأمد يدعو لزيادات مهمة في الإنفــاق على رعايــة فئــة كبار الســـن التي تزداد بسرعـــة، في حين لا يوجـــد في المخطط ما ينص على زيـــادة الإنفـــاق على رعايـــة الأطفــال• وهو ما علق عليــه إيماي من اتحاد الشركات اليابانية بالقول: ''إن الساسة يولون أهمية أكبر لكبار السن فقط لأنهم يصوتون''• بلين هاردن - طوكيو ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست