السياسة والأعلام على دنانير العباسيين

استغل العباسيون السخط الذي تعددت مظاهره ضد الأمويين، ونجحت جيوشهم في عام 132هـ في إرغام مروان بن محمد آخر خلفاء الأمويين على مغادرة دمشق، وواصل الخليفة هروبه الى أن قتل في مصر عند قرية أبوصير بمحافظة بني سويف· وأعلن أبوالعباس السفاح نفسه خليفة للمسلمين، واستمرت الخلافة العباسية عنوانا على السيادة الإسلامية لأهل السنة والجماعة حتى سقوطها على يد هولاكو المغولي في عام 656هـ ''1258م'' مع تدهور واضح في نفوذ الخلفاء بداية من عهد الخليفة المعتمد على الله، إذ صار الخلفاء من بعده ألعوبة في يد حكام أقوياء من الأتراك والديالمة، كما استقل العديد من الدول في الشرق الاسلامي بحكم أغلب الأقاليم مع الاعتراف بالسلطة الدينية للخليفة العباسي بوصفه إماما للمسلمين في مواجهة خلافة الفاطميين ثم الأمويين بالأندلس· تغييرات ومنذ اليوم الأول لاستيلاء العباسيين على عرش الخلافة لحق بالدينار الاسلامي أول تغيير في كتاباته منذ تعريب عبدالملك بن مروان للنقد، إذ تم حذف الاقتباس القرآني الذي كان يسجل في مركز الوجه ''الله أحد الله/ الصمد لم يلد/ ولم يولد'' وحل مكانه اسم الرسول ''صلى الله عليه وسلم'' في ثلاثة أسطر ''محمد رسول الله''· وفيما عدا هذا التغيير حافظت الدنانير العباسية الأولى على نفس النقوش الأموية من حيث عدم ذكر اسم دار الضرب والاستمرار في تسجيل شهادة التوحيد بمركز الظهر ''لا إله إلا/ الله وحده/ لا شريك له'' وأيضا الاقتباس القرآني بهامش الظهر ''محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله''· أسماء الخلفاء وجاء التغيير الثاني في كتابات الدنانير على عهد الخليفة هارون الرشيد الذي تقول المصادر التاريخية إنه أول خليفة يترفع عن مباشرة عيار الدنانير بنفسه وسجل مع ذلك اسمه على الدنانير أسفل اسم الرسول ''صلى الله عليه وسلم'' بمركز الوجه ''عبدالله هارون/ أمير المؤمنين'' ومنح ذات الحقوق لعماله في الأمصار، حيث صار كل واحد منهم يسجل اسمه كمسؤول عن عيار الدينار في ذات المكان الذي كان يسجل به اسم الخليفة في دنانير بغداد· وهكذا صار بالإمكان التمييز لأول مرة بين اصدارات الأمصار من الدنانير الذهبية رغم عدم الإشارة فيها الى اسماء دور الضرب، وذلك بمقارنة تواريخ السك مع أسماء الولاة المسجلة عليها· ولم تسجل مسميات دور السك إلا في خضم النزاع الذي نشب بين الأمين والمأمون عقب قيام الأول بخلع أخيه من ولاية العهد ونقضه للوثيقة التي وقعها في حياة الرشيد وأودعت الكعبة، حيث حرص كل قائد تابع للمأمون على أن يسجل اسم دار الضرب في اشارة لخضوعها للخليفة الجديد، وما لبث ان استقر الأمر بعد قتل الأمين في 198هـ على ذكر دور السك في كتابات الدنانير وفي عهد المأمون ايضان ومنذ عام 207هـ تم تزويد هامش الوجه بالدينار بهامش داخلي اضافي الى جانب الكتابة التي كانت تشير الى اسم دار الضرب وتاريخ سك الدينار· واحتوى الهامش الجديد على اقتباس قرآني من سورة الروم نصه ''لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله''، وقد عبرت نقوش الدنانير العباسية عن واقع الحال السياسي في حاضرة الخلافة، حيث حرص الوزراء الأقوياء وأيضا أمراء الترك الذين تلقبوا بلقب ''أمير الأمراء'' على تسجيل اسمائهم على الدنانير الى جانب اسماء الخلفاء على قاعدة ''اقتسام السلطة''، فتلك السياسة يحوزها رجال الادارة المسيطرون على البلاط العباسي، بينما تحول الخليفة الى مجرد رئيس ديني أو إمام يمنح الشرعية الدينية للحكام دون أن يكون له نفوذ حقيقي· الدرهم التقليدي أما الدراهم العباسية فقد ماثلت الدنانير الأموية في تطور كتاباتها دون أن تتخلى عن التقاليد التي رافقت تعريبها في العصر الأموي، حيث كانت تذكر بها أسماء دور الضرب، وتسجل أيضا أسماء وألقاب حكام الولايات عليها؛ وذلك باعتبار أنها نقود محلية في تداولها· وتجعل الدراهم العباسية بأسماء شتى لدور الضرب التي تناثرت في آسيا الاسلامية من حدود الصين شرقاً الى تخوم روسيا غرباً· ومن الملاحظ أن إقليم طبرستان ظل بمفرده خلال العصر العباسي وحتى خلافة هارون الرشيد يضرب الدراهم على نقش النقود الكسروية بصورة يزدجرد الثالث وعلى رأسه التاج المجنح، حيث اكتفى العباسيون بخضوع الاقليم للسيادة العباسية من الناحية السياسية لصعوبة التوغل في جباله الوعرة، ولكن ما لبثت الخلافة أن مهدت لسلطانها في طبرستان وصارت دراهم الجبل تماثل الدراهم العباسية في نقوشها المعربة·