الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شهر الصوم في بيروت.. غناء وصخب في الخيام الرمضانية!

شهر الصوم في بيروت.. غناء وصخب في الخيام الرمضانية!
8 أكتوبر 2007 01:13
غزت السهرات في الخيام الرمضانية معظم أحياء بيروت في تزامن مع انحسار مآدب الإفطار التي كانت الجمعيات والمؤسسات تدأب على إقامتها منذ عدة سنوات لجمع التبرعات، وهذا الأمر يدل على فقدان الإيقاع الحياتي لشهر رمضان المبارك، وإلى غياب الكثير من المضامين والروحانيات، حيث غلب عليها المنحى الاستهلاكي البحت، بشكل أدى إلى استبدال أغلب العائلات حميمية السهرات المنزلية، بسهرات في الخيام حيث الكل بأبهى حالاته استعداداً للظهور أمام الكاميرا الحاضرة على الدوام، لنقل وقائع السهرات على شاشات التلفزيون، أثناء وصلة لمطرب الخيمة التي تتراوح بين الموشحات وآخر صرعات الأغنيات الشبابية، فيتبادل الساهرون أحاديث ليلية عبر الهاتف الخليوي، ويدخنون ''نفس معسل'' عبر نرجيلة طمهازية، فيما أطباق الفول المدمس والمناقيش والحلويات وشراب الجلاب والسوس، يطوف بها النادلون بأزيائهم الفولكلورية بين الطاولات·· الخيام التي ترافق الشهر الفضيل وتطغى على غيرها من المظاهر، أثارت ردود فعل تميزت بالحدة، حيث حملت بعض المراجع الدينية على هذه الظاهرة الوافدة إلى لبنان، فشجبوا تسميتها بالرمضانية، لأن لها منحى تجارياً يعتمد الترفيه البعيد عن مفاهيم رمضان وتقواه· فاستنكروا انتشار الخيام وإقامة الحفلات لمناسبة حلول شهر رمضان، خصوصاً أن ليالي هذا الشهر المبارك يجب أن تكون مليئة بالصلاة والدعاء والغفران وقراءة القرآن، ولا يجوز تحويل أيام الشهر -وهو من أفضل الشهور وأيامه من افضل الايام- إلى سهرات فيها من الانغماس ومن الإسراف والبذخ في غير محله، فبدلاً من أن تنفق هذه الاموال في سبيل الأيتام والفقراء والمحتاجين، نراها تصرف على الحفلات الراقصة والصاخبة· الحجز المسبق بعض علماء الدين استغربوا إطلاق اسم الخيام الرمضانية، التي كان من المفترض أن تسمى خياماً فنية أو تمثيلية، لا أن تنسب إلى شهر رمضان، وهو موضوع معروف عند المسلمين والمسيحيين بالعبادة والتقوى والصوم·· فأهالي بيروت كانوا يحيون رمضان بالتسابيح والصلوات، وإحياء الليالي لم يكن يستوجب رسم دخول كما هي الحال مع سهرات بعض الخيام، حيث يفرض الحجز المسبق مع إلزام الساهرين بتناول الفطور أو السحور بأسعار غير تشجيعية لا يقدر عليها سوى الميسورين، لأن كلفة السهرة للشخص الواحد تتراوح بين 35 و50 ألف ليرة لبنانية (بين 20 و30 دولاراً) فما فوق· ففي الماضي كان وجهاء بيروت يستقدمون بعض المنشدين والمقرئين المشهورين خصوصاً للاحتفال بذكرى غزوة بدر الكبرى وذكرى فتح مكة، ثم الاحتفال الكبير بليلة القدر، وهو يقام في جميع مساجد بيروت ويشارك فيه اللبنانيون في مختلف المناطق في حشود شعبية قل مثيلها· إلا أن تعبير الخيام الرمضانية غريب على وجه البلد عامة، فعهد اللبنانيين بالخيام مقطوع منذ تحول الشعب اللبناني عن زمن البداوة إلى زمن الزراعة فزمن الاستيراد دون التصدير· لكن خلو الساحة الترفيهية عموماً من اماكن للقاء لا تستنفد ما في جيوب المواطن، وتخفف الضغط عن كورنيش البحر، كانت لا شك وراء نجاح هذه الموضة، الظاهرة المرشحة للاستمرار والتكاثر في ظل الوضع المعيشي المتفاقم الذي يحول اكثر فأكثر بين المواطنين، وبين ''الصفوة'' منهم، رواد المطاعم وملاهي الليل المستديمين· ''حواضر البيت'' يقول وسيم طبارة صاحب مشروع خيمة ''خان الخليلي'' التي كانت منصوبة في الوسط التجاري: هذا مشروعي الثاني·· لقد أقمت منذ سنوات مشروعاً مشابهاً الى جانب الجامعة الاميركية- اللبنانية، وأنا اصلاً كنت أعيش في مصر، ولما أتيت إلى بيروت وجدت أن الناس لا تفعل شيئاً في لياليها، فقلت في نفسي لم لا أعمل خيمة رمضانية على الطريقة المصرية هنا؟ وأضاف: لقد ألحت الفكرة بعد قيامنا بأسبوع رجال الاعمال المصري- اللبناني منذ سنوات، وأنا عضو في الجمعية، فنجحت والحمد الله·· كنت أريد جمع الناس مثل ايام زمان، كما كان أهلنا يحكون لنا الايام التي لم نعشها نحن· ولقد أضفت فكرة إحياء تقاليد بيروتية، ولذلك تعاونت مع ''السوليدير''، وأسعارنا رخيصة جداً، لاننا لا ''نبغي الربح''· إن تسلية الصائمين بعد الإفطار تبدأ مع البرامج التلفزيونية وإن انحسر نشاطها منذ عامين، بسبب عصر النفقات وتحضير برامج من ''حواضر البيت'' عوضاً عن شراء المسلسلات والبرامج الضخمة الانتاج، كما جرت العادة كل عام، أو لأن السهر خارج المنزل بات يستقطب معظم العائلات مع التنوع الغني لأماكن السهر· سمة التنوع هي تظاهرة المقاهي المستوردة والخيام المنصوبة لإحياء الليالي الرمضانية، ولتحويل بيروت إلى ''موزاييك'' غني حتى حلول موعد السحور، واجتياح الخيام الرمضانية للأمسيات البيروتية بدأ خجولاً العام الماضي ثم أصبح يحظى بإقبال منقطع النظير، ويحول ليل الصائمين الى مهرجانات للأطعمة والأغاني الطربية والنارجيلة التي وصل ثمن ''نفسها'' في بعض المقاهي الى اكثر من خمسة عشر دولاراً، وبلغت الخيام الرمضانية خمس عشرة في بيروت، فيما حظيت كل من طرابلس وصيدا بخيمة واحدة حفلت بكل الأجواء الشعبية وكراسي الخيزران والخوابي الفخارية وأحجار الرحى· أراضي المقاهي أو الخيام حملت أسماء الشوارع البيروتية، والجدران يغطيها السجاد العجمي، والى جانبي المسرح رسوم لأبو العبد مع أمثلة مستوحاة من التراث البيروتي، أما برامج السهر فهي مسلية وطريفة، العود هو النجم، وأغنيات سيد درويش وعبده الحامولي وزكريا أحمد وعبد الوهاب، يدندنها مطرب الخيمة، اضافة الى تقديم الفوازير والأغنيات الانتقادية التي كان يشغل بها الفنان الراحل عمر الزعني بال السياسيين في الاربعينات، وتختص الخيام الرمضانية بتقديم الأطباق البيروتية التقليدية كحلوى ''المفتقة'' ومختلف انواع الفتة والشاي بالنعناع والبيض بالاورمة والكشك، ويخدم الزبائن ''نادلون'' يرتدون السروال البيروتي والطربوش الأحمر· إن أصحاب الخيام اليوم يدخلون حرب الشائعات الرمضانية، فالجميع يدعي انه بدأ بالفكرة اولاً، ولا شك انه واحد منهم، ولكن من؟! المطلوب في هذا الشهر الفضيل العودة الى التراث الرمضاني الحقيقي، الذي ورثناه عن أجدادنا، والابتعاد قدر الإمكان عن كل ما يشوه هذه الليالي الفضيلة، حيث استغل البعض المناسبة من أجل تحويلها الى منحى تجاري، فالسهرات يجب ان تكون مليئة بالصلاة والدعاء والغفران وقراءة القرآن، ولا يجوز تحويل ايام الشهر الذي هو من افضل الشهور الى سهرات فيها من الإسراف والبذخ في غير محله·
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©