الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سجناء جوانتانامو·.. وصمة أميركا السوداء

سجناء جوانتانامو·.. وصمة أميركا السوداء
8 أكتوبر 2007 00:46
إنني أكتب هنا من ثكنات الجيش، تحديداً من الوحدة السكنية الخاصة بالجنود الأميركيين في سجن جوانتانامو، ويا له من مكان غريب لإقامة الثكنات العسكرية· فهنا تتجسد سخرية هذا المكان، تماماً كما تتجسد المأساة فيه· فالشعار السائد هو ''شرف الدفاع من أجل الحرية''، في حين أن موكلي المحتجزين من سجناء الحرب على الإرهاب، لا يتمتعون بأي منهما· وعلى الرغم من أنني أمضيت أسبوعي الماضي كله في اللقاء بهم والاستماع إليهم، إلا إنه ليس في وسعي الإدلاء بكلمة واحدة مما قالوه لي· والسبب هو أن كل كلمة نتفوه بها مما قيل، تعد في نظر ''واشنطن'' مهدداً محتملاً للأمن القومي، لذلك لا بد من الخضوع للرقابة الصارمة· في اعتقادي الشخصي أن معظم السرية المفرطة المضروبة على أخبار هذا السجن، لها علاقة بالحرص على عدم تسرب الأخبار السيئة، أكثر مما يستحق التصنيف أو فرض السرية عليه بالفعــل؛ ومهمــا يكـن فإن عليّ أن أطيع القوانين أو أن أدخل السجن أنا بنفسي· ولذلك وحتى أحصل على الإذن اللازم، فإن عليّ أن أكتب عما رأيت وليــس عمـــا سمعــت مــن السجناء· كنت قد التقيت بالصحفي سامي الحاج بقناة الجزيرة، الذي اعتقل في باكستان نهايات عام 2001 بحجة أنه صور فيلماً توثيقياً مع أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة؛ وكان في وسع الكثيرين الذين تعرضوا للاعتقال خطأً تحمل بعض المضايقات التي تعرضوا لها في إطار المساعي المبذولة لتعقب وإلقاء القبض على مدبر هجمات 11 سبتمبر المروعة· لكن وكما تكرر الأمر في أكثر من حادثة، فقد اتضح لاحقاً أن أجهزة المخابرات الأميركية كانت مخطئة في تقديراتها الخاصة بحالة سامي الحاج، ومع ذلك بقي سامي حبيس السجن إلى اليوم· وبحلول الذكرى الخامسة لبقائه في السجن، فقد نفد صبره وقرر البدء بالإضراب عن الطعام -منذ 271 يوماً غدت-، وحسب أخلاقيات المهنة الطبية لا يجوز إرغام مضرب راشد وكامل الأهلية الذهنية على تناول الطعام، وحرمانه من التعبير عن شكواه، حتى ولو أدى ذلك إلى موته· غير أن ''البنتاجون'' تدرك جيداً من ناحيتها أن موت سجين مضرب عن الطعام، سوف يكون وصمة جديدة في جبين الولايات المتحدة الأميركية، ولذلك فقد أرغم سامي على تناول الطعام· وكأن ذلك الإجراء لم يكن كافياً، فقد أعلن الجنرال ''بنتازجي· كرادوك'' إثر توليه قيادة القيادة الجنوبية الأميركية، أن جنوده نجحوا في جعل الإضراب عن الطعام أقل راحة للمضربين· فبدلاً من تثبيت أنبوب التغذية في أنف المضرب، فإنهم يزيلونها ثم يعيدونها إلى مكانها مرتين يومياً· وسؤالي هنا: هل سبق لأحدنا مطلقاً أن تعرض لتجربة إدخال أنبوب يبلغ طوله 43 بوصة عبر أنفه وصولاً إلى حلقه؟ والإجابة أنه تعين على سامي الحاج المعاناة من هذه التجربة القاسية للمرة الـ479!! وخلال مقابلتي له، بدا سامي نحيفاً للغاية، بينما ضعفت ذاكرته كثيراً، وما أخشاه ألا يقوى على البقاء أكثر مما فعل، إن استمر في إضرابه هذا· لدى مفارقتي لزنزانته في معسكر ''إيجوانا'' تساءلت كثيراً عن سر صمت زملائه الصحفيين المطبق على اعتقاله· فهنا يقبع زميل صحفي لهم في السجن لما يقارب الست سنوات، من دون أن يقدم لأي محاكمة، ومن دون أن ينهض ضده أي دليل على جرم ارتكبه! كما يتعين عليّ خلال اليوم التالي ترتيب لقاء لي بالسجين ''شاكر عامر'' الذي لم يسبق له مطلقاً أن التقى بابنه فارس الذي ولد بعد اعتقال أبيه، ولا يزال ينتظره في لندن على أمل لقائه يوماً· وعلى الصعيد الشخصي، فإنه يهمني جداً في هذا اللقاء أن أتوجه إلى ''شاكر'' بسؤال عن أجهزة قياس السرعة، التي قالت سلطات السجن إنني أعطيتها إياه أثناء زيارتي السابقة له· وفيما أذكر فقد كان شاكر في تلك المرة مهتاجاً وعصبياً للغاية، خاصة وأن أحد حراس السجن أوعز له بأني يهودي جاء لغرس بذور الفتنة، كما كان شديد الثقة بكوني عميلاً لوكالة المخابرات المركزية الأميركية· ومما يكسب الزيارة هذه أهميتها الآن، هو أن إضراب شاكر عن الطعام قد تجاوز زميله ''سامي الحاج'' بكثير، لأنه استمر لمدة 300 يوم· وأذكر أخيرا أن هؤلاء السجناء يقضون فترة حبس انفرادي في زنازينهم تمتد لـ23 ساعة يومياً، بينما لا يتعرضون لضوء الشمس المباشر إلا ست مرات فحسب في الشهر، وربما تتاح لهم فرصة قراءة مجلة واحدة أسبوعياً· المدير القانوني لمؤسسة ربيرييف الخيرية البريطانية التي تمثل السجناء على نطاق العالم ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©