الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العودة إلى المربع الأول

29 مارس 2008 00:50
يعكس الموقف من الحريات العامة في السودان تراجعاً، بل تردياً واضحاً ينبئ بأن الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) لا ينوي أن يمهد للانتخابات العامة التي ستجرى خلال عام واحد بما يجعلها حرة نزيهة تعبر بحق عن رأي الأغلبية في السودان الشمالي· ولو استمر هذا الحجر على الحريات، وهو''الاحتمال الأكبر''، فإنه سيصبح على القوى السياسية المعارضة إما أن تقبل بالخوض في انتخابات عرجاء ومشوهة، أو تلجأ إلى مقاطعة تلك الانتخابات· أوضح سمات التراجع في الحريات العامة أن رقابة يومية ومباشرة قد فُرضت على الصحف بصورة أدت إلى تعطل بعضها عن الصدور في وقتها المحدد في بعض الحالات··· حدث هذا قبل عشرة أيام، بنشر رجال الأمن في دور الصحف بعد منتصف الليل أو قبيل الفجر، فيطلعون على كل ما في الصحيفة من أخبار أو تعليقات ثم يأمرون بإلغاء كل ما لا يروق في نظرهم، وهو في الغالب أخبار لا تُرضي الحكومة ولا تسرها، أو نقد موجه لأي من سياساتها· ويحرص رجال الأمن على أن يكون تنفيذ تلك الرقابة في ذلك الموعد المتأخر من اليوم، حتى يكون العقاب مضاعفاً في بعض الأوقات، لأن الوقت قد لا يسمح باستبدال المادة الملغاة بالأمر بمادة أخرى، فتتعطل الصحيفة لأنه محرم عليها أن تصدر تاركة فراغاً في مكان المادة الملغاة· والملاحظ أن هذه الرقابة انتقائية بمعنى أنها مفروضة على صحف بعينها، في حين تُركت أخرى بلا رقابة، وهو أمر أكد أن تلك الصحف المعفاة من الرقابة هي صحف حكومية أو خاضعة لنوع من العلاقة مع الحزب الحاكم، رغم أنها تصدر معلنة أنها ''مستقلة''· أما المظهر الآخر للحجر على الحريات، فهو منع كل القوى السياسية المعارضة من الدعوة للخروج في مظاهرة أو عقد اجتماع سياسي جماهيري يكون هدفه مخاطبة جماهير تلك القوى وتوضيح الخطأ أو الأخطاء في سياسة الحكومة، لقد حاولت قوى معارضة أن تدعو الجماهير لموكب أو مظاهرة سلمية للاحتجاج على سوء الأحوال المعيشية وارتفاع الأسعار بصورة لم تعهد من قبل، ولكن تلك القوى منعت من تنفيذ طلبها· ما حدث في السودان (الشمال تحديداً) أن توقيع اتفاقية السلام قد أُتبع بحالة الطوارئ التي كانت مفروضة من يوم نجاح انقلاب الإسلامويين العسكري في 30/6/،1989 وتواصل الانفراج السياسي، فوضع وأقر دستور مؤقت للبلاد له سمات ديمقراطية، بل إن بعض مواد ميثاق حقوق الإنسان الدولي قد أصبحت جزءاً مكملاً لذلك الدستور، وترتب على هذا الوضع أن الأحزاب السياسية المعارضة مارست حقها الديمقراطي، فكانت اللقاءات والندوات السياسية العامة، أو ما يسمى في السودان بالليالي السياسية التي تعقد ليلاً في العراء، ويحتشد الناس للاستماع إلى رأي قادة الحزب صاحب الدعوة، وكان واضحاً أن الإقبال على هذه الليالي كان عالياً بصورة ضاعفت من آثارها· وتبعت كــل ذلك انفراجــة وانفتاح في أعمــدة الصحف التي مارست حريتها تنفيذاً والتزاماً بالدستور الجديد، وهكذا، فقد ساد لبعض الوقت جو ديمقراطي واعد ومتطور بصورة سلمية· ولكن يبدو أن هذه الانفراجة الديمقراطية لم ترضِ قادة الحزب الحاكم، فقرروا الانقضاض عليها والعودة بالأمر إلى ما كان عليه قبل إقرار الاتفاقية وقبل صدور القانون، فكان هذا الحجر على الحريات، وأهمها حرية الصحافة وحرية إبداء الرأي، وهي سياسة لاشك مرتبطة بمرحلة الإعداد للانتخابات، التي تجرى عليها والمحدد لها العام المقبل ·2009 محجوب عثمان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©