الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الزواج الثاني للأقباط يفجر أزمة بين القضاء المصري والكنيسة

الزواج الثاني للأقباط يفجر أزمة بين القضاء المصري والكنيسة
22 ابريل 2009 03:42
لم يكن عاطف كيرلس يتخيل أن يتسبب حكم قضائي حصل عليه في أزمة مفتوحة بين القضاء المصري والكنيسة القبطية الأرثوذكسية. وحصل كيرلس وهو مواطن مصري قبطي على حكم من المحكمة الإدارية العليا بإلزام الكنيسة بالتصريح له بالزواج الثاني بعد طلاقه وتوقع أن الكنيسة ستنفذه على الفور لاسيما وأنه حكم نهائي لا يجوز الطعن عليه، لكن توقع كيرلس خاب وفوجئ برفض المسؤولين بالكنيسة للحكم بل ووصفهم له بأنه عديم القيمة ولا يلزمهم ليبدأ سيناريو أزمة مرشحة للتصاعد. ورغم أن كيرلس حالة فردية فإن الخطورة تكمن في أن أكثر من 800 مسيحي آخرين لديهم دعاوى مماثلة لحالة كيرلس وينتظرون أحكاما مشابهة بعد رفض «المجلس الإكليركي»، المسؤول عن الزواج والطلاق بالكنيسة، منحهم تصاريح بالزواج الثاني والقائمة قابلة للزيادة فالألوف من الاقباط كانوا ينتظرون ليقلدوا كيرلس ويلجأوا إلى القضاء لوضع الكنيسة في موقف حرج وإجبارها على مخالفة ثوابتها لصالحهم. وبحسب إحصائيات الكنيسة نفسها هناك ما يقرب من 160 ألف حالة لمطلقين ومطلقات ترفض الكنيسة منحهم تصاريح زواج ويبدو أن القضاء سيكون الطريق الوحيد أمامهم، وهو ما ينذر بتفاقم المشكلة خاصة في ظل إصرار القضاء على موقفه الذي يراه مطابقا للقانون، بينما تصر الكنيسة على رفضها لأنه يخالف الكتاب المقدس «الانجيل». الحيثيات التي يستند اليها القضاء أكدت ان حصول المسيحي على تصريح من الكنيسة بالزواج الثاني يخضع لطقوس معينة ابرزها الحصول على ترخيص الرئيس الديني المختص «بابا الاقباط» وامتناع الكنيسة عن منحه هذا الترخيص لا يعد شأنا دينيا خالصا بل هو قرار إداري يخضع في ممارسته لسلطة القضاء لبيان ما إذا كان الرئيس الديني محقا في امتناعه عن منح التراخيص أم أنه تجاوز قواعد الشريعة الأرثوذكسية. وأكدت حيثيات المحكمة أن أحكامها لا تعد تدخلا من القضاء في الشأن الديني وانما هو إعلاء لهذا الشأن لتحقيق مقاصد وأهداف الشريعة الارثوذكسية وإيجاد التوازن بين حقوق القائمين على هذا الشأن وحقوق المواطنين الدستورية وفي إطار قواعد الشريعة دون الخروج عليها او تجاوزها، لكن الكنيسة رفضت الالتزام بهذه الاحكام وأصرت على عدم تنفيذها مستندة الى ما ورد في الإصحاح «5» من انجيل متى ونصه «من تزوج بمطلقة فإنه يزني» وكذلك قول المسيح بأنه «لا طلاق في الشريعة المسيحية إلا لعلة الزنا». ويزيد المشكلة ويجعل الكنيسة اكثر حرصا على تصعيد الأمر وتحويله إلى أزمة دينية رغبتها في قطع الطريق على محكمة القضاء الإداري التي ستفصل الشهر الجاري في الدعوى المقامة من مجدي وليم طليق الفنانة هالة صدقي والتي يطالب فيها بعدم دستورية لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الصادرة عام 1938 من المجلس الملي التابع للكنيسة الأرثوذكسية وهي اللائحة التي تستند إليها الكنيسة في منح أو منع ترخيص للمسيحي المطلق لكي يتزوج مرة ثانية. وحسب مصادر فالكنيسة تسابق الزمن للضغط على البرلمان لإقرار التعديلات التي أدخلتها على هذه اللائحة حتى يصبح لديها سلاح تواجه به هذه الاحكام خاصة ان الكنيسة لا تقبل التنازل عن حقها في فرض وجهة نظرها الدينية على رعاياها. وأكد قضاة بمجلس الدولة المصري أن امتناع الكنيسة عن تنفيذ احكام المحكمة الإدارية العليا جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس والعزل من الوظيفة. ورفض الانبا مرقص، رئيس لجنة الاعلام بالكنيسة، هذا الامر وقال: «لن نخالف تعاليم الله من أجل أحكام القضاء». وتساءل: «من نطيع.. الكتاب المقدس أم القضاء؟» وأضاف مرقص: «كنا نرجو بدلا من هذا الخلاف حول حكم قضائي يخالف تعاليم الكنيسة ان يصدر قانون الاحوال الشخصية للمسيحيين الذي وافقت عليه الطوائف المسيحية في مصر كلها، ووقع عليه رؤساؤها منذ عام 1998 ولم يصدر حتى الآن»، مشيرا إلى أن «الخلاف حول تنفيذ الحكم القضائي لن يؤدي إلى صدام مع الحكومة المصرية لأن الزواج المدني مفتوح امام الجميع ومن يود فليجأ اليه، ولكن لا يمكن اجبار الكنيسة على مخالفة تعاليمها، وإصدار تصريح بالزواج الثاني الا بالشروط الموجودة في العقيدة المسيحية». ويقول الأنبا بسنتي، أسقف حلوان والمعصرة وعضو المجمع المقدس: «القضاء حر فيما يصدره من أحكام، والكنيسة ستفعل ما تشاء»، مؤكدا أن الكنيسة لن تخالف تعاليم الإنجيل من أجل تنفيذ حكم قضائي. وأضاف بسنتي: «من حصل على حكم بالطلاق من القضاء فليذهب ويحصل على تصريح بالزواج من القضاء لكن الكنيسة لن تمنح تصريحا بالزواج الثاني إلا وفقا للقواعد التي حددتها الشريعة المسيحية وهي ان يكون الطلاق حدث لوجود علة الزنا أو لترك احد الزوجين الديانة المسيحية». ولفت بسنتي إلى ان تأخر الدولة في إقرار قانون الأحوال الشخصية الموحد للطوائف المسيحية ساهم في تفاقم المشكلة واكتظ المجلس الاكليركي بالعديد من شكاوى المطلقين والمطلقات للحصول على تصريح بالزواج الثاني. واعتبر القمص صليب متى، كاهن كنيسة مار جرجس بشبرا الخيمة وعضو المجلس الملي العام للأقباط، أن الاحكام القضائية بإلزام الكنيسة بإصدار تصريح للمطلق او المطلقة بالزواج الثاني لا تلزم الكنيسة في شيء، لأن الزواج المسيحي له ثوابت معينة ويعتبر من أسرار الكنيسة ولا تستطيع الرئاسة الدينية «البابا» تغييره، فالزواج في المسيحية هو أن يذهب الزوج والزوجة إلى الكنيسة للاعتراف واستشارتها لكن ما يسعى اليه البعض حاليا هو زواج «بيزنس» وليس له أساس ديني أو روحي، حيث يذهب المسيحي إلى القضاء طالبا الطلاق فيستجيب له القضاء، وبعدها يذهب إلى القضاء طالبا استصدار تصريح من الكنيسة بالزواج الثاني في حين انه رفض من البداية ان يطلب الطلاق من الكنيسة وبالتالي ترفض الكنيسة منحه التصريح، وطالما انه طّلق بعيدا عن الكنيسة فليتزوج بعيدا عن الكنيسة. وأشار متى إلى أن القانون 462 لسنة 1955 أكد أن الحكم في مسائل الاحوال الشخصية لغير المسلمين يكون طبقا لشرائعهم. ومن ثم يجب على القضاء ان يحكم بما جاء في الشريعة المسيحية والكتاب المقدس. من جهته، قال نجيب جبرائيل، محامي الكنيسة الارثوذكسية، أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون وانتهك الدستور، مشيرا إلى أن المحكمة الإدارية العليا تجاوزت اختصاصاتها لأن الزواج في المسيحية عقد ديني وليس مدنيا وبالتالي يصعب تنفيذ الحكم ولا يملك احد محاسبة البابا على عدم تنفيذ الحكم لأن المادة 123 من قانون العقوبات تنص على انه يحكم بحبس الموظف العام وعزله من وظيفته في حالة الامتناع عن تنفيذ حكم القضاء» والبابا ليس موظفا عاما. المستشار معتز كامل مرسي -الامين العام بمجلس الدولة- دافع عن موقف القضاء وعن احكام المحكمة الإدارية العليا قائلا «الحكم عنوان الحقيقة» وعلى أي جهة ان تنفذه او ترفضه بالطرق التي حددها القانون وهي الطعن عليه او الاستشكال فيه لتوقف تنفيذه لكن احكام الطلاق والزواج بالنسبة للمسيحيين نهائية وواجبة النفاذ مشيرا إلى ان القاضي لا يطبق الا القانون، وإذا كانت هناك مشاكل في لائحة الاحوال الشخصية للأقباط تتنافى مع تعاليم الكنيسة والكتاب المقدس فيجب تعديلها من خلال البرلمان. وقال المستشار لبيب حليم لبيب، نائب رئيس مجلس الدولة، إن الكنيسة لا ترفض تنفيذ الاحكام بصورة مطلقة ولكن منحها التصريح بالزواج الثاني يدور وجودا وعدما مع توفر جريمة الزنا فإذا ثبت للكنيسة ان حكم الطلاق كان لعلة الزنا فإنها تنفذ احكام الادارية العليا وتسمح بالتصريح بالزواج الثاني أما إذا لم يثبت ذلك فلن تستطيع الكنيسة تنفيذه
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©