الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

كويكول تغدق ريعها على سكان مدينة جميلة الجزائرية

كويكول تغدق ريعها على سكان مدينة جميلة الجزائرية
5 أكتوبر 2007 02:44
هي مدينة صغيرة تقع على بعد 370 كلم تقريبا شرق الجزائر، ليس في مبانيها العصرية ما يلفت انتباه الزائر؛ فهي تشبه باقي المدن الصغيرة الأخرى، لكنها تستمد خصوصيتها وتفرُّدها من ''المدينة الرومانية'' الكبيرة التي تقع في قلبها· الطريق إلى جميلة ليس سهلاً، فهو ضيق كثير المنعرجات مما يجبر السائق على تخفيض سرعته إلى أدنى درجة لضمان سلامته، ولا غرو في ذلك، فهذه الطريق تقودكَ في النهاية إلى مدينة تعمَّد الرومان بناءَها بين الجبال والوديان حتى تستعصي على العدو فلا يصل إليها بسهولة، ولذلك تكتسب ''كويكول''، كما سماها الرومان، طابعاً استراتيجياً وعسكرياً، وقد بنوها في القرن الأول الميلادي (بين 96 و98 ميلادية) لتكون مأوى لقادتهم العسكريين ونبلائهم بعد تقاعدهم· حينما تدخل جميلة يقابلك عددٌ كبير من المباني الفردية والفيلات، أما العمارات الحديثة فهي قليلة، وقد فطنت الدولة مؤخراً إلى أهمية مدينتها الأثرية فقررت الشروع قريباً في بناء فنادق فخمة من خمسة نجوم بها لاستضافة نجوم الفن العرب والضيوف المشاركين في ''مهرجان جميلة العربي'' بين 1 ـ 10 أغسطس من كل سنة، عوض أن يقضي النجوم بقية لياليهم في مدينة ''سطيف'' التي تبعد عن المكان بـ 62 كلم· حينما دخلنا جميلة لأول مرَّة كان الظلام قد حل، ومع ذلك كانت الحركة كثيفة جداً في الشوارع بسبب بداية المهرجان الفني العربي في طبعته الثالثة، وأمام ''قوس كركلا'' الذي كان أحد أبواب المدينة الرومانية، يسهر جمهور جميلة والمناطق المجاورة مع نجوم الفن الجزائريين والعرب إلى مطلع الفجر لمدة 10 أيام، إلا أن الملاحظ أن الفنانين العرب كانوا يعبِّرون كل ليلة عن اندهاشهم من جمال هذه المدينة الأثرية أكثر من غبطتهم بتفاعل الجمهور معهم، وكان أكثر المندهشين رامي عياش وإيهاب توفيق وكارول سماحة وعبد الهادي بلخياط، بينما يبدي السكان فخرهم الكبير بهذه المدينة الأثرية التي أخرجت جميلة من دائرة النسيان والتهميش لتنال حظها من الاهتمام والشهرة· حضارة عريقة كان لا بد أن نعود إلى ''كويكول'' نهاراً للتجوُّل فيها بحرية في شوارعها التي لا تزال منتصبة تكسوها الحجارة الرومانية الضخمة وتزينها الأعمدة الكبيرة المنحوتة بشكل دائري جميل ومتناسق، وفي ''كويكول'' شارعان رئيسيان متقاطعان ينتهي طرفاهما ببابين كبيرين يعلوهما قوسان ضخمان وجميلان، إلا أن أجملها هو ''قوس كركلا'' الذي تقام تحته مباشرة السهرات الغنائية العربية، وبقربه يقع معبد روماني ضخم يشكل أحد أجمل المناظر في ''كويكول'' بينما يقع خلفه المسرح الروماني الذي يتسع لثلاثة آلاف متفرج، وهو ما يشكل ربع سكان المدينة التي كانت تؤوي 12 ألف ساكن آنذاك، ويُتخذ المسرح أيضاً كساحة لتنفيذ حكم الإعدام في الأشخاص المدانين قضائيا برميهم إلى الأسود على مرأى من المتفرجين، ولا تزال أجزاء مهمة من هذا المسرح الكبير قائمة إلى الآن· الغوص في مدينة ''كويكول'' يعني الاطلاع أكثر على حضارة الرومان بالمنطقة، وعلى نمط عيشهم وعاداتهم وطريقة تفكيرهم ووسائل الرفاهية التي اجتهدوا لتوفيرها وكذا ذوقهم الجمالي العالي؛ إذ لم يكن الرومان يرصفون الحجارة الضخمة مستغلين في ذلك عبيدهم فحسب، بل كان لهم حسٌّ جماليٌ عال؛ فهم يتفننون في نحتها، وصقل الأعمدة الحجرية، ونحت التماثيل وزخرفة الجدران، وقد اهتموا بكل جوانب حياتهم؛ فبنوا أبراجاً عالية للمراقبة العسكرية، كما بنوا أسواقاً واسعة جميلة بها طاولات حجرية مزينة برسوم عديدة، وشيَّدوا حمامات للملك وحاشيته وحمامات أخرى عمومية وقنوات لجلب مياه الشرب وقنوات للصرف الصحي وسجنٍ للنساء وآخر للرجال· وتبرز للعيان آثار المحكمة العسكرية والمحكمة المدنية والمجلس البلدي، وكذا معابدهم الوثنية وكنائسهم بعد تحولهم إلى المسيحية، مما يؤكد أن الرومان قد جاؤوا بأفكار واضحة وجاهزة لدى بنائهم ''كويكول''، ولم يغفلوا أي جانب من جوانب الحياة· تراثٌ عالمي وعلى مقربة من المدينة الأثرية، بُني ''متحف جميلة'' لتحفظ به التحف الفنية والتماثيل والنقوش والأدوات المعيشية الرومانية التي تعطي فكرة أفضل عن نمط عيش الرومان وحضارتهم، إلا أن أهم ما يلفت الانتباه في هذا المتحف هو أن جدرانه كلها مليئة بلوحات فسيفسائية عملاقة بها صور جميلة لجنودٍ رومان في الصيد والحروب· منذ عام 1982 أصبحت جميلة مدينة مصنفة تراثاً عالمياً من طرف اليونسكو، وهي واحدة من أكبر 7 مدن رومانية في العالم، وقد أحاطتها السلطات الجزائرية بسور كبير لحماية 42 هكتاراً مليئة بالآثار، إلا أن أحد المرشدين السياحيين يؤكِّد أن مساحتها الإجمالية تصل إلى 95 هكتاراً، لكن الحفريات الفرنسية التي انطلقت في القرن الـ 19 توقفت سنة 1957 بعد اشتداد لهيب الثورة الجزائرية لتبقى 53 هكتاراً كاملة مطمورة تحت التراب إلى هذه الساعة، ويبدو أنها ستبقى كذلك إلى الأبد بسبب التوسع العمراني وتعذر الحفر الآن تحت بيوت السكان·
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©