الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قصة تيه وكرم

قصة تيه وكرم
4 أكتوبر 2007 23:31
قيل للفضل بن يحيى: ما أحسن كرمك لولا تيه فيك! فقال: تعلمت الكرم والتيه من عُمارة بن حمزة· فقيل له: وكيف ذلك؟ فقال: كان أبي عاملاً على بعض كور بلاد فارس، فانكسرت عليه جملة مستكثرة، فحمل الى بغداد وطولب بالمال فدفع جميع ما يملكه وبقيت عليه ثلاثة آلاف درهم لا يعرف لها وجهاً، والطلب عليه حثيث فبقي حائراً في أمره· وكانت بينه وبين عُمارة بن حمزة منافرة ومواحشة، لكنه علم انه ما يقدر على مساعدته الا هو، فقال لي يوماً وأنا صبي: امض الى عُمارة وسلم عليه نيابة عني، وعرفه الضرورة التي قد صرنا اليها، واطلب منه هذا المبلغ على سبيل القرض الى أن يأذن الله تعالى باليسر· فقلت له: أنت تعلم ما بينكما فكيف أمضي الى عدوك بهذه الرسالة وأنا أعلم أنه لو قدر على إتلافك لأتلفك؟ فقال: لا بد أن تمضي اليه، لعل الله يسخره ويوقع في قلبه الرحمة! قال الفضل: فلم تمكني معادوته وخرجت وأنا أقدم رجلاً وأؤخر أخرى حتى أتيت داره، واستأذنت في الدخول عليه فأذن لي، فلما دخلت وجدته في صدر إيوانه متكئاً على مفارش وثيرة، وقد غلف شعر رأسه ولحيته بالمسك، ووجهه الى الحائط -وكان من شدة تيهه لا يقعد الا كذلك- فوقفت أسفل الإيوان، وسلمت عليه، فلم يرد السلام، فسلمت عليه عن أبي، وقصصت عليه القصة فسكت ساعة ثم قال: حتى ننظر· فخرجت من عنده نادماً على نقل خطاي إليه، وموقناً بالحرمان، عاتباً على أبي أن كلفني إذلال نفسي بما لا فائدة فيه، وعزمت على ألا أعود إليه غيظاً منه· فغبت عنه ساعة ثم جئته وقد سكن ما عندي، فلما وصلت الى الباب وجدت بغالا محملة فقلت: ما هذه؟ فقيل: إن عُمارة قد سير المال، فدخلت على أبي ولم أخبره بشيء مما جرى لي معه كي لا أكدر إحسانه عليه· فمكثنا قليلاً، وعاد أبي الى الولاية وحصلت له أموال كثيرة، فدفع إليّ ذلك المبلغ وقال: احمله اليه· فجئت به ودخلت عليه فوجدته على الهيئة الأولى، فسلمت عليه، فلم يرد، فسلمت عليه عن أبي وشكرت إحسانه، وعرفته بوصول المال· فقال لي بحرد: ويحك! اقسطارا كنت لأبيك؟ اخرج عني لا بارك الله فيك وهو لك· فخرجت ورددت المال إلى أبي، وعجبنا من حاله!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©