الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قلعة حلب معجزة العمارة العسكرية العربية في القرون الوسطى

قلعة حلب معجزة العمارة العسكرية العربية في القرون الوسطى
13 مارس 2010 21:49
إذا زرت حلب ولم تزر قلعتها، فكأنك لم تزر المدينة الثانية في سوريا، لأنك لم تر درّة المدينة وتاجها ومثار فخرها. ولاسيما أن أهل حلب يتخذون من القلعة رمزاً لمدينتهم التي يعود تاريخها إلى سبعة آلاف عام، ويعتبرونها إحدى أمهات التاريخ، وتوأم الأحداث الكبرى في المنطقة. تعد قلعة حلب من أقدم وأجمل وأكبر القلاع في العالم، وتقع وسط مدينة حلب القديمة، على تلة مرتفعة، ويعود تاريخها إلى عصر الآراميين مروراً بمن حكموا المدينة حتى تم تحريرها على يد القائد العربي خالد بن الوليد خلال الفتوحات العربية الإسلامية لبلاد الشام والعراق، ويعود التاريخ المعروف للقلعة إلى الألف الثالث قبل الميلاد، حيث يذكر أحد الرقم الفخارية المكتشف في مدينة ماري الأثرية السورية أن ريموش الأكادي دمر القلعة والمدينة منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، إلى أن جاء أحد قادة جيش الاسكندر المقدوني في الألف الثاني قبل الميلاد واختارها معسكراً لجيشه، ثم حل فيها البيزنطيون، وهاجمها الفرس مراراً ودمروها، وكانت مجمعاً للأكروبول في العهد اليوناني، ليعاد بناؤها وتوسيعها في العهد البيزنطي، وهي تضم آثاراً آرامية تعود إلى القرن العاشر قبل الميلاد. تعاقب حضارات تعاقب على القلعة الأكاديون والحوثيون والآراميون والبابليون والآشوريون والسلوقيون والرومان والبيزنطيون والفرس، وهدمها الغازي المغولي هولاكو عام 1260، بعد أن نكث بالعهد الذي قطعه لأهلها بعدم تدميرها إذا ما سلموه المدينة صلحاً، ثم رممها الملك قلاوون، ليعود المغولي تيمورلنك لهدمها مرة أخرى عام 1400 م، ومن ثم يعود المماليك لترميمها من جديد، حتى سيطر عليها العثمانيون عام 1516. ليُقفل بذلك باب الغزوات التي تعرضت لها، رغم أن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا جاءها عام 1831 واتخذها ثكنة لجنوده حتى عام 1840. وقد ارتبطت حياة القلعة بمدينة حلب التي تحيط بها، والتي كانت تشكل المركز الاقتصادي العالمي الذي ربط بين القارات من خلال طريق الحرير، وكونها مركز تجارة التوابل والمنسوجات والعطور، وصلة الوصل بين أوروبا والشرق الأقصى الآسيوي. وفي زمن العثمانيين أصبحت حلب العاصمة الاقتصادية للدولة العثمانية، وتضاعف حجم التجارة فيها بشكل كبير، وكانت تضم (75) قنصلية وممثلية تجارية عام 1680، إلا أن مدينة حلب تلقت ضربة موجعة بافتتاح قناة السويس، حيث تحول طريق التجارة العالمي عنها، وتلاشى دور الطريق البري الذي كانت تشكل إحدى مفاصله الرئيسية. الحكم العربي عندما فتح العرب القلعة، لم يتخذوا منها قصراً للولاة أو ثكنة للعسكر، واستمر الأمر كذلك حتى عهد الحمدانيين، حيث كان الأمير سيف الدولة الحمداني أول من أعاد استخدامها كقلعة عسكرية، وقصراً للحكم، لمواجهة هجمات البيزنطيين، وتبعه في ذلك السلجوقيون، ثم الزنكيون، فقد اهتم نور الدين زنكي بالقلعة ورممها وأعاد بناء سورها، وبنى فيها مسجداً ما يزال قائماً حتى اليوم، لكن القلعة بلغت ذروة مجدها في عهد الملك الظاهر غازي الأيوبي ابن صلاح الدين الأيوبي، الذي حكم حلب ثلاثين عاماً، فجدد القلعة وبنى فيها ما يزيد على 26 قصراً ومسجداً وحماماً وخزان مياه، إضافة إلى الأبراج والجسور والمخازن، كما أقام حولها الخندق الشهير. ويعتبر المؤرخون وعلماء الآثار أن القلعة بشكلها الحالي ترجع إلى عهد الملك غازي الذي أنشأ فيها كتلاً معمارية وتحصينات شكلت إعجازاً في نسق العمارة العسكرية في القرون الوسطى، وفي مراحل لاحقة أكمل المماليك تجديد عمارة القلعة وحافظوا على شكلها وعمارتها الأيوبية. معالم مهمة أبرز ما يميز القلعة عمرانياً أبراجها والسور الضخم الذي يحيط بها، والتي تعبّر جميعاً عن المستوى الذي وصلت إليه فنون العمارة العسكرية عند العرب في القرون الوسطى، والبرج الأول هو أهم الأبراج ويتضمن فتحات لإلقاء القذائف والسهام على المهاجمين، ثم البرج الثاني وبرج السفح الجنوبي وبرج السور الشمالي، وللقلعة عدة أبواب أهمها: باب البرج الرئيسي ويسمى باب (الحيّات) وباب (الأسدين) وباب ثالث يتصل بقاعة الدفاع، وكلها من الحديد المصفح، وهناك باب رابع خشبي يؤدي إلى ممر القلعة الداخلي. ولا تزال بعض قصور القلعة قائمة حتى اليوم، ومنها قصر يوسف الثاني حفيد الملك غازي بن صلاح الدين الأيوبي، وهو قصر ضخم ويمتاز بالجمال، وتزينه مقرنصات شيدت بالحجارة السود والصفر، وأرضه مبلطة بالرخام والمرمر، ويتوسط باحته حوض ماء، ويلحق به حمام من عشر حجرات، زودت جميعاً بأنابيب فخارية لتزويده بالماء الحار والبارد. أما قاعة العرش فتعتبر من أجمل ما شيده الحكم العربي الإسلامي، حيث تمتاز هذه القاعة بالمهابة، وهي تضم أرقى وأجمل ما أبدعه الفن المعماري الإسلامي، حيث زينت بزخارف هندسية حجرية عربية، ومن خلال نافذة كبيرة فيها، يمكن للمشاهد أن يطل على مدينة حلب. كما تضم القلعة أربع قاعات أخرى هي قاعة الدفاع الكبرى، وتضم كوى لرمي السهام وفتحات لسكب السوائل المشتعلة على المهاجمين أو المحاصرين، ثم قاعة تؤدي إلى مستودع كبير كانت تحفظ فيه الحبوب والمؤن، وقاعدة الدفاع الأولى. مزارات في القلعة تضم القلعة جامع إبراهيم الخليل الذي جدده نور الدين زنكي عام 1162، وهو مسجد يتبرك به المسلمون، حيث يقال بأن سيدنا إبراهيم كان يجلس على صخرة في مكانه ويحلب أغنامه، وقد صنع لهذا المسجد محراب يعد تحفة ثمينة ومثالاً في الجمال، إلا أنه سرق خلال الانتداب الفرنسي على سوريا، وتبين أن الكولونيل الفرنسي (ويغان) قام بسرقة هذا المحراب الفريد ونقله إلى فرنسا في أوائل العشرينيات من القرن الماضي. وهناك مقام للخضر عليه السلام، إضافة إلى الجامع الكبير الذي بناه الملك غازي الأيوبي عام 1210 م، وهو يحوي مئذنة مربعة ارتفاعها 20 متراً، وقد تم مؤخراً ترميم هذا المسجد، أما قاعة العرش فقد جرى ترميمها منذ عقود، وهي تستخدم الآن للعديد من الاحتفالات والمناسبات، كما تشهد القلعة أعمال ترميم مستمرة من قبل بعض الهيئات الدولية بالتعاون مع السلطات المحلية. وتعتبر القلعة مدينة متكاملة بما تضمه من كتل عمرانية مختلفة الوظائف كالمخازن والمساجد والقاعات والساحات والحوانيت، والكثير من الآثار التي تحكي أهم أحداث الشرق، منذ ما قبل الميلاد، وحتى عصرنا الحاضر.
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©