الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

سيف الرحبي يشدو للقراصنة ومــوت الأشياء

سيف الرحبي يشدو للقراصنة ومــوت الأشياء
3 أكتوبر 2007 00:21
هو شاعر يجوب العالم كله، يتنقل بين الرمل والماء، ويتوقف في محطات الحياة والموت، ذلك التوقف الوجودي الواعي بما يجري في العالم، على المستويين الوجودي والإنساني· وقد عبر عن هذا الوعي عبر كتاباته التي ملأت عشرين كتابا حتى الآن· وفي آخر كتبه ''سألقي التحية على قراصنة ينتظرون الإعصار'' يحفر سيف من خلاله في تربة المكان والزمان المفتوحة أمام رؤيته السوداوية إلى حد كبير· رؤية سوداوية تقوم على مسيرة قائمة ما بين ''بحر العرب إلى بحر الصين''· عوالم البحر لا يضع سيف نصوصه في هذا الكتاب تحت أي تصنيف، كأنما يتركها للقارئ يصنفها كما يشاء، وهو يطلق لنصوصه العنان لتحلق في عوالمه ذات الخصوصية، وتجسد مناخاته التي تنطوي- في آن واحد- على الحميمية والبؤس والقسوة حد الشراسة· هي عوالم البحر ومناخاته التي تقدم الحياة والموت على طبق واحد، والبحر هنا ليس ماء وشواطئ وحسب، هو فضاءات مفتوحة على الحياة كلها، وعلى الموت بأشكاله كلها أيضا· ومنذ العنوان نحن أمام الإبحار والإعصار، فكلاهما يحتوي الحياة المتمثلة في المغامرة ومواجهة المجهول من جهة، والموت المختبئ وراء الأمواج العاتية من جهة مقابلة· في مقطع واحد من الكتاب يلخص سيف الموضوع كله، حيث يقول: عبر بحر عُمان والمحيط الهندي/ حتى أقاصي آسيا/ ذاهبا لمعانقة الظلال/ للقاء البوذي الذي ظل تسع سنين/ محدقا في الجدار/ في سؤدد الروح/ غابة السر العصي على الكشف/ للسباحة في بحر الصين والعندمان/ وسألقي التحية على قراصنة/ يفتشون عن لآلئ وجزر طمرها الإعصار· عوالم سيف الرحبي مفتوحة على المدهش والمجهول دائما، ففي تجواله وأسفاره ثمة جديد وغريب يلفت الاهتمام ويثير الانبهار، ذلك أنه شاعر يعيش الأشياء بفطرية وطبيعية· يحمل معه بيته ورمال صحرائه وأمواج محيطه الهادر أينما حل، كما يحمل هموم الشعوب في حله وترحاله· يلتقي كثيرين، يحتضنه كثيرون ومنهم: كهنة بوذيون بقمصانهم الصفر/ عائدون إلى معابدهم/ في رؤوس الجبال وأعماق الغابات· هنا ثمة مزج بين جباله وغاباته وأمكنته الخاصة من جهة وبين المعابد البوذية من جهة ثانية، مزج يهدف أساسا إلى تضييق المسافة بين البشر، والتركيز على المشترك في ما بينهم، ويكثف من ذلك عبر التوحد بالطبيعة وعناصرها المختلفة من طيور وشجر وماء وحجر، مستخدما لغة ذات مستويات دلالية متعددة، وخصوصا من خلال النظرة المعمقة إلى بدايات الخليقة والكائنات، حيث ''منصات النيازك قبل الانطلاق''، والسماء ''جرداء قاحلة''، و''النسر الأول''، و''الجنين الذي كنته''· فالعودة إلى البدايات تأتي لتجسد الهروب من الزمن الراهن· الطفل والمتناقضات نعود مع الشاعر إلى ذلك الطفل المثقل بأحلامه ورؤاه، الطفل الذي تعب من أحلام الجنة والنار، ومن شقاء الطفولة الموصول بحبل الشيخوخة، وينظر إلى صخرته السيزيفية المتناسلة منذ قابيل وهابيل· بل إن الشاعر ليغبط القطة النائمة لصق باب منزله لما تتمتع به من ''الوداعة الهانئة''· ويلفت النظر في كتاب سيف هذا قدر من اللعب على المتناقضات يخلق روحا شعرية خاصة بنصوص الكتاب، ففي لحظة واحدة قد يحدث أن نجد الموج يرقص ''ضاحكا ومنتحبا''، وفي كيان واحد تجتمع الكثير من التناقضات، حيث نجد ''تعويذة الملاك أمام وسوسة الشيطان/ وغواية الشيطان أمام هداية الملاك· ويبلغ به الأمر أن يجد في جسد الأنثى ما يبرر قوله إنه ''أبدية أخرى للضجر الأزلي الجميل''· الموت موضوع هام يستوقف الرحبي دائما، وهو الموت في صوره وأشكاله المختلفة، فهو حاضر في حطام السفن والمراكب، كما هو حاضر في أشجار الربيع التي تذوي، وفي ''هاتف الانقراض'' الذي يهتف بالبشر، أو حتى في ''جنازة البشرية جمعاء''· فالأشياء في نص سيف لا تقل أهمية عن البشر، وموت الأشياء له تأثير موت الإنسان، إذ أن للأشياء بداية ونهاية، هناك ''طفولة القارب والإنسان'' وثمة أيضا ''قارب هرم''· وبخصوص المؤثرات الأشد حضورا في نص سيف الرحبي فهي القرآن كمؤثر أول، والشعر العربي والعالمي كمصدر ثان، فمن القرآن يتخذ ركيزة في وصفه القتلة بأنهم يتناسلون من شجرة الجحيم التي ''طلعها كأنه رؤوس الشياطين''· وللمتنبي حضوره، حيث يسعى الشاعر هنا في أحد نصوصه للنوم ملء جفونه عن شوارد الحروب والجوارح لينزع الخناجر المسمومة من جسده· هناك الكثير مما يمكن أن يقال أمام هذه المجموعة من النصوص التي تختزل عوالم سيف الرحبي الغنية، ويبقى القول إن الطابع العام الغالب على هذه النصوص كونها قصيرة، وتنطوي على قدر من مشاعر البراءة والطهارة، يسعى سيف من خلالها إلى فتح نفق جديد نحو ما يسميه ''الحقيقة الأسمى'' التي تندحر أمامها الجيوش واللغات''· ونختم بقوله في أواخر الكتاب: لقد جفت مياهك أيها الغريب وروح الملاك غادرت الأحبة والمكان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©