الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رمضان في الأسواق التونسية.. حركة وبركة

رمضان في الأسواق التونسية.. حركة وبركة
2 أكتوبر 2007 22:17
حين ولوجك المدخل الرئيسي للسوق المركزي في العاصمة التونسية ووصولك إلى البهو الشاسع ذي الأعمدة المرتفعة تخال نفسك في إحدى قلاع الأغالبة، بيد أن السقف القرمدي الأحمر يلوّح بالانتماء إلى حضارة المتوسط· في السوق المركزي تشعر بالمزيج الحضاري لسكان تونس· بين ثقافة الصحراء والبحر، وبين البادية والمدينة تتجاذبك الخواطر في الأسواق التونسية وخاصة خلال شهر رمضان، شهر الخير واليمن والبركات، شهر يضفي على الحياة اليومية طابعا خاصا وممتعا· وللسوق المركزي مكانة محورية لسكان العاصمة، فهو المكان الذي تستطلع من خلاله الأجواء العامة بالبلاد· حيث ترى الباعة والمتسوقين والزائرين وعابري السبيل، الكل هنا يبحث عن مبتغاه·· فهذا يبحث عن لحم طري أو سمك وصل لتوه من ''قليبية'' أو ''المهدية''، يقف أمام هذا البائع أو ذاك ليجيل النظر في مختلف الأنواع، وهذا يقوم بجولة في سوق الفواكه يمتع النظر، متحيرا في الاختيار· وهذه ربة بيت تسرع الخطى باحثة عن خضار طازج قادم لتوه من مدينة ''سيدي بوزيد'' أو ''بوعرادة'' أو ''مرناق''· ولرمضان -يقول بائعو السوق المركزي- نكهته، إذ يزور السوق والدكاكين المحاذية له آلاف المواطنين يوميا ليقتنوا حاجياتهم من الخصار والأسماك والفواكه والغلال وغيرها· حمى الاستهلاك وتعتبر زيارة السوق المركزي بالنسبة للرجال أكثر من ضرورية في رمضان، إذ تعوض في كثير من الأحيان قهوة الصباح التي ألفوا أن يشربوها، إذ يخرجون من أعمالهم ومكاتبهم لجولة قصيرة أو طويلة بالسوق، يشترون أو يتجولون كل حسب هواه، أو يؤمونه بعد الدوام الرسمي لتمضية الوقت واقتناء ما لذ وطاب لموعد الإفطار· أما بالنسبة للنساء فهو مكان للتزوّد بحاجيات العائلة ولتحديد وجبات الفطور والسحور في بعض الأحيان، فهذه السيدة قد فتنتها أنواع المعروضات التقليدية من العجين مثل ''النواصر'' و''الحلالم'' فقررت أن تطبخها لعائلتها في الإفطار، وهذه تبحث عن أجود أنواع الخضار لإعداد ''كفتاجي'' لأبنائها، وهو طبق من مقلي الفلفل والطماطم والبيض والقرع· وتلك السيدة تبحث عن لحم ضان جيد في جناح اللحوم الحمراء لتطبخ لزوجها طبق ''الكسكسي'' التونسي الأصيل، يشجعها في ذلك المثل القائل ''قلب الرجل معدته'' غير عابئة بصعوبة إعداده وبضرورة التفنن في طبخه إن أرادت النجاح في مبتغاها· وفي جناح الاسماك هرج ومرج وقصة حب للسمك، فللتونسيين، كما يؤكد عدد من الباعة والمتسوقين، قصة مع الأسماك· فهم من هواة الأسماك يحبذون أكلها في كل الاوقات وخصوصا في رمضان، إذ تطبخ مع ''شربة'' الشعير أو القمح وهو عبارة عن حساء، يؤكل بعد قليل من تمر ''الجريد''، تماشيا والسنة النبوية الشريفة· وعلى امتداد الدكاكين المحاذية للسوق المركزي بوسط العاصمة غير أصحاب المطاعم والمقاهي أنشطهم ليعرضوا أشهى الحلويات التقليدية التي تستهلك في رمضان بكثرة مثل ''المقروض'' و''الزلابية'' و''المخارق'' و''أذن القاضي'' التي تعد بالطحين والعسل والسمن والتي اختص أهل غمراسن بالجنوب في صناعتها· تمر العين فترصد حلويات وفطائر وأصنافا مختلفة من الخبز والعجين والحلويات والموالح تشكلت بتشكل الحضارات المتعاقبة التي مرت على البلاد من الأغالبة والفاطميين والصنهاجيين والعثمانيين والاندلسيين والفرنسيين، فأصبحت من تقاليد الموائد التونسية· الأسعار والاحتكار وفي شهر رمضان الذي يكثر فيه الاستهلاك، وضعت وزارة التجارة برنامجا لتوفير كل الحاجيات والضروريات وتخصيص مخزون احتياطي من الخضار والغلال واللحوم الحمراء والبيضاء والحليب والبيض لتعديل السوق عند الحاجة، وهي عادة دأبت عليها بحلول الشهر الكريم للتحكم في مستوى الأسعار ومجابهة المضاربة والاحتكار· كما خصصت وحدات متجولة من فرق المراقبة الاقتصادية لتجوب الأسواق ليلا ونهارا لردع المخالفين من التجار والباعة· وقد سجلت مصالح وزارة التجارة خلال اليوم الأول تزويد سوق الجملة الرئيسي بحوالي 1530 طنا من الخضار والغلال والأسماك، مما مكن من تزويد أسواق التفصيل بالعاصمة بكل الحاجيات والضروريات بكل سهولة ويسر· بركة رمضان وفي شهر رمضان الكريم يخصص صندوق التضامن والاتحاد التونسي للتضامن موائد إفطار بكل المناطق يؤمها المعوزون من المواطنين ومن عابري السبيل· وتعم بركة الشهر الكريم الغني والفقير على حد السواء· وقد عملت الدولة والجمعيات الخيرية على أن تشمل الرعاية ضعاف الحال من المواطنين وقد خصصت لذلك مساعدات تم توزيعها خلال الأيام الأخيرة بكل الجهات قصد مساعدة العائلات الفقيرة على استقبال الشهر الكريم ومجابهة مصاريفه الكثيرة· في هذا الجو المفعم بالحركة والبركة، وفي هذا الصخب الممزوج بالإمتاع والمؤانسة، يشعر المرء بالغبطة وبلذة التجول في السوق المركزي، وبالفضاءات العمومية، حيث تضفي نفحات رمضان على المكان والإنسان نكهتها ورونقها في سياق تضامني فريد وسمو روحي متجدد· تعبق الروح هنا برائحة رمضان في جميع تفاصيل ومفردات الحياة اليومية للتونسيين والزائرين أيضا، رمضان في تونس الخضراء سحر وجمال وبركة·
المصدر: تونس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©