السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشيشان.. الأمن والمدنية بقبضة فولاذية

2 أكتوبر 2007 11:59
في أماسي وليالي هذه المدينة، بدأت تعود مشاهد ما كان لأحد أن يتوقع رؤيتها قبل أقل عن عامين، إذ لم تكن سوى حطام وأنقاض حرب مدمرة· ومن بين تلك المشاهد، سير النساء ليلاً في الطرقات، وتجمعات الشباب المراهقين تحت الأضواء المنصوبة في الشوارع العامة، وهم يتجاذبون أطراف الأنس والحديث مع أصدقائهم عبر هواتفهم النقالة· بل ربما ترى في زاوية من زوايا الطرق مجموعة من الشباب وهم يتسابقون بسياراتهم في الشوارع الجديدة التي جرى تعبيدها للتو· وفيما لو انتبه المرء إلى أن كل هذه المشاهد النابضة بالحياة تبدو في شوارع ''جروزني'' العاصمة الشيشانية، فما أعظم الدهشة وما أبعد ما نرى عن مجرد الخيال والحلم! على طول المدينة وعرضها، ترى المسؤولين المحليين من الذين خاضوا أشرس معارك التمرد الوطني الإسلامي ضد موسكو، يسترخون في المقاهي وقد وضعوا بنادقهم وأسلحتهم إلى جانبهم، بينما يواصلون الأنس واحتساء القهوة والشاي وغيرهما· وبعد مضي ثلاث سنوات أعقبت موجة طويلة وحامية من حرب العصابات والهجمات الإرهابية، استسلم الكثير من المحللين والمراقبين لفكرة استحالة وضع حد لحرب روسيا ضد الانفصاليين الشيشان، أو أن تحقق موسكو أي نصر عسكري أو سياسي فيها· ولكن الذي حدث الآن، أن الشيشان عادت بالكامل إلى سيطرة الكرملين بفضل تعاون وكلائها هناك بقيادة ''رمضان قادروف'' الرئيس الشيشاني، وحكومته ذات السجل السيئ للغاية في مجال حقوق الإنسان· غير أن ذلك لم يمنع حتى أشد منتقدي ''قادروف'' من الاعتراف بحقيقة الدعم الشعبي الذي يحظى به، بسبب التغييرات الواضحة التي جاءت بها حكومته في مختلف أصعدة الحياة الشيشانية كلها· فهذا هو العام الثاني الذي يستمر فيــه تراجـــع القتــال والمواجهــات العسكريــة المسلحــة، التي لم تعــد سوى أحداث متفرقـــة تجري هنــا وهنــاك على نحــو متقطــع وبحجم أقل بكثير مما كانت عليه من قبل؛ وضمن ذلك لم يشهد صيف العام الحالي هجوماً عسكرياً كبيراً للمتمردين كما تنبأ الانفصاليون· نتيجة لتراجع العمليات المسلحة، إلى جانب وفرة النقد والسيولة التي تحصل عليها، فقد تمكنت حكومة ''قادروف'' من إعادة بناء الجزء الأعظم من العاصمة ''جروزني'' وكذلك المناطق والضواحي المحيطة بها، لتنهض من بين ركام الحرب تماماً كما حدث لمدينة ''ستالينجراد'' إبان الحرب العالمية الثانية؛ وهو ما حدث بوتيرة أسرع مما عادت به المدن والعواصم الأوروبية بُعيد الحرب العالمية الثانية بفضل خطة مارشال الشهيرة· فحتى وقت قريب جداً -منذ عام تقريبا- كانت ''جروزني'' أقرب إلى ركام حطام، أما اليوم فقد تحولت إلى مدينة تعيش كل أشكال المدنية بمعنى الكلمة من معمار وخدمات وسلع، كما شهدت الضواحي والمدن المجاورة تحسينات مشابهة، وبلغت خدمات المياه والكهرباء حتى جبال القوقاز التي كانت معقلاً رئيسياً للانفصاليين الشيشان· وبين ما يلحظه المرء من تغيرات أن الكثير من المواطنين بدأوا يتحدثون بقدر من السلم والشعور بالأمان، لم يكن لهما من وجود على امتداد ثلاثة عشر عاماً خلت· ومما قاله الأهالي في هذا الصدد، ما صرحت به ''زليخة علييفا'' -البالغة من العمر 46 عاماً-: ''إنني أقارن حياتي اليوم بما اعتدنا عليه في السنوات الأخيرة الماضية، فيخيل إلي وكأننا نعيش حكاية خيالية لا وجود لها في الحياة''· وقد انتقلت ''زليخة'' إلى بيت جرى ترميمه جزئياً من دمار الحرب، بعد أن كان بيتها قد دمر تماماً إبان الاجتياح الروسي للشيشان في عامي 1999 و،2000 ما اضطرها إلى العيش والاختباء لسنوات عديدة بين الخرابات· بل أكد ''ألكسي مالاشينكو'' -المحلل بمركز موسكو التابع لمؤسسة ''كارنيجي'' الدولية والمتخصص في دراسات الشيشان- عقب زيارة قريبة له لعاصمتها ''جروزني''، إن التغييرات التي شهدتها العاصمة تعد مذهلة بكل المقاييس -لدرجة تعليقه- بأنـــه لم يصـــدق أنـــه كــان هناك حقــاً· وفيما يبدو فإن الهزيمة التي ألحقتها موسكو بالفصيل الرئيسي للتمرد الشيشاني، قد انعكست آثارها على الجمهورية من وجهين، أولهما: تمثل في اندلاع موجة عنف لا مثيل لها، لتتبعها موجة لا مثيل لها من الاستثمار، وهذا هو الوجه الثاني لتلك التأثيرات· وبالنتيجــة فقـــد تراجـــع كثيــراً الحديـــث الذي دار مـــن قبــل ومــا صحبه من تقارير صحفية وإخبارية· على أن في قلب وصفة التحولات الجديدة هذه، يتربع الرئيس الشيشاني ''قادروف''، متمرد الأمس وحليف موسكو اليوم الذي طالما وصــف بالكثير من النعــوت السلبيـة إثر تولي المنصب الرئاسي خلفاً لوالده القتيل· مراسل صحيفة نيويورك تايمز في جروزني-الشيشان ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©